«ناورو».. جزيرة «الموت» التي تستقبل طالبي اللجوء في أستراليا

الاثنين 29 اغسطس 2016 | 09:17 مساءً
كتب : بلدنا اليوم

"إنهم يكذبون، ويدعون إنهم يتعرضون لانتهاكات جنسية، ويؤذون أنفسهم عمدًا من أجل أن نستقبلهم في بلادنا"، بلغة ممتلئة بالكِبر والخوف أيضًا، تحدث وزير الهجرة الاسترالي، عن طالبي اللجوء.جاء تصريح «داتون» بعد مرور يوم على تسريب ألفيّ تقرير يرصدون به الجرائم الإنسانية التي تحدث بحق طالبي اللجوء إلى أسترليا، والذين تبعثهم الدولة قسرًا إلى جزيرة ناورو بالمحيط الهادي.طريقك إلى ناوروإذا ما استقللت قاربًا إلى أستراليًا هاربًا من النار والمرض والحرب الممتدة، من الممكن أن تختصر الزمن والطريق، وتتوجه إلى محابس ناورو رأسًا دون أن تمر بالتجربة التالية.جزيرة صغيرة جدًا وفقيرة، تبلغ مساحتها 21 كيلومتر مربع، أى إن مساحتها تصغر مطار ملبورن بأستراليا، ويبلغ عدد سكانها 10 آلاف. دُمّر وسط الجزيرة خلال 40 عامًا من التنقيب عن الفوسفات، بحيث أصبح معظمها غير صالح للسكن والزراعة، حالة اقتصادية سيئة، وفرص عمل منعدمة، وخدمات أساسية غير كافية، إن لم تكن معدومة، إلى هناك تُلقي أستراليا بمن يأتونها طالبين اللجوء من حياتهم الخطرة في بلادهم الأصلية.وعن سياسة أستراليا في ترحيل اللاجئين، تقول الباحثة في منظمة العفو الدولية، آنا نيستات: «إن سياسة أستراليا بنفي طالبي اللجوء الذين يصلون على متن القوارب قاسية إلى أبعد الحدود، عدد قليل من البلدان يذهب إلى هذا الحد، بإلحاق المعاناة عمدًا بالباحثين عن الأمان والحرية».تنقل أستراليا قسريًا العائلات مع الأطفال، والرجال والنساء إلى ناورو منذ سبتمبر 2012، بموجب مذكرات تفاهم بين البلدين، وافقت أستراليا على تغطية جميع تكاليف الاحتجاز على الجزيرة والتعامل مع طالبي اللجوء واللاجئين، أنفقت الحكومة الأسترالية 415 مليون دولار أسترالي (314 مليون دولار أمريكي) على عمليات ناورو خلال السنة المالية المنتهية في 30 أبريل 2015، أي ما يقارب 350 ألف دولار أمريكي عن كل شخص محتجز على الجزيرة ذلك العام وحده.كيف أخفت أستراليّا ملف ناورو؟فرضت أستراليا جدارًا من السرية حول علاقاتها مع الجزيرة، حيث تبذل حكومتي أستراليا وناورو، جهدًا كبيرًا لمنع تدفق المعلومات عن الجزيرة إلى العالم الخارجي.بحيث يواجه مقدموا الخدمات، وناقلي أسرار الجزيرة إلى الخارج، تهمًا جنائية، وعقوبات مدنية بموجب القانون الأسترالي، في حال كشف أحدهم عن معلومات حول ظروف طالبي اللجوء واللاجئين المحتجزين في الخارج.ويعد التواصل مع العالم الخارجي دربًا من الخيال بالنسبة إلى أهل الجزيرة، حيث تحظر السلطة في ناورو، مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيس بوك وتويتر، كما سنت الدولة قوانين غامضة الصياغة ضد تهديد النظام العام، من أجل احتواء أى احتجاج أو غضب من قبل اللاجئيين.كما تفرض الدولة ما يشبه حصار على الصحفييون، حيث تفرض الدولة مبلغ 8000 دولار غير قابلة للاسترداد مقابل الحصول على التأشيرة، بالإضافة إلى تعسيف متعمد في الإجراءات السامحة بدخول الدولة. ومنحت ناورو تأشيرات دخول لوسيلتين إعلاميتين فقط منذ يناير 2014، ورفضت طلبات أخرى أو لم ترد عليها. ولا يعد أمر دخول الدولة انتهاءًا لحصار الدولة، فأمن ناورو يفرض قيود صارمة على تحركات الأجانب، بحيث يمنعهم من الوصول إلى مناطق اللاجئين المحظورة.ثقب في بدلة ناورو الحديدةإلا أن رغم المفروض من حصار ينفذ الصحفي كما الشيطان من ثقب إبرة، حيث استطاع باحثًا منظمة العفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش دخول ناورو، وقضيا ما مجموعه 12 يوما في يوليو 2016.لم يُسألا إلى أي منظمة ينتميان عند إتمامها الإجراءات الرسمية للدخول، وأتت الرحلة الصحفية أُكلها، حيث أجرى الصحفيان مقابلات مع 84 لاجئ، وطالب لجوء، أغلبهم من إيران والعراق وباكستان والصومال وبنجلادش والكويت وأفغانستان.ومن بينهم أكراد منزوعي الجنسية، قصدوا أستراليا هربًا من الاضطهاد في العراف وإيران. ومن بين من تم مقابلتهم هناك 29 امرأة و5 فتيات و4 صبية.كما أجرى الباحثان مقابلات مع عديد من مقدمي الخدمات، الذين وافقوا على تبادل المعلومات رغم خطر تعرضهم للمحاكمة بسبب ذلك.الهروب من الخطر المحتمل إلى الأكيدويصف «بوتشينيك»، المستشار في هيومن رايتس ووتش، وهو أحد الصحفيين الذين أجروا التحقيق على الجزيرة: "إن مُعاملة اللاجئين المفروضة من جانب أستراليا فظيعة، وعلى مدى الثلاث سنوات الماضية فُرضت أعباء ثقيلة على معيشة اللاجئين.أوصلت سياسات أستراليا الكبار وحتى الأطفال من اللاجئين إلى نقطة الانهيار مع الانتهاكات المستمرة"، ويظن بوتشينيك إن تلك السياسة مقصودة من استراليا لقطع أرجل أى لاجئ عن الدولة.تقول التقارير إنه لا يٌسمح لمن في الخيام بجلب الهواتف الذكية إلى المركز، وتفرض عليهم رقابة أمنية مشددة، ويراقبهم الحراس، وتفرض العديد من القيود على حريتهم، إلى جانب منعهم من الحركة بحرية في المدينة، إلا أن هذا الأمر خفف في الآونة الآخيرة.وتذكر التقارير أن كثير من اللاجئين في حالة قلق شديد مستدام، ولا يستطيعون النوم، ولديهم مزاج متقلب، ويعانون من الاكتئاب لفترات طويلة، وبعضهم فقد ذاكرته قصيرة المدة. إلى أن الأطفال يتبولون في فراشهم، ويعانون من كوابيس غير منقطعة، ويتسم سلوكهم بالعنف الشديد. وقام عددًا من البالغون، والأطفال بمحاولة إنهاء حياتهم، وهم في هذا كله لا يتلقون أى نوع من العلاج النفسي.دفع التعذيب والانتهاكات ببعض اللاجئين إلى التقدم بطلبات للعودة من حيث آتوا، فإن العودة للخطر المحتمل أهون من الخطر القائم.وضمت التقارير الكثير من حالات التحرش الجنسي التي طالت الأطفال وبعض الشباب، كما ذكرت بعض حالات الحرمان من تلقي العلاج.وقالت إحدى اللاجئات تعليقًا على الحياة في ناورو: "ليس للناس هنا حياة حقيقية، نحن فقط على قيد الحياة. نحن نفوس ميتة في أجسام حية. نحن قشور فقط. ليس لدينا أي أمل أو دافع".التعامل الأسترالي مع التسريباتومنذ أن خرجت التسريبات والتقارير للنور، بواسطة كل من "هيومن رايتس ووتش"، و"الجارديان" الإنجليزية، والوضع الداخلي في أستراليا مضطرب. حيث قال لاحدى الإذاعات المحلية: ""لن اتساهل مع اي انتهاكات جنسية مهما كانت الظروف، ولكني علمت بأن بعضا من هذه الحوادث التي نشرت هي عبارة عن ادعاءات كاذبة لأنه في نهاية المطاف هؤلاء الناس دفعوا الاموال لمهربي البشر ويريدون دخول بلادنا."ومضى للقول "ذهب بعضهم الى حد ايذاء انفسهم، واحرق البعض انفسهم في محاولة لدخول استراليا، وبالتأكيد ادلى بعض منهم بادعاءات كاذبة من اجل المجيء الى استراليا."وطالب الحزب الأخضر في أستراليا، بالقيام بتحقيق رسمي سامي، للتحقق مما ذُكر فيث التقارير المُسربة، إلا أن الحكومة الأستراليا رفضت الطلب.وتنتظر الأيام القادمة كشف كامل عن الانتهاكات في ناورو، وإنهاء هذا التعامل من الجانب الأسترالي مع اللاجئين، وقد شهدت الأيام السابقة العديد من الاعتراضات والتظاهرات في أستراليا احتجاجًا على تعامل الدولة مع اللاجئين، وإخفائها بعض الملفات الهامة عن الشعب الأسترالي.

اقرأ أيضا