«الحب» يجمع بين الزوجين في الزنزانة وآخر ظَلمه الخبز.. «حكايات من أمام طرة»

الثلاثاء 24 يوليو 2018 | 04:26 مساءً
كتب : سارة أبوشادي_ تصوير_عبدالرحمن مجدي

هدوء وصمت عم أرجاء المكان، أفراد أمن منتشرين في كل جانب، صوت سيارات مندفعة على الطريق، العشرات يتجمعون البعض منهم جالس يستند على إحدى الأسوار، وغيرهم يتجول في المكان، وآخرين يقفون صامدون تحت حرارة شمس مرتفعة يمسك كلّا منهما بورقة في يده، يحاول عزل حراراة الشمس للوصول إلى رأسه.

 

الحادية عشر صباحًا القلق بدا على الوجوه شغف الانتظار وفرحة اللقاء، الساعات تمر دون إجابه مازال الجميع ينتظر، القلق والخوف علا وجوههم، الثانية ظهرًا ، فتحت البوابات وانتصرت الفرحة، علت الزغاريد دوت أرجاء المكان الجميع انتفض من مكانه ليسرع  كلّا منهما نحو البوابة لاستقبال ذويه.

 

«سجن طرة» هذا المكان الذي شهد فرحة العشرات من أهالي المسجونين على ذمة قضايا مختلفة، بعدما أصدر الرئيس السيسي قرارًا بعفوًا رئاسية عن بعضهم، فمابين هارب من الجيش وغارم وسارق، تعددّت التهم لكن النهاية كانت الخروج بعفو بعد قضاء مدة زمنية محددة.

 

قبل دقائق من فرحتها وقفت تدعوا ربّها ترتدي إسدال صلاة، نحيلة الجسد عمرها لم يتجاوز الـ25 عامًا، التوتر والقلق يعلوان ملامح وجهها الصغير، كانت تتمتم بالدعاء، فهي مجرد زوجة بسيطة جاءت تنتظر خروج زوجها ووالد أبنائها الصغار، والتي علمت أثناء زيارته أمس، أنّ اسمه وُضع ضمن أسماء المعفو عنهم، من قبل رئيس الجمهورية بمناسبة ثورة يوليو، هذا الزوج المتهم في قضية سرقة وإهدار مال، مبلغ حوالي نصف مليون جنيه من مخبز العيش الذي كان يعمل به.

 

«حسبي الله ونعم الوكيل في اللي اتهمه ظلم» كانت الزوجة على وشك البكاء فلم تستطع تمالك نفسها أمام ظلم زوجها، فتحدّثت بأنّ صديقه في العمل هو من قام بالسرقة، وأثناء وردية زوجها أقرّ باستلامه لكآفة الملفات ليتضح بعد ذلك وجود عجز بها لكن ليس من قبل زوجها بل من زميله بالعمل والذي سلّمه الملفات، لكن ثبتت عليه هو التهمة، وحكم عليه بالسجن 6 سنوات قضى منهم 3 وخرج اليوم في العفو الرئاسي.

 

بجانب السور وبشعره الأبيض وشاربه الكثيف عجوز ستيني، وقف يحمل بيده كوبًا صغيرًا من الشاي، بين الحين والآخر يتمعن النظر في ساعة يده، الفرحة تعلوا وجهه انتظارًا لخروج صغيرته وفلذة كبده، تلك الفتاة العشرينية التي تم اتهامها كغارمة هي وزوجها، بعدما أجرتهم الحياة على شراء توكتوك للعمل عليه، فزوجها المريض بالصرع لم يجد عملًا يستطع أن يجعله يصرف على صغاره الاثنان، فقررً الاستدانة وشراء توكتوك وكانت زوجته هي الضامنة، لكنّ القدر شاء أن يتم سرقة التوكتوك من أمام منزلهم، حينها لم يجد مصدر آخر يستطيع الكسب من خلاله وسداد دينه فتمّ القبض عليه برفقة زوجته، والتي كانت ضامنّا له.

 

حكم عليها بحوالي 6 سنوات وزوجها أيضًا نال نفس الحكم،قضت منهم 3 أشهر، لكن وزارة الداخلية دفعت الغرامة والتي قدرت بحوالي 20 ألف جنيهًا، عن الفتاة وخرجت اليوم، في العفو الرئاسي وما زال زوجها في انتظار الفرج هو الآخر، أما الأب فقام بدور الإثنين في تربية أولادهم الصغار، فلم يكن لهم راعي سواها فبات هو الحياة لهم حتى تخرج أمهم بسلام، لكن اليوم، كان الأولاد في حضن الأم في انتظار خروج السند أيضًا.

 

في ركن بعيد 3 نساء جلسن برفقة بعضهم البعض إحداهما عجوز في الستين والأخرى في الأربعين من عمرها الثالثة لم تتخطى حاجز الثلاثين، افترشن الأرض بأوراق كرتونية جلسن عليها، العجوز تُغمض عينها كأنّها في عالم غير الحقيقة، والآخرين يتسامران مع بعضهم البعض، في انتظار خروج أحبائهم.

«فوزية» سيدة ستينية جاءت من السويس برفقة ابنتها التي تجاورها في انتظار خروج ابنها في العفو الرئاسي، فلذة كبدها الصغير قررّ الهرب من الجيش بعد وفاة والده لرعاية أمه السيدة المسنة المريضة، يعلم جيدًا أنّ ما فعله خطأ كبير، فواجب الوطن بمثابة واجبه نحو أمه، فالشاب كان يخدم في سيناء، وبعدما قضى عام في الخدمة ، توفى والده العجوز، ومع أول أجازة للشاب وجد المعاناة التي تعيشها أمه المريضة ليقرر عدم الرجوع مرة ثانية، وبعد فترة قصيرة قررّ تسليم نفسه ليتم الحكم عليه بعامين، وبعد قضاء عدة شهور كان له نصيب في العفو الرئاسي.

السيدة الثالثة التي كانت برفقتهم جاءت هي الأخرى من السويس برفقتهم، كانت في انتظار زوجها هو الآخر الهارب من جيشه أثناء قضاء مدته بسيناء، فبعدما قضى عام ساء ت أحوال أسرته، فلم يتواجد غيره السند والعون له صغاره الثلاثة وزجته وأمه المريضة لم يجدا ما يوفر لهم العيش، مما دفعته معاناتهم للهرب، بحثًا عن مصدر رزقهم، ولكن بعد هروبه بفترة قصيرة وجد أن واجبه تجاه وطنه هو الأكبرن فسلّم نفسه ليتم الحكم عليه بسنتين قضى منهم حوالي 11 شهرًا، ليتم إدراج اسمه في العفو الرئاسي.

 

الكثير استقبل أحبائه عادوا لمنازلهم والفرحة تلاحقهم، وآخرين عادوا والحزن علا وجوههم فلم يشأ القدر أن تدخل الفرحة بيتهم حتى هذا اللحظة، كاانت أمنياتهم أن يشمل العفو أبنائهم، انتظروا ساعات عدة أمام بوابات السجن، كررّوا السؤال على الحراس المتواجدين مرات عدة، لم يتملكهم اليأس وقفوا في اعتقادهم أنّ البوابات ستفتح مرة ثانية ليخرج منها ذويهم، لكن القدر شاء أن يعودوا للمنزل دون أحبائهم عسى أن يشملهم عفو آخر.

اقرأ أيضا