الاقتصاد المصري تحت وطأة الخوف

السبت 26 نوفمبر 2016 | 08:38 مساءً
كتب : بلدنا اليوم

قبل ثورة 30 يونيو 2013، كانت هناك حكومات تتخوف وتتحسب غضب الجماهير من اتخاذ قرارات اقتصادية إصلاحية وحتمية، وكان نتيجة ذلك أن الاقتصاد المصرى أصبح بلا طعم وبلا لون، وساعد على ذلك أن الرئيس مبارك لم يكن يمتلك الكاريزما السياسية التى تؤهله لعمل ذلك، خاصة فى الثلث الأخير من فترة حكمة، وذلك على عكس الرئيس عبد الفتاح السيسى الذى مكنته شعبيته من كسر حاجز الخوف الذى طالما شل قدر أسلافه على اتخاذ مثل تلك القرارات المقلقة والمخيفة للمواطنين، ولكن على الرئيس إدراك أن للصبر حدودا. "كل القرارات الصعبة اللى تردد كثير على مدى سنوات طويلة أن الناس خافت تأخذها.. أنا لن أتردد إن أنا آخذها، وإنتوا هتقفوا جانبى، مش علشانى، علشان مصر تستحق منكم الكثير، مصر التى أعطتكم على مدى آلاف السنين ما أنتم فيه، لا بد أن تعطوها، ولا تتخلوا عنها أبدا". كان هذا نص خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسى؛ للحديث عن حزمة قرارات اقتصادية ينوى تنفيذها بشكل متعاقب؛ فى محاولة للإصلاح المالى فى مصر.الدعم والمجانية وتعويم الجنيه والاقتراض من صندوق النقد الدولى؛ قضايا أثارت الجدل خلال ثلاثة عقود ماضية؛ ترددت الحكومات فى اتخاذ قرار بشأنها؛ وجعل ذلك مصر بسبب خوف حكوماتها من رد فعل الجماهير، تقف فى منتصف الطريق بين الاشتراكية والرأسمالية؛ باقتصاد دون هوية؛ فى ظل اقتصاد عالمى يتهاوى بشكل سريع للغاية؛ ويتحول بين ليلة وضحاها من نظام إلى آخر.ورغم ما تمر به مصر من أزمات اقتصادية طاحنة تشعل الرأى العام؛ ضد الحكومة؛ فإن الأخيرة، وبفضل شجاعة الرئيس السيسى كسرت الخوف واتخذت قرارات جريئة تحت شعار "وجع ساعة أفضل من كل ساعة"، ولكن يبقى السؤال هل ستقدر الحكومة على تحمل عواقب تلك القرارات. رفع الدعم بالتدريج المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء، أكد مؤخرا أن القرارات المعلنة من البنك المركزى، بشأن تحرير سعر صرف الجنيه، وقرار الحكومة برفع أسعار البنزين والمحروقات، أنها "كانت علامة فاصلة ومهمة فى طريق تنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادى"، ودافع عن أهميتها بقوله: إن "القرارات كانت ضرورية وليست جديدة.. لأننا فى مرحلة حرجة وليس لدينا رفاهية التأجيل.. ومطلوب تنفيذ برنامج إصلاحى".لا يعد حديث رئيس مجلس الوزراء هو الدليل الوحيد على أن القرارات التى اتخذتها الحكومة، ليست محض صدفة، لكنها سياسة تدريجية، حيث ثبت نية الجهات التشريعية والتنفيذية خلال الفترة الأخيرة فى التعويل على المواطن المصرى، فى محاولة سد عجز فى الموازنة، ورفع حمل البسطاء عن كاهل الدولة المصرية.وكانت حكومة إبراهيم محلب قد مهدت لتلك السياسات فى عامى 2013 – 2014، عبر قرارات مجلس الوزراء أرقام 1058 و1059 و1060، التى صدرت فى يوليو 2014 بشأن زيادة أسعار الوقود، ومن محلب إلى شريف إسماعيل، تصاعدت نغمة الحديث عن غلاء أسعار السلع الغذائية، حتى مطلع 2016.الأدوية والسلع التموينيةشهد يناير الماضى، ارتفاعًا ملحوظًا لأسعار عدد كبير من الأدوية والمستحضرات الطبية، بنسبة 20%، ما أثار لغطًا واسعًا بين المواطنين والصيادلة، على حد سواء، وسببت تلك الارتفاعات خوفا وقلقا للمواطنين وخاصة محدودى الدخل، فى حين اتخذتها الحكومة آنذاك بدون أدنى خوف.وفى فبراير، جاء قرار وزير التموين، خالد حنفى، بشأن إلزام "البقالين" بشراء سلع فارق النقاط الخبز من الشركة القابضة للصناعات الغذائية، تسبب فى زيادة أسعار السلع على بطاقة التموين بنحو 30%، مقارنة بالفترة الماضية، ولكن قناعة المواطن بإيجابيات منظومة الخبز جعله يمتص هذا القرار ويقتنع بمبرراته.وسرعان ما انتاب الخوف معظم المواطنين، حيث تسبب القرار بعد فترة وجيزة فى زيادة سعر السكر على البطاقة ليصل إلى 4.50 جنيه، بدلا من 4.10 جنيه، كما وصل سعر زجاجة الزيت زنة 900 جرام لـ14.5 جنيه، بدلا من 11 جنيها.وارتفع سعر كرتونة الزيت على بطاقات التموين ليصل سعرها إلى 108 جنيهات، مقارنة بـ88 جنيها الشهر الماضى، فضلا عن زيادة سعر كرتونة "الشاى" لتصل إلى 590 جنيها، بدلا من 560 جنيها، بزيادة قدرها 30 جنيها فى الكرتونة.زيادة سعر المواد الغذائيةفى مارس الماضى، رفعت مجمعات الأهرام الاستهلاكية أسعار اللحوم، وعدد من السلع الأساسية، فى بعض المجمعات، حيث تم رفع أسعار اللحوم الإسبانية من 60 إلى 65 جنيهًا، والأسترالية من 55 إلى 60 جنيهًا، كما تم رفع أسعار الزبدة النيوزيلاندى بنسبة تصل إلى 50%، ما قامت بعض أفرع المجمعات الاستهلاكية بكتابته على لافتة أمام منافذ البيع، وذلك على الرغم من إصدار وزير التموين قرارا بتثبيت أسعار جميع أنواع اللحوم، عند سعر 50 جنيهًا للكيلو.ورغم تصريحات "السيسى" فى أبريل الماضى بعدم رفع سعر أى سلعه أساسية، مهما ارتفع سعر الدولار، فإن بورصة ارتفاع الأسعار لم تهدأ، وشهد هذا الشهر ارتفاعًا فى أسعار الخضراوات، التى ارتفعت بنسبة 3.1 فى المئة، كما ارتفع سعر الخبز والأرز بنسبة 3.5 فى المئة، أما عن أسعار الدواجن، فنلاحظ أن أسعارها ارتفعت بنسبة 3.0 فى المئة، فيما ارتفعت أسعار الفاكهة بكل أنواعها بنسبة 4.5 فى المئة، كما أن الارتفاع لم يقتصر على أسعار المواد الغذائية فقط، بل امتد إلى عدد كبير من الملابس، وذلك بنسبة 4 .4 فى المئة، وذلك وفقًا لتقرير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء.ارتفاع أسعار الكهرباءخلال ثلاثة أشهر، وهى مايو ويونيو ويوليو 2016، بدأت الحكومة رفع أسعار عدد من المنتجات الغذائية، إضافة إلى مناقشة رفع أسعار الكهرباء والمياه والغاز الطبيعى بنسب متفاوتة.وأصبح محدودو الدخل يواجهون زيادات تبلغ فى المتوسط نحو 40%، وفقًا للتسعيرة الجديدة التى أعلنتها وزارة الكهرباء، ورفع الأسعار بين 1.7 جنيه لأول شريحة فى الاستهلاك المنزلى، و942.2 جنيه لأعلى شريحة فى الاستهلاك المنزلى، بما يمثل زيادة تتراوح بين 25 و40%، وينفذ القرار بداية من أول يوليو.كما أعلنت اللجنة السلعية للسلع والمنتجات بالغرف التجارية، المُشَكلة بقرار من مجلس الوزراء لمتابعة ارتفاعات السلع الإستراتيجية، عن ارتفاع أسعار الأرز واللحوم البلدى والدواجن فى الأسواق، متوقعة مزيدا من الارتفاعات، إذا لم توفر الدولة السلع والمنتجات عن طريق الاستيراد، بعدما شكلت الفجوة فى هذه السلع 50%.وواصلت أسعار الدواجن ارتفاعها مرة أخرى، بعد انخفاضها بقيمة جنيه، لتسجل 17.50 جنيه للكيلو فى المزرعة، مقابل 16.50 جنيه، ولتباع للمستهلك بـ22 مقابل 21 جنيها خلال يومين، لارتفاع أسعار الأعلاف.إضافة إلى رفع أسعار اللحوم المستوردة، خصوصًا اللحم السودانى، فى الأسواق، بنحو 10 جنيهات أدى إلى ارتفاع اللحوم البلدى، نتيجة قلة المعروض، متوقعًا مزيدًا من الارتفاع قبيل عيد الأضحى.السيسى يواجه الشعبفى مستهل أغسطس الماضى، خرج الرئيس السيسى، مواجهًا الشعب المصرى، فى حديث قال فيه إنه ملتزم بالمضى قدما فى الإصلاحات الضرورية، لتحويل دفة الاقتصاد فى البلاد، وخفض الدين العام، وذلك بعد أيام من اتفاق مصر على قرض صندوق النقد الدولى، مراهنا فى ذلك على ثقة الشعب فيه وحبه له، وهى الثقة التى كانت فى محلها، وهى ثقة متبادلة بين الطرفين، ولكن تتبقى أن يدرك النظام المدى الذى يمكن أن يتحمله الشعب فى الصبر على سياسات الحكومة.

اقرأ أيضا