هربوا من الرصاص فماتوا مجمدين.. قصة ليلة مأساوية قضاها اللاجئون السوريون

الاحد 28 يناير 2018 | 11:59 صباحاً
كتب : سارة أبوشادى

بجانب إحدى الأشجار نامت الأم تحتضن طفلتها يغطيهما الثلج فمن يراهما من بعيد يظن أنّهما في ثبات عميق، تلك الأم التي حاولت الهرب بطفلتها البالغة من العمر 4 سنوات من بطش مايحدث في بلادهم، إلى مكان آخر أكثر أمناً وأماناً، من وطن ما عاد يتسع لهم وما عاد يتحنن عليهم حتى بكسرة خبز، ولكنًها لم تدرك أنًها ستسقط في بطش أكبر، لترحل نهائيًا إلى عالم آخر برفقة طفلتها الصغيرة.صورة أخرى لأب يرقد بجوار طفله البالغ من العمر 3 سنوات وبجانبهم الأم، تلك الأسرة التي خرجت من بلادها بلباس فقط يستر عوراتهم، وتركوا كل شيء وراءهم من أموال وأملاك وأثاث، هرباً من ظروف الحرب والقتل والانتهاكات التي لاحقتهم، ولكن كان الموت من قسوة البرد هو مصيرهم.صور هؤلاء الأطفال وهم يرقدون كالملائكة يغطيهم الثلج من كل جانب، أعادت إلى أذهان الكثيرين منا صورة (إيلان)، الطفل الذي تمدد على شاطئ البحر على وجهه وأدار ظهره للعالم، هرباً من عار أمة لم تنصفه في حياته ولم تسمع استغاثاته، أمة تنكرت له في الدنيا كما في الآخرة. 9 أرواح مابين طفل وشاب وفتاة، خرجوا فارين من بلادهم للنجاة من حرب نالت من جيرانهم وأشقائهم، ليواجهون الموت على أرصفة الطرقات، فلم يظن هؤلاء الهاربون من بطش النظام السوري، أن تلاحقهم لعنة الموت وهم في طريق هروبهم، وبدلاً من أن تكون الطبيعة أكثر رأفة ورحمة بهم كانت قاسية عليهم إلى حد القضاء عليهم.ليلة مأساوية عاشها الضحايامنذ عدة أيام ورد بلاغ إلى الجيش اللبناني، بوجود نازحين سوريين عالقين بالثلوج في جرود منطقة الصويري_ المصنع، خلال محاولتهم الدخول هربًا إلى الأراضي اللبنانية، وبعدما توجهت دورية من الجيش إلى المنطقة عثروا على جثث 9 سوريين بينهم طفلين، قضت العاصفة الثلجية عليهم أثناء محاولتهم تجاوز الحدود في هذا البرد القاسي هربًا من الحرب في سوريا.ليلة مأساوية قضاها اللاجئون السوريون تحت رحمة البرد على الحدود اللبنانية – السورية، وتحديداً عند «معابر الموت»، ما بين جبال الصويري ومجدل عنجر والمصنع والحدود السورية، والتي يجتازها عشرات السوريين يومياً هرباً من الموت في بلادهم، بمساعدة أناس أقل ما يقال فيهم أنهم (تجار موت) وليسوا بمهربين، يساعدون أناساً لجأوا إليهم ودفعوا كل ما يملكون، في سبيل الانتقال إلى مكان أكثر أمناً من حيثما كانوا، حيث آلة البطش والقتل تعمل ليلاً ونهاراً حاصدة المزيد من الأرواح.من المستفيد من تهريب السوريين؟يبقى سؤال مهم: من يقف وراء عمليات تهريب السوريين إلى لبنان من الجهة السورية؟ خصوصاً أن تلك المنطقة الحدودية تقع تحت قبضة النظام السوري وسيطرة الفرقة الرابعة، حيث يُقال إن عمليات التهريب تجري بعلم وتجاهل بعض الضباط السوريين المولجين أمن تلك المناطق الحدودية من الجهة السورية، وبالتعاون مع أشخاص لبنانيين يُطلق عليهم تسمية (تجار الموت)، ينسقون عبر هواتفهم المحمولة مع جهات عسكرية وأمنية من الداخل السوري.لماذا يدخل السوريون لبنان هربًا وليس بطريقة شرعية؟لم تكن لبنان ضمن الدول التي وقعت على اتفاقيات اللاجئين بشكل عام، ومن هذا المنطلق لم تتعامل مع النازحين السوريين بصفة لاجئين، لأن قوانينها وتشريعاتها تعتبر النازح السوري مجرد سائح، علماً أن هؤلاء اللاجئين خرجوا من بلادهم بلباس فقط يستر عريهم، وتركوا  كل شيء وراءهم من أموال وأملاك وأثاث، هرباً من ظروف الحرب والقتل والانتهاكات التي لاحقتهم .وأصدرت الحكومة اللبنانية عدة قوانين وأوامر إدارية، لتحديد إقامة اللاجئين السوريين على أراضيها، والتي لم تراعِ ظروف الحرب في سوريا ولا قرارات الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان مثل: طلب اوراق إقامة باعتبار السوريين الهاربين من جحيم الحرب سائحين وليسوا لاجئين، بالإضافة الى تعهدات بعدم العمل، ودفع مبلغ 200 دولار رسوم الإقامة وأيضًا كفيل لبناني، من دون إغفال القرار المهين بمنعهم من التجول ضمن أوقات محددة سواء في العاصمة أو الأرياف.الطرق سواء البرية أو البحرية ، لم تعد مجرد تفاصيل محزنة تروي قصة مواطنين لم تسعهم أوطانهم، إنما هي وجع يُلازم جزءاً كبيراً من الناس، قرروا الرحيل في رحاب الدنيا هاربين إما من جوع وإما من قتل، منهم من قضى في طريقه ومنهم من وصل ومنهم من لم يزل يبحث عن موطئ قدم يمكن أن يركن إليه في نهاية عمره، أو ما تبقى له من عمر في عالم يجنح أكثر صوب الظلم والعنف وانعدام العدالة الاجتماعية.

اقرأ أيضا