«عزيمة تحت النار».. فلسطينيتان تصنعان المعجزة من رحم الألم

الثلاثاء 17 يوليو 2018 | 11:28 صباحاً
كتب : سارة أبو شادي

«تصمت الأشعار خجلي عندما تهدي إليكم.. تسقط الأقوال صرعى إن دنت من شفتيكم.. يا ندى الفجر الذي  يغزل من نبض يديكم.. تعجز الأقـلام أن  تهدي ولو سطرا إليكم»، شبابًا وقفوا صامدين أمام سرقة الأرض لم يُرهبهم العدو بسلاحه وعتاده فقاوموه وعزموا على تحرير وطنهم وقدسهم، لم يكفهم أن يعانوا من سرقة الأوطان ليختارهم القدر في تحدي جديد، وهو مقاومة المرض هذا العدو القاسي الذي ضرب جسدهم الضعيف الطاهر.

 

«ندى وأنوار» فتاتان من فلسطين جمعتهم الأرض والمرض، كلّا منهما تحمل عدوّا مختلفًا في جسدها، فالأولى كان السرطان الخبيث، هذا الشيطان الذي تسلل بداخل جسدها الصغير، لكنّها ومنذ اللحظة الأولى التي اكتشفته قررّت أن تتسلح بسلاح الأمل لمحاربته، أنوار أيضًا لم تختلف كثيرًا عن رفيقتها فأصيبت هي الأخرى بفشل كلوي في طفولتها لكن ومنذ ذاك الحين، قررّت الطفلة الصغيرة المقاومة والخروج من هذه الحرب بفوز ساحق.

 

قد تكون الثانوية العامة هي أصعب تحدّي في حياة الملايين من الطلاب العرب بمختلف جنسياتهم، ويتضاعف هذا التحّدي إذا واجه الطالب المشاكل سواء كانت اجتماعية أو صحية، لكن في حال التغلب على الجانبين هنا يصبح للنجاح وفرحته طعم مختلف، وبالفعل هذا ما حدث مع ندى ورفيقتها أنوار بعدما تفوقوا في الثانوية العامة الفلسطينية واستطاعوا الحصول على مجموع يُحقق لكلّا منهما حلمها.

 

أنوار: فتاة تحدّت الفشل الكلوي لتصل لحلم الأزياء

 

لم تتخطى حاجز السابعة عشر، امتلكت الكثير من الأحلام حاولت السير في طريق تحقيقها، اسمها أنوار وهي بالفعل نورًا يتلألأ في سماء أرض العرب، وقفت متحدية مرض أصابها لم تستسلم ولم تيأس، كانت بمثابة الحرب ولكنّها أصرت دخولها وتحقيق الفوز.

 

 

8 سنوات كانت كفيلة أن يتمكن المرض من روحها قبل جسدها، لكنّها ما زالت تقاوم بإصرار ، تتألم أحيانّا يصيبها اليأس لدقائق لكنّها ما تعود سريعًا للحلم، صورة مرسومة أمامها هي من بدأت بوضع أول خط بها، بالتأكيد سيأتي اليوم الذي تكتمل فيه اللوحة وتظهر بها أجمل صورة رسمتها الفتاة الصغيرة.

 

«أنوار ماهر حمدان» فتاة في السابعة عشر من عمرها، فلسطينية لاجئة تقيم بمدينة رام الله، وتحديدًا قرية قلنديا البلد، لكنّها جاءت برفقة أهلها من مدينة الجورة الفلسطينية لتستقر برام الله، بعد اشتداد الحرب بمدينتها،  حصلت أنوار على معدل 64.9 في الثانوية العامة هذا العام، كانت تدرس بمدرسة بير نبالا الثانوية.

 

 

أنوار اعتقدت أنّ المرض سيكون عائقًا أمامها في طريق تحقيق حلمها بأن تُصبح مصصمة ديكور أو أزياء، فالفتاة الصغيرة في عمر التاسعة أصاب جسدها الضعيف فشل كلوي،  مرض حاول القضاء على طفولتها، لكنّها تمسّكت بسلاح الأمل متصدية له، نجحت في جميع مراحلها التعليمية حتى وصلت إلى أهم مرحلة في حياتها.

 

 

«أرض وجسد محتلان» بالرغم من كل هذا لكن لم يمنع أنوار من السير وتجاوز كآفة العقبات، «كنت بأخذ الجلسة وأنزل على دراستي» الفتاة فخورة بنفسها فهي استطاعت تحقيق ما لم يستطع الكثيرين غيرها تحقيقه، فقد قدمت  وأدت حوالي 7 امتحانات بداخل مستشفى «المطلع» والتي كانت تقيم بها ، وأدت 3 اختبارات أخرى في مدرستها ببرنبالا.

 

 

«كنت أروح 3 أيام في الأسبوع على غسيل الكلى وكنت أغسل كلى وبعدين أقدم الامتحان»  لم يكن الأمر سهلّا على الفتاة الصغيرة، خاصة وأنّ معاناتها في غسيل الكلى لم تكن سهلة على مثل هذا الجسد الصغير الضعيف، وبالرغم من كل ذلك إلّا أنّها كانت تواجه تلك الصعوبات وتنتهي من الغسيل لتأخذ قسطًا صغيرًا من الراحة، ثم تقوم بعد ذلك بالدراسة استعدادًا لأداء امتحانها.

 

ولأنّ المرض كان يعجزها عن الذهاب للمدرسة في كثير من الأحيان، فكانت الدروس التي تفقد دراستها في مدرستها كانت تقوم بدراستها في مدرسة الإصرار ، تلك المدرسة التي أنشئت بداخل المستشفى للطلبة المرضى.

 

 

«كنت أطلع من البيت 3 الصبح أوصل المستشفى 4.30 علشان أغسل  في 4 ساعات» بدأت الفتاة تسرد قصة كفاحها في كلمات صغيرة، فهي منذ 8 سنوات تحملت مشقة وألم مرض الفشل الكلوي والآلام المصاحبة بعد غسيله، فكانت ترافق والدها ووالدتها 3 ايام في الأسبوع من الثالثة فجرًا لمدة ساعة ونصف حتى تصل إلى المستشفى، وتستمر مدة الغسيل حوالي 4 ساعات، فعلى حد قول الفتاة «لولا جهاز غسيل الكلى لفقدت حياتي»، تلك الصغيرة أصبح جهاز غسيل الكلى بالنسبة لها بمثابة المنقذ والمنجي والذي أعاد لها الحياة مرة ثانية بفضل الله.

 

 

كانت الصغيرة تنتهي من الغسيل في العاشرة صباحًا، لتذهب بعد راحة بسيطة لأداء الامتحان بمدرسة المستشفى، تلك المدرسة التي رافق فيها أنوار الكثير من زملائها المرضى، ومن بينهم ندى قشقيش الطالبة المتفوقة أيضًا في الثانوية العامة ومريضة السرطان.

 

الفتاة لم تطلب أكثر من أن تُشفى من هذا المرض لكنّها تعلم جيدّا أنّ هذا الأمر صعب بدرجة كبيرة، خاصة وأنّ المشكلة ليست عندها في الكلى فقط، فأسرتها مستعدة للتبرع لها، لكن المشكلة تكمن في كونها مصابة بأحد الأمراض في المثانة،  وهي السبب في مرض الفشل الكلوي، وحتى لو تم نقل كلى لها سيتجدد المرض تلقائيّا، ولا يوجد لها علاج بداخل فلسطين، حتى أنّ الأطباء قدّموا نصيحة لها بعدم سعيها خاصة وأنّه لا علاج لها حتى في الخارج.

 

 

تعلمت أنوار الكثير من خلال تلك التجربة أبرزها أنّ المرض لا يمكن أن يُبعد الإنسان عن الوصول إلى حلمه وتحقيقه ، ويجب أن يكون المريض أقوى منه حتى يستطيع مواجهته، فالمرض كان بالنسبة لتلك الفتاة الصغيرة، شيئ عابر لم ولن يعيق تقدمها وتحقيق أحلامها، من امتلك إرادة مثل أنوار وغيرها الكثير من المرضى لن يخسر مطلقًا، «أنا ماخسرت الحمد لله» الجملة التي كانت بمثابة يقين للفتاة بأنّها استطاعت وضع قدميها في طريق الحلم الذي انتظرته كثيرًا ، وهي أن تُصبح عارضة أزياء.

 

ندى القشقيش.. فتاة فلسطينية واجهت السرطان بـ96% بالثانوية

 

عينان كلؤلؤة البحر، بهية الإطلالة من ينظر إليها من بعيد يعتقد أنّها إحدى ملكات الجمال، ملامح بريئة قد تعرضت لما هو أكثر قسوة في حياتها، الإصابة بمرض لعين كاد أن يفقدها الأمل في الحياة، لكنّها فاجأته بإصرارها وعزيمتها ووقفت أمامه كالقائد الشجاع في ميدان القتال.

 

«ندى القشقيش» فتاة فلسطينية تسكن بمدينة حلحول بالخليل، في السابعة عشر من عمرها، طالبة في الثانوية العامة الفلسطينية حصلت على مجموع 96.4 ، البعض سيعتبر أنّ الأمر طبيعيّا، لكن ما ليس طبيعي أنّ ندى حصلت على هذا المجموع وهي على فراش المستشفى، فالفتاة اكتشف إصابتها بمرض السرطان قبل 10 أيام فقط من أدائها الامتحان، لكن لم يمنعها هذا الأمر من استكمال طريقها وتحقيق حلمها المراد.

 

«لما عرفت إصابتي بالمرض كنت مترددة أقدم على الامتحان ولا لا» قبل 10 أيام من التقديم على الامتحانات كانت الفتاة تعيش بصورة طبيعية، لم تدري أنّ حياتها ستتحول في لحظة بعينها، أول أيام رمضان كان هذا هو اليوم، فقد علمت الفتاة أنّها مصابة بمرض سرطان الدم «اللوكيميا».

 

 اكتشاف المرض نزل كالصاعقة على الأسرة بأكملها، فلم يكن الأمر بسيط على الأم أن ترى ابنتها وفلذة كبدها مصابة بمرض ملعون كهذا، لا يمكن أن تتحمل رؤية فتاتها الصغيرة تتألم، وهي عاجزة لا تفعل شيئ، لكن القوة التي تشجّعت بها الصغيرة كانت كفيلة أن تجعل الأم قوية هي الأخرى.

 

بدأت الفتاة بالتفكير في عدم التقديم لأداء اختبارات الإنجاز أو الثانوية العامة، لكنّها وبعد وقت قصير قررّت التقدم، فبداخلها كانت تتحدّث أنّ هذا المرض لا يمكن أن يقف عقبة في طريقها.

 

قدّمت ندى على الامتحان وبدأت في جلب كتبها إلى المستشفى استعدادًا له، بالرغم من أنّها بدأت في جلسات العلاج إلّأ أنّ هذا الأمر لم يجعلها تترددّ في قرارها، وأدت ندى امتحانات الثانوية العامة بالكامل في المستشفى وهي تتلقى العلاج.

 

 

عانت الفتاة بعض الشيئ فالعلاج لم يكن سهلًا عليها، فالطالب الطبيعي يُصاب بالإرهاق والتعب أثناء امتحاناته، كيف لفتاة مصابة بالسرطان أن تتحمل ألم العلاج وجهد وإرهاق المذاكرة، البعض اعتقد أنّ ندى لن تتحمل ومن الممكن أن لا تستطيع استكمال امتحاناتها بالكامل، لكن الفتاة الصغيرة كسرت جميع تلك القواعد وتغلبت على كل تلك الأقوال واستطاعت تجاوز الامتحانات بالكامل، وأدت امتحان مايقرب من ٨ مواد من ضمنهم مادتين للغة العربية ومادتين للغة الانجليزية، بمعنى أنّ الفتاة أدّت امتحانات 10 مواد.

 

 

الظروف لم تكن تلك التي تعتاد عليها الفتاة الفلسطينية، لكنّها حاولت وفي وقت صغير التأقلم مع الوضع الجديد، والدخول فيه بشكل سريع حتى تتمكن من اجتيازه أيضًا بشكل أسرع،

 

 

«حلمي أصير مترجمة مشهورة» لم يتوقف حلم الصغيرة عند هذا الحد، بل ما زال يواصل الصعود أكثر وأكثر، فندا كغيرها من المتفوقين تحلم بأن تلتحق بكلية الترجمة جامعة بيت لحم، وليس ذلك فقط ، بل أيضًا أن تستكمل دراسات عليا في مجال تخصص الترجمة، وتُصبح مشهورة في هذا المجال، وتقوم بمساعدة جميع من يواجهوا مشاكل من أبناء بلدتها في اللغات.

 

 

«النتيجة بتعنيلي كتير» حصول ندى على مجموع مرتفع في المرحلة الثانوية، كان يعني لها الكثير، بداية من الظروف والمواقف الصعبة التي مرت بها، حتى العزيمة والإصرار التي استطاعت تعلمهم فقط من هذا الموقف.

 

 

«احنا شعب جبارين» جملة تحدّثت بها الفتاة، فما حدث دليل فعلا على جبروت هذا الشعب المقاوم، فهم قادرين على هزيمة أي مرض، قادرين أيضًا على هزيمة جيش يُحكى عنه قصصًا بأنّه الجيش الذي لا يهزم، فما حدث ليس بالتحدي الأول ولن  يكون الآخير.

 

 

«ربنا بيرمي الأشياء وبيرمي معاه الحل» أنهت الفتاة الصغيرة حديثها بتلك الجملة والتي بدا واضحًا عليها أنّها تؤمن كثيرًا بالقدر، فلدى ندى يقين تام بأنّ الله عزّ وجل يُقدر الإنسان على أمور هو نفسه لم يدري أنّه سيكون قادر على تحملها ومواجهتها، لكن قبل أن يضع الخالق الإنسان في اختبار أو مشكلة يضع معه الحل ويعلم جيدًا أنّه سيستطيع الوصول إليه، وهذا مافعلته ندى وغيرها أنوار، وهناك الكثير مثلهم ممن أصيبوا بالمرض اللعين، استطاعوا تجاوز الأمر بل وتفوقوا عليه بنجاح.

اقرأ أيضا