بعد حديث المفتي.. أطفال مجهولون ضحايا زواج القاصرات

الثلاثاء 01 يناير 2019 | 02:30 مساءً
كتب : الاء محمد

جلست بفستانها الأبيض شاردة لا تدري ما يدور عليها، أصوات الأغاني والتهاني عمّت أنحاء المكان، الجميع يبارك تتلفت حولها يمينا ويسارا تًحاول استيعاب الوضع، أمس كانت طفلة تلهو برفقة أصدقائها بضفائرها الصغيرة أمام المنزل، واليوم باتت امرأة بالغة مسؤولة عن أسرة. 

 

لم تعلم الصغيرة أنّ فرحتها بالفستان الأبيض ستتحول إلى كابوس فيما بعد، الطفلة صاحبة ال15 عامًا كانت أقصى مشكلاتها أن  تخرج للاحتفال مع صديقاتها في العيد، لكنها تحولت فجأة إلى امرأة تستيقظ فجرًا لتستقبل مشاكل عدة طوال اليوم.

انتشرت في السنوات الآخيرة زواج القاصرات، والتي كانت آثارها خطيرة على المجتمع خاصة بعدما ظهر على الساحة أطفالا مجهولون لم يعترف الأب بهم بسبب عدم تسجيلهم خاصة بعد حدوث العديد من المشاكل بين الوالدين،فتحمل الأطفال نتيجة هذا الزواج الخاطئ.

 

شنت السوشيال ميديا فى ختام 2018 حربًا على انتشار صور لطفلين من محافظة كفر الشيخ يقيمان حفل خطوبة أثار المجتمع كله ما يلقى بظلاله على قضية زواج القاصرات ومعدلاتها فى عام2018 .

 

قال الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، إن زواج الصغيرات يهدد استقرار الأسرة والمجتمع فضلًا عن ضرره الطبي، وهو زواج قد منعه بعض أهل العلم من التابعين كالإمام ابن شُبرمة والإمام الأصم؛ فقالا ببطلانه؛ وكما هو معلوم يجوز الأخذ بأيِّ قول مُعتبر من أقوال أهل العلم بما يحقِّق المصلحةَ ووَفْقًا للاختيار الفقهي المنضبط، وقولهما يقوي القولَ بمنعه الآن والذي تؤيده الدراسات والبحوث الثابتة والمعتمدة، ويؤيده الواقع أيضًا.

 

وعن زواج القاصرات تحت السن القانونية من دون توثيق، قال فضيلة المفتي: هذه مشكلة عويصة وخطر كبير، وهذا الزواج فيه مخالفة واضحة للقانون وللتشريعات، فضلًا عن أن ذلك يضر البنت كثيرًا، وخاصة إذا كانت أمًّا لأولاد فتكون عرضة لتنصل زوجها من وجود العلاقة الزوجية بينهما وفي هذا ضياع كبير لا يخفى على أحد.

 

واختتم مفتي الجمهورية حديثه بضرورة الانتباه للإحصاءات المفزعة عن أضرار زواج الصغيرات والقاصرات، مناشدًا أجهزة الإعلام بضرورة زيادة وتكثيف الجهود المبذولة في تنوير وتوعية الأهل والشباب بهذه المخاطر.

الزواج المبكر

زواج القاصرات من الموضوعات المتجددة على الساحة المصرية بشكل مستمر، فالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أعلن في نوفمبر الماضي، عن رصد 118 ألف حالة زواج مبكر في مصر، بما يعادل نحو 40% من حالات الزواج، بينهم أكثر من 2000 فتاة مطلقة أو أرملة، وهن دون ال18 عامًا، فمنهن من استقرت وأخريات عجزن عن الاستمرار فى تلك الزيجات.

 

وامتلأت المحاكم بالعديد من قضايا الطلاق وإثبات النسب وعجزت القوانين عن التصدى لظاهرة زواج القاصرات حتى وصل عددهن مؤخرا لنحو 118 ألف حالة زواج سنويا، تلك الأرقام المفزعة دفعت الرئيس عبدالفتاح السيسى للتعجب من قسوة الأهالى على أبنائهم فى هذه السن الصغيرة وطالبهم بالانتباه لأولادهم وبناتهم.

 

حكايات «صغيرات على الزواج»

الضحية الأولى «إيمان» ضحية زواج القاصرات: «تنازلت عن حقوقى عشان يطلقنى ويثبت نسب بنتى.

 

الضحية الثانية: تزوجت «سحر. م» وهى لم تكمل عامها الثالث عشر من ابن خالتها الذى لم يكن يكبرها سوى بعامين، وكانت وقتها فى المرحلة الإعدادية، تلهو وتلعب مع زملائها، وفجأة أخبرتها والدتها أنها ستتزوج من أحد أقاربها ووقتها كانت «سحر» فى قمة السعادة لكونها سترتدى فستان الزفاف مثل أى عروسة.

 

وتابعت، عشت حياة مريرة أفقدتنى الإحساس بطفولتى التى دمرتها أسرتي، فقد تزوجت وعشت مع أهل زوجى بمنزلهم ورغم أن أهلي كانوا ميسورى الحال إلا أن عاداتنا وتقاليدنا تجبر الفتاة على الزواج وهى صغيرة أما إذا تخطت سن الـ19 سنة فيطلق عليها لقب عانس، وتقل فرصها فى الزواج.

 

وأضافت: بعد أن مرت الأيام شعرت وكأننى كبرت عشرين سنة فوق سنى فمنذ أن وضعت قدمى فى بيت زوجى تحملت مسئولية أسرة كاملة فقد كانت والدته مريضة وغير قادرة على الحركة، وتوليت أنا مهام المنزل بأكملها بعد زواج بناتها وشعرت وكأنى خادمة وأنجبت بعد ذلك أربعة أبناء لكننى ذقت مرارة العيش فلم أتمكن من تحقيق حلمى بإكمال تعليمى مثل صديقاتى وكنت أتمنى أن أصبح مدرسة وأختار شريك حياتى، لكننى لم أجن سوى المتاعب والهموم بعد أن دمرت أحلامى على صخرة الزواج.

 

الضحية الثالثة: أما شيماء رمضان فولدت لأسرة فقيرة وكان والدها يعمل حارس عقار فى محافظة أخرى وله 7 أبناء فى مراحل عمرية مختلفة وتقول: كنت أعيش مع والدتى وإخوتى وحرص والدى على تعليمى أنا وإخوتى حتى المرحلة الابتدائية فقط لعدم قدرته على تحمل نفقات التعليم، فقد كنا نعيش حياة بسيطة جدا وبمجرد أن بلغت 16 سنة تقدم لخطبتى أحد أقاربى ووقتها كنت ألهو وألعب مع أصدقائى ولم أكن أرغب فى الزواج إلا أن والدتى لم تكن قادرة على تحمل أعبائنا فحرصت على إتمام زواجى للتخلص من ظروف الحياة الصعبة، ونصحنا الأهالى بكتابة ورقة لإثبات زواجى وقام والدى بتحرير إيصال أمانة على العريس بقيمة 10 آلاف جنيه لضمان حقى، ولحين توثيق العقد ومنذ أن تزوجت كانت حياتى بلا معنى فقد استيقظت لأجد نفسى أسيرة فى قفص الزوجية، لذا حرصت على الخلفة الكثيرة لكى أشغل نفسى.

 

وأضافت شيماء: لم يكن هناك ما يشغل تفكيرى سوى الاهتمام بأطفالى الخمسة فقد توقفت أحلامى ولم أعد قادرة على العيش حياة طبيعية مثل من هم فى سنى فقد تركت التعليم فى سن مبكرة وكانت حياتى مليئة بالمتاعب لكثرة المشاكل بينى وبين زوجى ولم يكن أمامى سوى أن أرضى بنصيبى لكى أعيش لكننى أخذت عهداً على نفسى بألا أزوج بناتى فى سن صغيرة، لأننى لا أريدهن أن يعشن نفس المصير الذى لاقيته وأنصح كل أم بأن تتريث فى زواج أبنائها لأن الزواج مسئولية صعبة وعبء ثقيل.

 

القانون وحده لا يكفى

الخبراء حذروا من خطورة زواج القاصرات لما له من أضرار نفسية واجتماعية سيئة وطالبوا بضرورة تفعيل القوانين للحد من انتشار تلك الظاهرة التى أصبحت سببا رئيسيا فى تفاقم الأزمة السكانية.

 

فزواج القاصرات ظاهرة ارتبطت بالمشكلة السكانية والأمية معا، فأغلب الأسر الفقيرة تلجأ لتزويج الفتيات فى سن صغيرة للتغلب على كثرة عدد الأبناء وعدم قدرة الأب على الإنفاق عليهم فيصبح الزواج هو وسيلة للتخلص من أعبائهم.

 

ونظراً لغياب التوعية الإعلامية التى ابتعدت عن معالجة تلك القضايا المهمة أصبحت الظاهرة فى تزايد مستمر هذا فضلاً عن عدم وضع حلول جادة لزواج القاصرات وعدم وجود قوانين ملزمة ورادعة.

 

تكون الفتاة هى الضحية حيث تتحمل مسئولية كبيرة فى سن مبكرة وفى بعض الأحيان تهرب الفتاة من الزوج لعدم قدرتها على التأقلم على الحياة الزوجية حيث تشعر البنت بأنها مسجونة ومقيدة وخطفت وحرمت من طفولتها، والبعض يستقرون وينجبن الأطفال.

 

كما أن القاصر لا تملك ولاية نفسها وتعجز عن تربية أبنائها ولا يعقل أن تتزوج فى سن صغيرة الإحصائيات تكشف:18٫3 مليون نسمة تزوجوا دون سن الـ18 عاماً

 

وأكدت إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء أن عدد المواطنين الذين تزوجوا أقل من 18 عاما فى مصر بلغ 18٫3 مليون نسمة فى حين بلغت نسبة زواج القاصرات فى مصر 118 ألف حالة زواج سنويا تعادل نحو 40٪ من إجمالى حالات الزواج فى مصر، وتصدرت المحافظات الحدودية بنسبة 23٪ وبعدها الصعيد، والنسبة الأكبر من زواج الحدث يصل من 30 إلى 40٪ بالريف والصعيد، وأعلى نسبة للمتزوجات أقل من 20 سنة بمحافظة القاهرة 9٫1٪ وفى الجيزة 8٫1٪ وفى الشرقية 7٫7٪ فى حين كانت أقل المحافظات الحضرية هى محافظات السويس، وبورسعيد بنسبة 0٫7٪.

 

وجاءت حالات الزواج للفئة العمرية أقل من 15 عاما من الذكور والإناث معا خلال عام واحد بواقع 5999 حالة زواجية لأقل من 15 عاما منها 1541 حالة زواجية للذكور و4458 حالة زواجية للإناث.

اقرأ أيضا