لفتيات الليل الحق في قول ”لا”.. التجربة الهندية

الجمعة 24 اغسطس 2018 | 11:57 صباحاً
كتب : بلال همام

 

قل لي ماذا كانت ترتدي قبل أن أرفع يدي طالبا الدفاع عنها، وإن كانت ترتدي ما لا يليق بأهوائي فالمتحرش برئ ولنثبت إدانتها، هذا المنطق قد يبدو غريبا اذا ما قرأته ولكنه أقرب ما يكون للحدوث في المواقف اليومية بمجتمعاتنا، حيث ينطق بالحكم في صالح المتحرش فقط لأن فتاة ارتدت ما قد يثير شهوته حتى ولو كان "هو" سريع الاشتعال فسوف يقول البعض أن "هي" كانت السبب في الشرارة الأولى.

البعض يصر على أن بنطال ضيق أو شعر منسدل يعد تحرشا بالشباب، أما اللمس والتلفظ والترصد ستجدهم في سلة واحدة بعنوان "رد الفعل" أو "الشباب مش متجوز يعمل ايه؟"، وبدلا من استخدام جملة "اعتبرها أختك ودافع عنها" تتحول الأمور في لحظة إلى "اعتبرها أختك.. ترضى انها تنزل باللبس ده من بيتها؟"، وفي نفسية معقدة للغاية مثل نفسية الذكر العربي فإن ألفاظ مثل ديوث وخرونج كفيلة بابتزاز مشاعره ليتحول تلقائيا للهجوم على الفتاة بدلا من انصافها.

 

التجربة الهندية 

في الهند وصلت نسبة اغتصاب الأنثى إلى معدل مخيف للغاية يكفي أن نقول أنه في عام 2014 وصل عدد النسوة المغتصبات إلى الثلث تحديدا، بالطبع ذلك العدد المهول من حالات الاغتصاب أثار جدلا هائلا في جميع الأوساط الاجتماعية والقانونية والدينية أيضا، فرجال الدين وجهوا خطاباتهم كالمعتاد إلى حث الفتيات على اللباس الفضفاض وعدم النزول من المنازل في ساعات متأخرة وأيضا التحذير من انخراطهن في مجتمع العمل الملئ بالاختلاط الغير محسوب، فيما قام المجتمع الهندي حينها بالتصفيق لذلك الخطاب ولم يسعف القانون ثلث فتيات الهند للثأر من مغتصبيهن.

ظلت المعدلات تزيد حتى تخطت نسبة الثلث ولكن تلك المرة لم يفلح الخطاب الديني السابق في شرح الأمر، فشريحة كبيرة من النساء اللاتي تعرضن للاغتصاب منذ 2014 إلى 2015 كن فوق سن ال45 عام حيث يرتدين ملابس تقليدية وطابع حياة روتيني بلا خطر وبعضهن تمت عملية اغتصابهن داخل حارات ضيقة تؤدي إلى المنزل، كل ذلك وضع خطاب توجيه اللوم على فتيات الهند في مأزق إلا لو كان الحل عدم خروجهن إلى الشارع من الأساس وهو الأمر الذي لن يتقبله الذكور أنفسهم بسبب حاجتهم إلى نزول الفتيات من أجل العمل أو قضاء حاجات المنزل على الأقل.. حتى أتى عام 2016 بمفاجأة فنية ضخمة قادها النجم الأسطوري الهندي "أميتاب باتشان"

 

 

لنطلو الهند باللون الـ Pink.. وندافع عن فتيات الليل 

بعد كل تلك الأحداث المأسوية لم يجد "أميتاب باتشان" حرجا في أخذ الأمور إلى منعطف أكبر وأخطر ولكن لا بد منه، فإذا كانت عقلية الهنود حينها تبرر الاغتصاب بالهجوم على بنطال فتاة ضيق، فماذا لو كانت تلك الفتاة تبيع ما دون بنطالها بالمال، نتحدث هنا عن 3 من فتيات الليل اللاتي تم اغتصابهن ولم يرى أحد أن من حقهن الحصول على محاكمة عادلة، ففي النهاية هن قررن أن يصبح الجنس عمل يقتاتوا منه ولو حدث ما لا يحمد عقباه فذلك من جزاء ذلك العمل.

القصة تدور حول 3 شبان اصطحبوا 3 فتيات إلى المنزل بعد اتفاق على نظير مالي من أجل إقامة علاقة جنسية، الأمر الذي تغير بمجرد دخولهن إلى المنزل حيث قررن فجأة التراجع عن ذلك الاتفاق مع رد المال، ولكن الشباب لم يقبلوا كلمة "لأ" خاصة وأنها تصدر من "عاهرات" كما لقبتهن الصحافة ووافق على ذلك التوصيف الرأي العام طوال أحداث فيلم Pink.

حينها وافق "أميتاب باتشان" الذي كان يؤدي دور المحامي "ديباك سيجال" على تولي القضية من أجل نصرة قضية واحدة، من جملة بسيطة وغير معقدة أراد أن يتفهمها المجتمع وتروج لها الصحافة هي "لأ تعني لأ"، ليس من المهم من يقول "لأ" ولا ماذا كانت ترتدي الفتاة حينما قالت "لأ"، وفي جميع لغات العالم الكلمة يجب أن تحمل معناها فقط فالأنثى قد تقول لك لم يحدث شئ ولكنها تقصد أنك أحدثت ضررا ما، وقد تقول لك أنها سعيدة ولكنها تخبئ بعض الحزن مثلا أو العكس أن تتدعي الحزن لنيل بعض التعاطف منك من أجل سعادتها، ولكنها حينما تقول لأ فهي تعني لأ، يجب عليك أن تحترم ذلك الرفض دون النظر إلى معنى أخر له، هل كانت ترتدي البنطال الضيق؟ هل كانت تسير في وقت متأخر ليلا؟ هل خرجت للتو من كازينو؟ هل هي فتاة ليل تبيع جسدها في الأساس؟ كل ذلك لا يهم فهي قالت الكلمة السحرية "لأ" وكما كان يردد "أميتاب باتشان" على هيئة المحكمة بغضب جملته الشهيرة فإن "لأ.. تعني لأ". الفيلم لاقى نجاح كبير حينما عرض، والبعض تقبل الفكرة تماما حتى ولو لم يتقبل مهنة "فتاة الليل" لأسباب أخلاقية أو دينية أو لمجرد رفض أن تتحول المرأة إلى سلعة، ولكن الكثيرون تقبلوا أن حتى فتاة الليل من حقها أن ترفض، معدلات الاغتصاب لم تقل كثيرا فقط شهدت تراجعا بنسبة ما يقرب من 6% حتى عامنا الحالي.

 

العودة من "نيودلهي" إلى "القاهرة" 

اذا استبدلنا كلمة "اغتصاب" بتحرش قد تبدو القصة السابقة مألوفة للغاية، نفس الأشخاص والتبريرات والخطابات، نفس النتيجة ربما، شارع لا أمان فيه ومجتمع لا يقبل كلمة "لأ" قبل النظر إلى من تقولها، وفي بعض الأحيان لا يبذل المتحرش عناء النظر إلى قائلة الكلمة من الأساس ففي النهاية هو قد يكون متحرشا ولكنه "يغض البصر"، ومن ناحية أخرى قد يقرأ البعض هنا التجربة الهندية المذكورة ويخرج علينا بمنظور أخر محتقرا ما كتب ومتسائلا في دهشة: "هل تشجع الفتيات على امتهان الدعارة؟"، والإجابة غير معقدة إطلاقا.. "لأ" أن تضع فتاة ما على جسدها رداء مثير من وجهة نظرك ذلك لا يعني أن جزء منها أصبح ملكك، وأن تصادف فتاة تسير ليلا وحيدة ذلك لا يعني أنها في حاجة إلى رفقتك، والأهم أنه ليس لوجهة نظرك في ما ترتديه هي أو ما تقوم به مكانا في أي موقف قد يجمعكما، اذا لم يعجبك فستانها لا ترتديه أنت ولكن هي تمتلك حرية أن تفعل ما تريد، وحينما تقول لأ فهي بالتأكيد تعني لأ، بل إنها اذا لم تقل "نعم" فهي تقصد "لأ" أيضا، لذا في المرة المقبلة التي تشاهد فيها إحداهن تتعرض لمضايقة أو تحرش أو ترصد توقف عن النظر إلى ما ترتديه فالمتهم في الجانب الأخر يسير كالمنتصر في انتظار أن يصبح نجم "إعلاني" ربما في يوم ما.

 

اقرأ أيضا