بعد الإفراج عنها 2018.. الاحتلال الإسرائيلي يعتقل الناشطة الفلسطينية عهد التميمي

الاثنين 06 نوفمبر 2023 | 02:00 مساءً
الناشطة عهد التميمي
الناشطة عهد التميمي
كتب : نورهان ممدوح

أعلن الجيش الإسرائيلي، منذ قليل، اعتقال الناشطة الفلسطينية عهد التميمي البالغة من العمر 22 عامًا، صباح اليوم الاثنين، خلال عملية مداهمة في الضفة الغربية المحتلة بتهمة «التحريض على الإرهاب».

وصرح الناطق باسم الجيش الإسرائيلي، لوكالة الصحافة الفرنسية: «أوقفت عهد التميمي للاشتباه بتحريضها على العنف ونشاطات إرهابية في بلدة النبي صالح. أحيلت التميمي على قوات الأمن الإسرائيلية لمزيد من الاستجواب»، وفقًا لوكالة الصحافة الفرنسية.

وقد نشر وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، منشورًا على منصة «إكس»، حيا فيه الجيش الإسرائيلي لإلقائه القبض على عهد التميمي مضيفًا: «لن نتسامح مع الإرهابيين وداعميهم».

ولكن من هي هذه الناشطة الفلسطينية لكي توليها قوات الاحتلال هذا الاهتمام والعناء؟

إنها عهد باسم محمد تميمي ابنة قرية النبي صالح ,والتي عُرفت منذ طفولتها بين أقرانها أنّها دائمة التصدي وتحدي جيش الاحتلال في اعتداءاته على عائلتها وجيرانها، إذ تمكنت ووالدتها من تخليص شقيقها محمد من يد قوات الاحتلال التي حاولت اعتقاله، وقد التقطت كاميرات الإعلام ذلك الموقف.

كما شاركت عهد منذ عمر الرابعة مع والديها في العديد من المسيرات والمظاهرات رفضًا للسياسات التي تفرضها السلطات الإسرائيلية ضد منطقتها، وذكرت أنها كانت تؤمن بما تفعل تمامًا، وترى أنّ الخروج في المسيرات المناهضة للسياسات الإسرائيلية حافز للناس للاستمرار في النضال. ومن ضمن ذلك كانت لا تتخلى عن المشاركة في المسيرة الأسبوعية كل يوم جمعة في قرية النبي صالح، رافعةَ شعار «اخرجوا من أرضنا.. فهذه الأرض ليست لكم»، وكانت تتمنى دائمًا أن تدرس القانون لتصبح محامية لتدافع عن وطنها وأهلها وشعبها.

وكانت مسيرة النبي صالح بدأت منذ كانون الأوّل (ديسمبر) 2009، كاحتجاج أسبوعي لأهالي القرية وبعض المتضامنين الدوليين ضد جدار الفصل العنصريّ ومصادرة أراضي القرية لصالح مستوطنة «حلميش»، وهي تأتي في سياق المقاومة الشعبية ضد جدار الفصل العنصري الذي التهم جزءًا كبيرًا من أراضي القرية.

كما كان والدها ووالدتها أعضاءًا في لجنة المقاومة الشعبية ضد الجدار والاستيطان التي تأسست عام 2009 لتنظيم فعاليات ضد الاحتلال الإسرائيلي في القرية. كما أُسس مكتب إعلامي لرصد وتوثيق جرائم القوات الإسرائيلية ضد الأهالي في القرية عُرِف بـ«تميمي برس».

عهد تعتقل للمرة الأولى

أقدمت أكثر من عشرين دورية إسرائيلية على اعتقال عهد في ساعةٍ متأخرة من ليلة الثامن عشر من شهر كانون الأول (ديسمبر) 2017 في قرية النبي صالح قرب مدينة رام الله المحتلة. وكانت القوات الإسرائيلية التي اقتحمت المنزل قد إستولت على عددٍ من أجهزة الحاسوب والهواتف المحمولة، قبل أن تعتقل عهد. فيما اعتقلت نفس القوات ناريمان التميمي والدة عهد من أمام معسكر بنيامين شمال رام الله، حين كانت في طريقها لمعرفة وضع ابنتها التي اعتقلت في ذلك اليوم. واعتقلت القوات الإسرائيلية الوالد باسم التميمي كذلك من داخل قاعة المحكمة أثناء حضوره جلسة محاكمة ابنته بعد يوم من اعتقالها.

إصابتها

قبل اعتقالها تعرضت عهد للإصابة 3 مرات برصاص الاحتلال المطاطي، وتعرضت لكسر بيدها، لكنها واصلت الدفاع عن نفسها وأهلها والصراخ في وجه الجنود الإسرائيليين لطلب حقها.

التحقيقات والمحاكمة

في 24 ديسمبر 2017 رَفضت محكمة إسرائيلية الإفراج عن عهد التميمي. وفي 1 يناير 2018 مددت محكمة إسرائيلية اعتقالها ووالدتها 8 أيام أخرى، ووجهت لها 12 اتهامًا رسميًّا، من ضمنها إعاقة عمل وإهانة جنود، والتحريض، وتوجيه تهديدات، ومشاركة بأعمال شغب وإلقاء حجارة. وفي 15 يناير 2018 مدّدت محكمة إسرائيلية اعتقال عهد لمدة 48 ساعة لاستكمال التحقيق معها للمرة الرابعة منذ اعتقالها. وفي يوم الإثنين 9 نيسان (أبريل) 2018، عقد باسم التميمي مؤتمرًا صحافيًّا في مؤسسة الحق الحقوقية بمدينة رام الله في الضفة الغربية، قال فيه أن السلطات الإسرائيلية سلمتهم شريط فيديو مدته ساعتان لإحدى جلسات التحقيق، التي كان بعضها يستمر لاثنتي عشرة ساعة يوميًا، يظهر فيه ضابط من الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وضابط من الشرطة يهددان عهد باعتقال عائلتها وأصدقائها إن بقيت ملتزمة الصمت، ومن ثم تحرشا بها لفظيًا من خلال حديثهما عن عيونها الزرقاء وشعرها الأشقر. وأكد التميمي أن نشر الفيديو هدفه توعية الأهالي بتقوية أبنائهم لمواجهة أية عملية اعتقال، وكيفية التعامل مع المحقق، وإبراز سياسة الاحتلال الإسرائيلي للعالم وإظهار إسرائيل بأنها لا تحترم أي قوانين دولية، ورسالة إلى قطاع غزة بأن المقاومة الشعبية مهمة الآن في مقاومة الاحتلال، ودعوة للضفة الغربية للمشاركة في مسيرة العودة.

الحكم عليها

في 21 آذار (مارس) 2018، حَكمت محكمة عوفر بِسجن عهد التميمي لِمدة ثمانية شهور، وبالسجن لمدة ثمانية شهور مع وقف التنفيذ لمدة 3 سنوات، إضافةً إلى غرامة مالية قدرها 3000 شيكل إسرائيلي جديد. كما حكمت المحكمة على والدتها ناريمان، بالسجن لمدة ثمانية شهور، وخمسة شهور مع وقف التنفيذ لمدة ثلاثة سنوات، مع غرامة مالية قدرها 6000 شيكل، حيثُ اتهمت الأم بتحريض ابنتها على الاعتداء على الجنود الإسرائيليين. كذلك، حكمت نفس المحكمة على نور التميمي وهي ابنة عم عهد، بالسجن لمدة 16 يوم، وغرامة مالية قدرها 2000 شيكل. وقد ظهرت عهد يومذاك في المحكمة مكبلةَ اليدين والقدمين، وهي دون السنِّ القانوني، ولمَّا سألتها إحدى الصحافيات عمَّا إذا كانت راضية بِالحُكم، أجابت: «إحنا مش راضيين على إشي، ولا وُجود الاحتلال على أرضنا».

متابعة تحصيلها العلمي خلال فترة سجنها

قالت عهد التميمي أنها كانت تشعر بِقلق كبيرِ في السجن من احتمال خسارة شهادة الثانوية العامة، كونها سُجنت في السنة التي يتوجب فيها على طلاب المدارس تقديم تلك الشهادة، المعروفة في فلسطين بـ«التوجيهيَّة». وقالت أنها أكملت التوجيهي مع الأسيرات الأخريات في صفٍ افتتحنه في سجن شارون، وسمينه «فجر التحدي»، كونهن تمكن من تحدي إدارة السجن التي حاولت أكثر من مرة أن تغلق الصف وتعلن حالة الطوارئ وتعيد الأسيرات إلى زنزاناتهن. وأشارت إلى التكاتف الذي أبدته الأسيرات في مواجهة السجَّان الإسرائيلي، مُمثل السجن، فالأسيرة ياسمين شعبان عملت بجد لمساعدة الأسيرات لإكمال دراستهن، والأسيرة إسراء جعابيص واظبت على الدراسة طوال الليل رغم إصابتها البالغة بحروق. ولم يقف الأمر عند الثانوية العامة، بل استطاعت الأسيرات، وفقًا لعهد، أن يعقدن دورات في مجال القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني حتى يتعلمن المزيد. ومن المعروف أن السلطات الإسرائيلية تسمح تحت ظروف معينة، للأسرى الفلسطينيين، بالتقدم لأداء امتحانات الثانوية، واستغلَّت عهد الفرصة وتقدَّمت لأداء الامتحان. وقال والدها في هذا المجال: «كنت متيقنًا أن مستقبل ابنتي انتهى قبل صدور الحكم، لكنها وبحمد الله كانت مثابرة، وأدّت الامتحان داخل المعتقل».

الإفراج عنها

أفرجت السلطات الإسرائيلية عن عهد التميمي صباح يوم الأحد 29 يوليو 2018 بعد سجنها لِثمانية أشهر، ونقل الإسرائيليون عهد ووالدتها التي سجنت أيضًا بسبب التهمة ذاتها، من سجن داخل إسرائيل إلى معبر جبارة جنوب مدينة طولكرم، الذي يؤدي إلى الضفة الغربية حيث تعيشان. فور وصولها لقريتها النبي صالح، عقدت عهد التميمي وعائلتها مؤتمرًا صحفيًا لنقل رسالة من المعتقلين الفلسطينيين، وقالت: «أنا سعيدة بالافراج عني وعن والدتي لكن فرحتنا منقوصة ولن تكتمل إلَّا بالافراج عن كل الأسرى والأطفال داخل السجون الإسرائيلية». عقب الإفراج عنها، استقبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس عهد التميمي ووالدتها، واصفًا إياها بِالنموذج الساعي لنيل الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، مُعتبرًا أن «المُقاومة الشعبية السلمية هي السلاح الأمثل لمواجهة غطرسة الاحتلال، وإظهار همجيته أمام العالم أجمع»، وأنَّ هذا النموذج سطرته عهد وأهالي قرية النبي صالح وجميع القرى والمدن الفلسطينية. وأشادت عهد بجهود عباس ومتابعته الكاملة لأوضاعها، ودعمه الكامل لعائلتها، وصمودها أمام الإسرائيليين. وذكرت القناة العاشرة الإسرائيلية، أنه فور إطلاق سراحها، زارت عهد التميمي قبر الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في مقر المقاطعة في رام الله. وكان والدها قد خاطب وسائل الإعلام عبر حسابه على فيسبوك قائلًا: «عهد ليست ملكَ نفسها بل ملكُ فلسطين وصاحبةُ القرار، ولن نضغط عليها ولن نمنعها من الاستمرار كمناضلة في وجه الاحتلال». أمَّا عهد نفسها فقالت أن قضاءها ثمانية أشهر في سجون إسرائيل غيّرها كثيرًا، لكنها ليست نادمة على صفع الجنديين وأنها كانت ستفعل الشيء نفسه حتى ولو عرفت أنها ستقضي 8 أشهر في السجن، لأنَّ هذا ليس سوى رد فعل طبيعي على وجود الجندي في بيتها، وإطلاقه النار على أهل بلدتها، وإنها ولو ضربته فإنَّ غيرها كان رُبما سيقتله، وأضافت: «حياتي تغيرت كثيرًا، وأنا أيضًا تغيرت كثيرًا. أصبحت أكثر تركيزًا ووعيًا. السجن يجعل الإنسان يكبر بسرعة. يمكن للإنسان أن يكبر في اليوم مئة سنة في السجن. أتمنى أن أكون على قدر المسؤولية، وهو شرف عظيم لي أن أمثل رمزًا للشعب الفلسطيني، وأن أستطيع إيصال صوته إلى العالم». كذلك، نفت عهد الرواية الإسرائيلية التي تقول بأن أهلها يستغلونها ويدفعون بها وبأخواتها لاستفزاز الجنود. وقالت: «أنا لست صغيرة، وأعرف ما هو الصح وما هو الخطأ. وأقول لمن حاولوا تشويه سُمعتي إنَّ أهلي لا يستغلونني. أهلي يقولون لي إذا كنت لا تستطيعين الاستمرار في هذه الطريق، فتوقفي. وأنتِ غير مجبرة على ذلك».