أهالي البصرة: نشرب الملح.. وحلول «العبادى» لا تسمن ولا تغنى من جوع

الجمعة 28 سبتمبر 2018 | 11:49 مساءً
كتب : محمود صلاح

«فاجتباكَ اللهُ بالفراتينِ ألقًا يزهوانِ بمجراهمـا عذبينِ سلسبيلا.. وجمعتَ أبنـاءكَ على اختلافِ ألوانهم فكنتَ لهم أعزُ عشيرةٍ وقبيلا.. وأبيتَ ألا أن تكـونَ بأبناءكَ هامـةُ مجدٍ وفخرٍ وعزٍ لستَ بذليلا.. لكنَ الذئـابُ السودُ تعـويَ هائجـةً على محرابيكَ تزيدُ العويلا».. كلمات للشاعر العراقى شمعة، نُقشت فى كُتب تراثية منذ سنوات طويلة، تصف الحالة العراقية قديمًا وجاءت لتنطبق مرة ثانية على الحالة التى يمر بها العراق خلال الآونة الأخيرة، والتى تتمثل فى المحاولات التركية الإيرانية الساعية إلى تدمير البلاد، من خلال السدود التى تبنيها على نهرى دجلة والفرات، حيث تؤثر بشكل كبير على العراق وبالتحديد منطقة البصرة.

كابوس يحمل علامات القحط والجفاف، يطارد الشعب العراقى بسبب انخفاض نسبة الأمطار فى العام الماضى، ممزوجًا بالعديد من العوامل الأخرى التى تؤدى إلى هدر المياه، ومزودًا بالأنظمة والسدود التى أقامتها تركيا وإيران حيث يظهر تأثيرها السلبى على مستويات المياه فى نهرى دجلة والفرات.

تلك السدود التى أقامتها تركيا وإيران فى القرن الحادى والعشرين، بمنابع نهرى دجلة والفرات، والتغيرات المناخية التى بدأت تأثيراتها تتزايد على البيئة العراقية، ظهر بسببها سياسات الإهمال والإهدار، وسوء التخطيط للمشاريع المستقبلية فى قطاع المياه العراقية، والتى أشرفت عليه مؤسسات ودوائر الدولة خلال الفترات الماضية لتفجر مشكلة جفاف تلقى بظلال مخيفة على المجتمع العراقى.

تحذيرات بدون حلول

الحكومة العراقية علمت بتلك الكارثة التى تهدد حيات الآلاف من سكان العراق، خاصة فى منطقة البصرة، والدليل على ذلك أن وزارة الموارد المائية العراقية حذرت خلال بيانات كثيرة، من أن البلد يعانى من نقص كبير فى المياه قد يؤدى إلى حدوث حالة من الجفاف وخاصة فى منطقة البصرة، موضحة: أن ذلك نتيجة سياسات الاحتكار للموارد المائية التى تنتهجها الدول الطالة على نهرى دجلة والفرات وفروعهما.

الوزارة أضافت أيضًا أن حالة انحسار تساقط الأمطار غير المعتادة التى شهدها العراق، هى أحد الأسباب التى أدت إلى حدوث مشكلة الجفاف، مؤكدة أن كمية مياه الأمطار التى هطلت على البلاد خلال فصل الشتاء المنصرم قد قلت بنسبة 30% عما كانت عليه فى الأعوام الماضية، وهو ما أثر بوضوح على مستويات المياه فى نهرى دجلة والفرات، وأدى إلى انخفاض مناسيب المياه فيهما.

ورغم التحذيرات الكثيرة التى أطلقتها وزارة الموارد المائية العراقية، لم تتمكن حكومة "حيدر العبادى" من حل هذه الأزمة التى تهدد حياة الكثير، حيث كانت بداية تحركاتها عندما ظهرت علامات الجفاف مجددًا فى شهر يونيو الماضى، بعقد اجتماع للمجلس الوزارى للأمن الوطنى، وخصص الاجتماع لمناقشة ظاهرة شح المياه فى العراق.

المكتب الإعلامى لمجلس الوزراء العراقى، أعلن عقب الاجتماع عن وضع خطة جديدة لمعالجة شح المياه المتوقع للصيف الحالى، كما تم الاطلاع على انعكاس التغييرات المناخية على مستوى إيراد المياه، إضافة إلى آثار الإجراءات المتخذة فى دول الجوار، وبالأخص بدء المباشرة بملء سد "أليسو" فى تركيا.

واتخذ المجلس الوطنى العراقى القرارات اللازمة بشأن تعزيز الأمن المائى خلال فترة الصيف الحالى، حيث تم الاتفاق على تأمين الحصص المائية بما يلبى حاجة المواطن من مياه الشرب والزراعة مع مراعاة ترشيد استهلاك المياه، لكن يبدو أن هذه التصريحات ما هى إلا كلمات تهدئ بها الشعب العراقى، وبالتحديد سكان البصرة، ويوضح ذلك الأهالى المتضررون فى المدينة المنكوبة.

إحسان حسين: كنا بلد الـ40 مليون نخلة والآن نستورد التمر

«أنقذوا أولادنا».. عبارات ترددت على لسان المهندس الكهربائى، إحسان على حسين صاحب الـ51 عامًا، أحد ساكن مدينة البصرة المتضررين من جفاف المياه، الذى لحق بهم وتسبب فى ظهور علامات اليأس وفقدان الأمل على ملامحهم العربية الأصيلة، قال الرجل الخمسينى لـ"محرر بلدنا اليوم" إن أسباب الجفاف الحقيقية هى بسبب قلة المائية الوارده من تركيا وإيران، وذلك بسبب عدم إبرام اتفاقيات دولية دقيقة وعدم التزام هاتين الدولتين بالاتفاقيات القديمة واحترام القوانين الدولية التى تضمن حق الشعوب بتقسيم المياه العذبة، كما هو الحال فى نهر النيل بين مصر والسودان وباقى دول حوض النيل.

وأضاف أن عدم إقامة السدود لتخزين المياه فى العراق بصورة كافية كما هو حال تركيا وإيران، تسبب فى هذه الكارثة التى تدمر حياة أطفالنا فى الأجيال القادمة، حيث إن إيران تمتلك أكثر من ١٢٠٠ سد رغم الموازنات المالية الهائلة التى دخلت للحكومة العراقية.

واستكمل المهندس الكهربائى، أن الجفاف تسبب فى تأثيرات هائلة على الزراعة وتدهورها، حيث تحول العراق من بلد زراعى ومصدر للمحاصيل -خصوصًا التمر والطماطم- إلى بلد مستهلك بالكامل، مضيفًا: "بقينا نستورد التمور من السعودية والإمارات، ونحن بلد الـ٤٠ مليون نخلة فى سبعينيات القرن الماضى، ولا نملك الآن سوى ١٠ ملايين نخلة فى طريقها للاندثار وبالتحديد فى البصرة، لأنها تقع أسفل العراق وفى منطقة منخفضة وقريبة للبحر، حيث إنها بمستوى سطح البحر بالتالى، التصريف الخاطئ لمياه الصرف الصحى، ورميها فى الأنهار ومخلفات المصانع ومخلفات مصفى عبادان الإيرانى وتحويل مياه نهر الكارون الإيرانى لغرض الخزن داخل دولتهم،  فقد كان النهر يطرد المخلفات عن شط العرب، فهذه الأمور كلها ساهمت فى تسمم مياه شط العرب".

داوود سعيد: نسبة الملاحة فى مياه النهر وصلت لـ70%

وقال داود سعيد، شاب عشرينى العمر ثلاثينى الهيئة، تغيرت ملامح وجهه، بسبب الحزن والألم للكارثة التى يصفونها عندهم بكارثة عالمية تدمر حياتهم ولا يجدون لها حلولا، يعيش منذ صغره فى محافظة البصرة، حيث أكد أن هناك حالات كثيرة ما بين الموت والمرضى، بسبب تلوث المياه وجفافها.

وأشار الى أنه فى بغداد كذلك تخرج ألوان سوداء من المياه عند تحليلها، أما البصرة فأصبح العديد من سكانها يعتمدون بشكل كلى فى الشرب والطبخ على مياه الـ"RO" (محطات تحلية أهلية)، لأن نسبة الملاحة وصلت إلى 70%، أما فى ما يخص الغسيل والأشياء الأخرى نعتمد اعتماد كلى على مياه المشاريع الحكومية، وهنا تكون الطامة الكبرى، بسبب تسمم مياه شط العرب وصلت حالات الإصابة ١٨ ألف حالة تسمم والاشتباه بألفى حالة كوليرا، ويحصل الكثير على مياه الشرب من خلال محطات تحلية أهلية، وليست حكومية تعمل بطريقة التناضح العكسى (RO) نقوم بشراء الماء منها تقريبا ٦ دولارات لكل ألف لتر، لكن جميع الإصابات تتم من خلال الغسيل، واستخدام الحنفيات، عن طريق المضمضة أو العين من خلال الأغشية الرقيقة للعين أو الفم.

وأضاف أن واردات البصرة فقط تصل إلى ٣٥٠ مليون دولار يوميًا، من خلال المحطات التى تنتج النفط، وذلك فى اليوم الواحد، ورغم كل هذه الإصابات لم تضع الحكومة المركزية حلولًا تشفى أوجاع هؤلاء العراقيين، بل كل حلولها ترقيعية لا تغنى من جوع، وأخيرًا أصف لك مشكلة البصرة بـ"كارثة عالمية" تصل الى مستوى جرائم الابادة الجماعية.

مستقبل أطفالنا مظلم ومجهول.. وتصريحات الحكومة كلمات على الورق ولا يوجد فعل

"المشكلة ليست وليدة اليوم".. بهذه العبارات بدأ كاظم الغيلانى البصرى، البالغ من العمر 40 عامًا، فى مدينة البصرة، حديثه لمحرر "بلدنا اليوم" مؤكدًا أن بداية الأزمة منذ عام 2009 حيث كانت لها أسباب كثيرة متنوعة ما بين سياسية واجتماعية، ولكن أهم أسبابها هو موقع البصرة الجغرافى الواقع أخر جنوب العراق، وأيضًا أن انخفاض منسوب المياه فى نهرى دجلة والفرات متمثلين فى الشط العربى الذى أصبح كالروح لجسد العراق، أدى الى ارتفاع التراكيز الملحية والتلوث بسبب قلة الواردات المائية وتجاوز المحافظات الأخرى على حصة البصرة كونها فى آخر مصب الأنهار.

وأكد الغيلانى، الذى تعرض للإصابة مرتين بسبب هذه المياه الملوثة، أن للبصرة حصة من مياه "دجلة والفرات"، لكنها لا تحصل عليها بسبب سياسة الحكومة الظالمة وغير المدروسة، وبسبب أن المحافظات الأخرى لا تشتكى من قلة المياه، خصوصًا محافظتى "ميسان - واسط"، فإنهما يتشاركان بسرقة حصة البصرة من مياه نهر دجلة، أما عن الفرات، فقد تم قطع المياه منه نهائيًا من قبل الناصرية.

وأضاف صاحب الأربعين عامًا، أنهم فى البصرة يمرون بأصعب الظروف والمعاناة، والمستقبل أمام أطفالهم مجهول ومظلم، لأن مياه النهر اختلط بها ماء الخليج المالحة، وكذلك المياه أصبحت ملوثة بسبب مياه الصرف الصحى، التى أطلقت على الأنهار، فالجميع يعانى من ملوحة عالية للمياه، إضافة الى تلوثها صناعيًا وبيولوجيًا.

وأشار كاظم إلى أن التأثير لم يكن على الزراعة فقط، بل كانت بدايته على المزارع السمكية، فهناك الكثير من مزارع الأسماك كانت ممتلئة بالمياه العذبة توقفت عن العمل نهائيا، ومنذ عام 2009، وأصبح مائها مالحًا بنفس درجة البحار، خصوصا المزارع التى تواجه الحدود الإيرانية، وكذلك لم تنج بساتين النخيل من هذه الكارثة، حيث أثر بشكل مباشر على الثمار، وبدأت تتساقط والفصائل الصغيرة تموت تمامًا، وغيرها من بساتين الفاكهة والخضراوات ما أدى إلى أن أصبحت الأراضى ما تشبه البور التى لم تر شكل الخضراوات من قبل.

ولفت إلى أنه بسبب ركود المياه فى الأنهار ودخول مياه البحر ومياه الصرف الصحى ومخلفات المصانع عليها، تحولت تلك الأنهار إلى مجمع لكثير من الملوثات، التى تؤثر بشكل مباشر على حياة الإنسان فى البصرة، وأدى ذلك لظهور إصابات بأمراض كثيرة جلدية ومعوية وتسمم ببعض المواد المجهولة، وهناك ارتفاع فى نسبة الأمراض السرطانية، وهذا ينذر بظهور أمراض وبائية مثل الكوليرا، موضحًا: أن المستشفيات فى البصرة ليست بالمستوى المطلوب، ومختبراتها وأقسامها غير قادرة على استيعاب الأعداد الكبيرة من المصابين.

وأوضح الغيلانى، أن الحكومة العراقية وضعت حلولًا، لكن كمثل الحبر على الورق، وكل تصريحاتها كلام فقط، ولا يوجد اى فعل يوضح ذلك، مع العلم أنه يمكن توفيرها بشكل سهل وسلس، وليست شيئا صعبا، لكن لا نعلم لماذا لا  تتصرف الحكومة، وإن كانت عاجزة فعليها أن تعلنها منطقة منكوبة، ونحن نحاول طرح المشاريع.

فكرة للنجاة

وتابع البصرى أن المشروع الحقيقى الذى ينقذ البصرة من ملوحة وتلوث المياه، هو مشروع "سد البصرة الترابية" يكون على شط العرب فى منطقة جزيرة أبو فلوس، وهو المكان المقترح من قبل الخبراء والمختصين لإنشاء سد ترابى، دون أن تعرقل مرور القطع البحرية للموانى العراقية، ولا بد أن ينجز من قبل الشعب دون الاعتماد على الحكومة، التى تملصت عن خدمة أبناء البصرة.

وتتلخص فكرة المشروع المنقذ بأن ندعو أبناء البلد وشبابها إلى غلق شط العرب بأكياس الرمل أو التراب، فجميع السكان فى البصرة يعملون على ملء أكياس من التراب أو الرمل، ووضعهم فى الجزء الضيق من شط العرب، وحسب الإحداثيات وكما هو موضح بالخريطة وغلقه تمامًا بشرط أن يرفع مستوى ماء شط العرب فى جهة البصرة متر فوق أعلى مد بحرى محتمل، وحتى لا يؤدى الاختلاط بمياه البحر.

المكان يقع على بعد ١٥ كيلومترًا عن مركز البصرة جنوبًا ضمن المنطقة بين ميناء أبو فلوس وقضاء أبى الخصيب عرض شط العرب المختار هو 500 متر، وأقصى عمق 16 مترًا، فبالتالى نحتاج إلى 5 أكياس لكل متر مربع طول، أى نحتاج إلى 40 ألف كيس طولًا ونحتاج لإقامة سد بعرض 10 أمتار، ونحتاج أيضًا إلى 400 ألف كيس تراب، لكى يتم إنجاز العمل نحتاج إلى 100 حفار، وأيضًا 100 عربة، وأسلاك شائكة بطول 10 آلاف متر.

المشروع ليس بهذه البساطة، بل يحتوى على تفاصيل وقياسات وجداول لمفاصل الأعمال المختلفة والمواد والكلف نحتاج فقط إلى أكياس بلاستك فارغة وجهد شعبى كبير بدفعة واحدة، مع العلم أن تنفيذه سهل إذا توفرت الإرادة.

نبوءات وظهور علامات الساعة

علامات الجفاف تسببت فى شرود عقول الكثير من الأهالى والمسئولين، إلى ناحية علامات الساعة الصغرى، وقرب يوم القيامة، وفق الحديث النبوى الذى أخبر عنه الرسول، قائلًا: "من علامات الساعة أن يحسر الفرات، ويتغير مجراه فيستبين للناس جبل من ذهب فيقتتلون عليه فيقتل أناس كثير".

وقد حذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حضره، عن الأخذ منه خشية الفتنة أو وقوع المقاتلة بسببه، فمن الثابت فى الأحاديث الصحيحة ما ورد فى قول الرسول -صلى الله عله وسلم- حول علامات الساعة، فقد ثبت فى صحيح مسلم عن أبى هريرة -رضى الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تقوم الساعة حتى يَحِسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه، فيُقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلى أكون أنا الذى أنجو، أما معنى أن يقتتل عليه الناس فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون ولا ينجو إلا واحد، الظاهر من معنى هذا الحديث أن القتال يقع بين المسلمين أنفسهم.

2040 بداية الجفاف التام

منذ بداية الأزمة العراقية، وظهور علامات الجفاف ظهرت الكثير من التقارير العالمية حول هذه الأزمة، فقد كشف تقريران أعدتهما منظمات دولية متخصصة، أن العراق سيخسر فى السنوات المقبلة جميع واردات نهرى الفرات ودجلة بالكامل، وذلك تقريبًا مع حلول عام 2040.

اقرأ أيضا