" رحلة في مدن كفر الشيخ" بلطيم.. عروس الدلتا وقبلة البسطاء في فصل الصيف
" رحلة في مدن كفر الشيخ" بلطيم.. عروس الدلتا وقبلة البسطاء في فصل الصيف

في ظل موجة الحر التي تضرب البلاد هذه الأيام, إذ بقطار " بلدنا اليوم" يذهب بنا في إطار سلسلة "رحلة في مدن كفر الشيخ" إلى بلطيم.. تلك البلد التي حين تطأ قدماك أرضها، تشعر أنك أمام مدينة مزدوجة الهوية, نصفها بحر ونصفها ريف، تنام على شاطئ المتوسط وتصحو على خضرة الدلتا، تجمع في ثناياها الطمأنينة والبساطة الساحلية، ونبض التجارة والروح العائلية الوديعة, هي ليست فقط مصيفًا شهيرًا، بل مدينة حية، نابضة بتفاصيل كثيرة لا يشبهها أحد.
تُعد بلطيم واحدة من أهم مدن محافظة كفر الشيخ، وتقع شمال شرقي المحافظة، ويحدها من الشمال البحر المتوسط، ومن الجنوب مركز الحامول. تبلغ مساحتها حوالي 120 كيلومترًا مربعًا، ويُقدر عدد سكانها بنحو 190 ألف نسمة وفق تقديرات 2024، يتوزعون بين المدينة، ومصيف بلطيم، والقرى التابعة لها.
أما عن تسميتها، فهناك روايات متعددة، لكن أكثرها شيوعًا أن الاسم يعود إلى تحريف لكلمة "بلاطيم"، أي جمع "بلاطة"، حيث كانت المنطقة مليئة بصخور مسطحة ناعمة يستخدمها الصيادون والسكان في بناء مساكنهم ومراسيهم. وهناك من يرى أن الاسم يوناني الأصل، من كلمة "بلاتيموس" أي الأرض المنبسطة.
جولة في شارع الجمهورية
بمجرد دخولك إلى وسط مدينة بلطيم، يستقبلك شارع الجمهورية، وهو الشارع التجاري الرئيسي في المدينة, ممتد من مركز المدينة حتى طريق المصيف, يزدحم الشارع نهارًا بالمارة، والبائعين، وأصوات الميكروفونات التي تنادي على التخفيضات في محال الملابس والأدوات المنزلية.
على جانبي الطريق تنتشر المقاهي الشعبية، ومحلات البقالة، ومتاجر الذهب والهواتف المحمولة، ومحلات الكشري والمطاعم المختلفة, حياة بسيطة لكنها غنية بالتفاصيل.
سوق بلطيم.. سوق جملة تجاري متميز


غير بعيد عن شارع الجمهورية، يجاوره لمترات, يمتد سوق بلطيم الكبير، وهو من أقدم الأسواق في شمال كفر الشيخ, يُقام السوق بشكل يومي، لكن ذروته تكون يوم الخميس، حيث يتوافد التجار من القرى والمراكز المجاورة لبيع منتجاتهم من الخضار، والفاكهة، والملابس، والمأكولات البحرية, ويأتيه التجار من المراكز والمحافظات الأخرى لشراء البضاعة الطازجة بأسعار جيدة.


وتشتهر بلطيم ببطيخها الأحمر الممتاز، الذي يزرع في أراضيها الرملية، ويُصدر أحيانًا إلى أسواق بعض الدول العربية, فهناك ستجد الشاحنات محملة بأكوام البطيخ على جنبات الطريق، ويقف الباعة ليقسموا لك بـ"حياة النبي" أن الثمرة “مفرغة وزي العسل”.
أما السمك، فهو علامة بارزة. من "الطوبار" إلى "البلطي" و"الدنيس" وكافة أنواعه, يُعرض طازجًا في السوق أو يُشوى على الفحم في مطاعم محلية بسيطة، تقدم وجبة بحرية خالصة بسعر شعبي.
كورنيش بلطيم.. ملتقى العائلات

يمتد كورنيش بلطيم بمحاذاة البحر في خط شبه مستقيم، تصطف عليه المقاعد والمظلات الخشبية، وتتناثر حوله عربات الذرة المشوية والفشار، وأصوات أغاني عبد الحليم من مكبرات الصوت, والباعة المتجولين.
في المساء، يتحول الكورنيش إلى ملتقى للعائلات والشباب، يتجولون، أو يلتقطون الصور، أو يجلسون يتأملون الأفق حيث يبتلع البحر الشمس ببطء, ورغم بساطته، إلا أن الكورنيش يحتفظ بجاذبيته كمتنفس حقيقي لأهالي المدينة.
مصيف بلطيم.. قبلة الزوار وملاذ المصطافين

إذا كانت بلطيم مدينة تجمع بين البحر والريف، فإن مصيف بلطيم هو قلبها الساحلي النابض، والمكان الذي تنبعث منه رائحة الصيف في كل شبر.
يُعد المصيف من أقدم المصايف الشعبية في مصر، لكنه في الوقت نفسه يتمتع بمزايا طبيعية وتنظيمية تجعله فريدًا من نوعه بين مصايف دلتا النيل.
6 شواطئ رئيسية بمصيف بلطيم

يضم المصيف نحو 6 شواطئ رئيسية، هي: النرجس، الزهراء، الفيروز، الأمل، الفنار، والسلام، فإذا كنت قادمًا من مركز بلطيم مارًّا بقراها متخذًا طريق الشيخ مبارك, كتجهًا إلى المصيف فإنك تبدأ رحلتك من شاطئ الفنار غربًا وتنتهي عند شاطئ الفيروز شرقًا.
ويتميز المصيف بامتداداته الساحلية التي تستوعب الآلاف من المصطافين خلال موسم الصيف, وتتميز هذه الشواطئ برمالها الناعمة البيضاء، وانحدارها الهادئ، ما يجعلها آمنة للأطفال، ومريحة للعائلات، بدون تيارات بحرية خطرة أو زحام خانق.
ورغم أن المصيف لا يضم فنادق خمس نجوم، إلا أن به عددًا من الفنادق السياحية المتوسطة مثل فندق بلطيم الجديد، وفندق النرجس، وفندقي القوات المسلحة والشرطة، لكنه يضم مئات الشقق المفروشة والوحدات السكنية التي يؤجرها الأهالي للمصطافين بأسعار مناسبة، مما يوفّر بدائل متعددة للإقامة تناسب مختلف الفئات, وتختلف فيها الأسعار حسب قربها من البحر, وحسب مساحتها ةتشطيبها, تبدأ من 400 جنيه, وتصل إلى 1600 جنيه, وجميع شواطئه مفتوحة مجانًا للزائرين.
كورنيش المصيف.. الكورنيش الذي لا ينم




وعلى امتداد الكورنيش المخصص للمصيف، تمتد الحياة بكل تفاصيلها. هناك كورنيش المصطافين، الذي تم تطويره في السنوات الأخيرة ببلاط حديث، وأعمدة إنارة ليد، ومقاعد حجرية، ومساحات خضراء صغيرة، ويُعد من أكثر الأماكن جذبًا للعائلات ليلًا, حيث الأطفال يركضون في سعادة، والمراهقون يتجولون في جماعات، والشباب والكبار يجلسون على السور يتأملون البحر.
وفي المساء، يتحول الكورنيش إلى سوق مفتوح، حيث عربات الذرة المشوية تفوح منها رائحة لا تُقاوم، والترمس الساخن يُقدم في أكياس بلاستيكية مع رشة كمون وليمون، والبطاطا المشوية تخرج من الأفران المتنقلة على عجلات، والفشار يُفرقع في الهواء ليجذب الأطفال, وكذلك عربات غزل البنات, وأماكن تأجير الدراجات والألعاب النتشرة على حافات الكورنيش من بدايته في شاطئ النرجس, حتى نهايته في شاطئ الأمل.
وهناك أيضًا باعة يبيعون الألعاب الصغيرة، ونظارات البحر، والعرائس البلاستيكية، والبالونات، القديمة التي لا تزال تجد زبائنها هنا, أما من يفضل الجلوس، فهناك المقاهي الشعبية التي تقدم الشاي بالنعناع، أو أكواب العصير الطبيعي في أكشاك بسيطة مزينة بأنوار ملونة, وأصوات الأغاني الشعبية.



ومن مزايا المصيف أيضًا وجود منطقة للملاهي، وإن كانت محدودة وبسيطة، فهي تضم عددًا من الألعاب الكهربائية للأطفال، كالعجلة الدوارة، والسيارات المتصادمة، ولعبة القطار الصغير، وتفتح حتى ما بعد منتصف الليل, رغم تعددها لكن تبقى ملاهي شاطئ الزهراء هي الأكبر والأشهر فيها, كما توجد أيضًا ملاعب خماسية، ومساحات مفتوحة للأنشطة الصيفية، أعدتها المحافظة مؤخرًا خلال المواسم السابقة.
بلطيم وُجهة من يبحث عن الراحة
بلطيم لا تُغري من يبحث عن الفخامة، لكنها تُبهج من يبحث عن الراحة، فهي لا تشبه مصايف النخبة، لكنها تُشبه ناسها، وناسها هم الأجمل، بسطاء، ودودون، متعاونون، يفتحون بيوتهم وقلوبهم للزائرين, ومن بين المزايا المهمة أن المصيف يخلو من المظاهر السلبية أو التحرش، بفضل الرقابة المجتمعية القوية، وطبيعة الزوار العائلية المحافظة.
في مصيف بلطيم، لا تحتاج إلى أكثر من شمس دافئة، ومقعد على الرمال، ورائحة ذرة مشوية، وموجة تداعب قدميك لتشعر أنك أخذت إجازة حقيقية، بصحبة الذكريات الجميلة لا الفواتير الباهظة.
ففي زمن تشتد فيه الحاجة للهدوء والسكينة، تقدم بلطيم نفسها كملاذ آمن وهادئ، جميل، وبسيط.