«ساقي في حب الحسين».. حكاية «منوفي» حاور حفيد رسول الله

السبت 27 يناير 2018 | 11:06 مساءً
كتب : محمود صلاح

«حب آل البيت».. تظهر هذه العبارة على حقيقتها بدون غش ولا رياء في أماكن قليلة بمصر، وخاصة في المقامات والمساجد المقدسة، فمن بين مساجد المحروسة تجد في إحدى الأحياء الآثرية مسجدًا عليه مأذنه شامخة في السماء، تراها من بين العمائر والشوارع الكثيرة برغم بعد المسافات لكنها واضحة كالقمر في الليلة الظلماء، وعند الوصول تجد جماعات كثيرة يجلسن في ساحات المسجد منهم المُمسك بمسبحته، والآخر في يده طعامًا يتناوله و«رز بلبن» من نفحات الحسين.وعند النظر إلي المسجد تجد أربعة أبواب ورجالًا كثيرون يصطفون واحدًا خلف الأخر ينتظرون الدخول، وأمامهم رجلًا ستيني يرتدي جلباب سوداء وعمامة بيضاء، وخلفه ألواح خشبية مقسمة إلى أدراج وممتلئة بالأحذية، وعندما تواصل المرور إلى ساحة المسجد تجد بدأخلة لافتات معلقة مكتوبًا عليها «الطريقة الصوفية.. الطريقة الرفاعية.. الطريقة الهاشمية..» وغيرها من الطرق الكثيرة وجماعات على شبه حلقات، جالسون ترتفع أصواتهم بالذكر والمدح في خير الأنام، أشياء كثيرة وعالم أخر من رجال سيطر عليهم الذكر والجلوس في الحلقات، ولكن كل هذه الأشياء لا تلفت الأنظار، بل الذي يلفت النظر حقًا هو شابًا أربعيني يحمل على ظهره «زجاجة» كبيرة من الماء، وبيده كوبين صغيرين يمر بهما بين الصفوف الجالسه ليسقي الزائرون والمصلين في المسجد، بينما ينحني إلى الجالسين يملئ كوبًا خلف الأخر محبةً في الحسين.أيمن عبد الجواد «ساقي في حب الحسين»«أيمن» البالغ من العمر 42 عامًا، نشأ وترعرع في قويسنا أحد المناطق الريفية في محافظة المنوفية، فهو من أسرة بسيطة عن أب فلاح وأم ربة منزل، فبدء حديثه ممسكًا بمسبحته مرتديًا جلبابًا غمقاء وعمامته الخضراء المخرمة التي تشبه الملابس الصوفية التي ترتديها في الشتاء، فقد نشأ منذ صغرة وتعود على زيارة الحسين من حين إلى أخر، ولكن ازداد عشقه إلى الحسين منذ عامين تقريبًا.الساقي:« الشغلانة معلقة في ذهني من الصغر» «مدد يا سيدنا بركاتك» بهذه العبارات بدأ الساقي حديثة مع محرر«بلدنا اليوم» قائلاً: «أنا شغال خياط جلاليب في بلدنا وحالتي على ما يرام كنت في صغري دائم الحضور إلى الحسين بصحبة والدي وظلت المشاهدة معلقة في ذهني حتى الأن، ومنذ عامين تقريبًا بدء الإهتمام بمولانا سيدنا الحسين، فقد بدأت هذا العمل حبًا في رسوال الله وحبًا في ابن بنته الحسين، فأنا أذهب إلى الحسين في الجمعة من كل أسبوع، أحمل على كتفي زجاجة الماء والكوبين، وليس هناك أي غرض من هذا العمل غير الحب، فأنا لا اتقاضى أجرًا من أحد ولا أطلب مالًا من طالبي الماء، فقد تعلقت بهذه العمل عندما جئت ذات يوم بصحبة والدي ورأيت رجلًا عجوزًا يحمل في يده الإناء والزجاجة عندها أحببت هذا العمل وعقدت النية على ممارسته.«لا رفاعي ولا هاشمي انا بكتفي بحب الرسول والحسين»رغم تعدد الطرق الموجودة داخل هذا المسجد بين «الرفاعية والهاشمية وغيرها، فهو لا ينتمي إلى أي طريقة من هذه الطرق، بل يكتفي بحب «النبي وآل بيته»، وفي لحظة ما بدأت نظراته تتوجه في كل مكان في المسجد، حتى استقرت على هؤلاء الرجال الجالسون عند الأبواب، الذين يتقاضون أرباحًا عن هذه الأعمال قائلا: «هؤلاء يسعون إلى الدار الدنيا ويتقاضون مقابل العمل الذي يقومون به لكن أنا لا أنظر إلا للآخرة»، فأنا لا أحتاج للمال، فلدي صنعتي التي أربح من ورائها ولكن أنظر إلى الآخرة، وبدأ يروي بعض الأشياء التي شاهدها من المواقف المتعددة من السرقة والإستغلال، ففي يوم الجمعة يأتي العديد من شتى بقاع المحروسة، فقد سقط شاب ذات يوم متلبسًا بسرقت رجل كبير داخل المقام، وغيرها من المواقف المتعددة.الساقي:«اللي زار الحسين كأنه زار النبي»«الحسين مني وأنا من الحسين» استكمل الرجل الأربعيني كلامه بهذا الحديث النبوي مشيرًا إلى أن من يأتي للحسين فقد أتى إلى النبي محمد على حسب ما ذكر في الحديث، وأنا من يرتكب شيئًا يغضب الحسين فقد أغضب النبي «صلى الله عليه وسلم»، أما اليلة الكبيرة التي انتظرها كل عام هو مولد الحسين، فحينها أحمل أشيائي وانطلق إلى الخارج في خدمة الناس لكي أرضي «سيدنا الحسين» وأن المقامات الآخرة فلها نصيب من الزيارة فقط أما الشغل الأساسي هو في حضرت «حبيبي ابن بنت رسول الله ».كيفية وصوله إلى الوظيفة «أخدت الإذن من سيدنا»هذه الخدمة قد حصلت عليها بإذن من سيدنا الحسين، وأنا أختلف تمامًا عن غيري، فمن يأتي بدون إذن يعمل لمجرد يومين ثم يذهب ولم يأتي، ولكني حصلت على الإذن من البداية فهو الشيء الذي يثبت أقدامي في المكان منذ أن بدأت، وأما عن الإذن فقد قال: «وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»، « فالحسين حي يرزق فهو يستطيع الحديث معك في أي وقت، وذات يوم دخلت بمفردي إلى المقام وتحدثت معه كأني أتحدث معك تمامًا، وأخذت الإذن منه على أن أعمل في مسجده، وقد وافق على طلبي وأنا سائر عليه حد الأن، وسوف أظل على هذا العمل حتى أخر يوم في عمري لأني لا انقض اتفاقي مع سيدنا»، وكما تربيت على حب آل البيت منذ صغري سوف أربي أولادي على حب الحسين وآل البيت، فالحب فيهم يستحق منّا أن نقضي من أجله كل حياتنا، ويأتِ إبني معي في كل جمعة ولكن لايستطيع القدوم هذا اليوم بسبب الامتحانات.الساقي: «مينفعش اغيب من غير ما استأذن من مولانا»فجدول الحضور مستمر من أول يوم حتي الأن، ولا استطيع الغياب أو التخلف يوم ما من تلقاء نفسي، ولكن عندما أريد الغياب لابد أن أخذ الإذن من «سيدنا الحسين»، فيكون عن طريق الذهاب إلى المقام في هذه الجمعة والجلوس بجانبه، وبدء التحدث معه، وأخبره أنني لا أريد المجئ في الجمعة القادمة، وانتظر الرد خلال دقائق، قائلا: «هوبيكلمني وبيقول لي أحضر ولا أغيب الجمعة الجاية»،  فبذلك أصبحت هذه الخدمة بمثابة فرض لابد من تنفيذه كل جمعة، مصدقًا على كلامه بمقوله معروفة بينهم «فإذا عرفت فلزم» فقد أخذت على نفسي العهد فلابد من الزوم في الأداء، فكانت في البداية حب وذكر ولكن تحولت بعد سنوات إلى مرض في محبة الحسين والدراويش، حتى صار الأمر يهيئ له أنه تحدث مع الحسين وجهًا لوجه ويسلم عليه يدًا بد.

اقرأ أيضا