ثلاثة وجوه للرئيس

الاثنين 29 اغسطس 2016 | 09:54 مساءً
كتب : بلدنا اليوم

قد يرى البعض أن الكتابة عن الرئيس أمرٌ هينٌ.. لكن الحقيقة أن هذه السطور من أصعب ما كتبت في حياتي.. لأنه وببسطانة، فإن أي مدح لشخص الرئيس سوف يؤخذ على محمل النفاق السياسي، الذي يملأ إعلامنا المصري.. فما بالنا لو كان هذا الرصد في العدد الأول لصحيفة تتلمس طريقها نحو القارئ.. وعلى الجانب الآخر فإن في مصر رجالًا لا تتسع صدورهم لنقد الرئيس مثلما يتسع صدر الرئيس نفسه.. وهكذا تصبح الكتابة هنا كمن يسير في حقل ألغام.. لذا لزم التنويه بأننا لم ولن نكون من حَملة المباخر لأي رئيس أو سلطان.. فقط مجرد رصد لشخصية أعتقد في قرارة نفسي أنه رجلٌ استثنائيٌ أهدته لنا السماء في ظروف استثنائية.مازلتُ أذكر أنا وكثيرٌ من المصريين خطاب الفريق عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع المصري، في 3/7/2013، حين أعلن تعطيل العمل بالدستور، وتولي رئيس المحكمة الدستورية العليا رئاسة البلاد لفترة انتقالية، يومها ولد عبدالفتاح السيسي كزعيم للأمة المصرية، وبالغ البعض في اعتباره بمثابة «المخلص»، الذي خلَّص مصر من حكم الخوارج وأعوانهم (أشهد أنني كنت واحدًا منهم)، ثم دارت الأيام، ومضت في تطاحن سياسي صارخ، كان أبرز ملامحه أن أحدًا في مصر –وحتى اليوم- لا يرى الرئيس بعين الحياد، اللهم إن كانت مصر كلها تقف بين فريقين: أحدهما يرى السيسي «مسيح العصر»، والآخر يراه «المسيخ الدجال»، وبين الفريقين تدور رحى المعارك السياسية على شرف أمة تعاني ويلات اقتصادية ضخمة.الحقيقة أنني كنت واحدًا ممن بشروا بالسيسي كونه «مسيح مصر» في عدد من المقالات نشرتها في الزميلة «روز اليوسف» على مدى الأعوام الثلاثة الماضية.. وهنا يمكن الحديث عن ملامح الزعامة، التي تتجلى على شخص الرئيس السيسي، فعلى المستوى السياسي، فمجرد أن تتبع لكم الدراسات الأجنبية التي تحدثت عن الرجل، حتى قبيل أن يطرح نفسه كمرشح رئاسي، وحتى «كاريزما الزعامة»، التي يتندر عليها المصريون بصوت خافت، واصفين الرئيس بـ«النحنوح»، فهي شكل من أشكال الكاريزما السياسية، التي لعبت على المرأة كقوة ضاغطةفي المجتمع، وأعتقد أن الرئيس السيسي كان أفضل من استغل هذه القوة في الحياة السياسية المصرية.على جانب آخر رأيى المصريون في رئيسهم ما يمكن اصطلاحه بالعامية المصرية على أنه «دكر» في عدد من المواقف، في نظري كان قرار توجيه ضربة عسكرية خاطفة لدواعش ليبيا ردًا مصريًّا على مقتل 21 مصريًا، كان التجلي الأوضح لشخصية «الدكر» في الثقافة المصرية، ورغم علمي بالطبع أن الضربة الجوية كانت مدروسة منذ شهور، وأن القرار فقط هو الذي تأخر، وانتهزت مصر الحدث لتوجيه الضربة الجوية، إلا أن السيسي الذي رفض أن تشرق الشمس على مصر دون أن تكون قد اقتصت لثأرها، وأنه رفض أن يعزي المصريين قبل الأخذ بالثار في مقتل أبنائهم، كان بمثابة قرار مصري أصيل، أضفى على زعامة الرجل مساحات شديدة من القوة.في زاوية أخرى، كانت دموع الرئيس التي لم يمتلك منعها في حديثه مع أبناء الشهداء تتوازى مع ابتسامة رقيقة لرجل شرقي لم تختفِ أبدًا عن وجه الرئيس حين يوجه خطابه إلى المرأة المصرية، أو حتى أثناء أي كلام مباشر لأي سيدة، جعلت الرجل رمزًا رجوليًا «غريبًا» في قلوب نساء مصر، وهن اللاتي لم يخذلنه أبدًا في أي مطلب له، واستفتاءات الدستور والانتخابات الرئاسية والبرلمانية خير شاهد على عمق فهم السيسي شخصية المرأة المصرية، وهو ما أضفى على الزعامة شيئًا من «الحنيّة الرجالي» التي طالما يحثت عنها المرأة المصرية وسط حياة وأزمات أسرية طاحنة سببها اقتصاديات الأسرة في بلادنا.وأعلم أن الرئيس خلال الشهور القليلة الماضية، استعان بعدد من الخبراء في علم النفس وعلم الاجتماع السياسي وحتي خبراء في فن الإتيكيت وغيره من الخبرات، التي يستعين بها السياسيون حول العالم، ومع ذلك ظل ارتجال الرئيس في خطاباته الرئاسية هو الأكثر حبًا لدى المصريين، الذين يشعرون به كواحد منهم يتحدث نفس اللغة، خاصة بعد تجربة طويلة للرئيس الكلاسيكي، التي مثلتها خطابات مبارك قبل ثورة يناير، وبعدها خطابات محمد مرسي المليئة بالكوميديا السياسية، وهو ما جعل مهمة السيسي شديدة الصعوبة في توجيه الخطاب الرئاسي التي أداها في تقديري باقتدار، ولم يشعر المصريون أبدًا أنهم يستمعون لواحد من ثعالب المخابرات المصرية، بقدر ما رأوا فيها خطابات «أبويّة»، وهو النموذج الذي يستمتع به المصريون مع سلطة الرئيس.أغرب ما يدهشني بشكل شخصي في شخصية الرئيس السيسي، كم المراكز البحثية التي تعكف بعد كل خطاب في كل أرجاء المعمورة لتحليل مضمون الخطاب الرئاسي المصري، وأذكر في هذا الصدد في رحلة الرئيس السيسي الأولى للولايات المتحدة الأمريكية، كان كلا الوفدين المصري والأمريكي يجلسان في مواجهة بعضهما البعض، وكل أعضاء الفريق الرئاسي الأمريكي يحملون أوراقًا وأقلامًا للتحليل الفوري لكلام الرئيس، في ذات الوقت الذي لم يمسك أي من أعضاء الوفد المصري أي قلم لتسجيل ما يدور في ثنايا الحوار! باختصار سيظل الرئيس السيسي شخصية ذات كاريزما خاصة، شأنه شأن كل الكاريزمات السياسية في العالم، لا تحتمل شخصيته الحلول الوسط، فإما محبون له حتى الموت، وإما كارهون له حتى الموت.

اقرأ أيضا