التنمر وجرائم الأسرة

الجمعة 19 أكتوبر 2018 | 02:36 مساءً
كتب : بقلم اللواء الدكتور/محسن الفحام

تحدثنا فى السابق أن التنمر يمثل نمطا من أنماط العنف النفسى والمعنوى بل والجسدى أيضاً وأنه لا يقتصر على الأطفال فقط فى المدارس بل ينسحب إلى الأسرة بجميع أفرادها سواء الزوج أو الزوجة أو الأبناء.

لقد أصبحنا نستيقظ يومياً على جريمة أسرية ما بين آباء وأمهات يقتلون أبناءهم، وأبناء يقتلون آباءهم وأمهاتهم، ونجد الإعلام بكافة صورة وأشكاله يلهث من موقع جريمة إلى موقع آخر، وكأنه يشجع على إذكاء روح القتل دون أن يجتهد فى إيجاد حلول مجتمعية تشارك فيها جميع مؤسسات الدولة المعنية؛ للحد من تلك الجرائم التى أصبحت تمثل ظاهرة غريبة على المجتمع المصرى المعروف عنه بأنه شعب متسامح باراً بأهله وبضعفائه، فما الذى طرأ على هذا المجتمع وجعل العديد منهم متنمرا لمن معه أو من حوله، بل أحياناً ضد نفسه حيث يقوم بالانتحار متأثراً بخلافات يكون فيها هو الطرف الأضعف تجاه ما يتعرض له من ضغوط خارجية ومنها السخرية والتهكم على فقره أو ضعفه أو فشله؟

وفى دراسة للمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية لعدد من الأشخاص تعرضوا للتنمر بهم داخل الأسرة أو فى المجتمع بصفة عامة تبين أن هناك عدة أسباب لهذا العنف من بينها، التعدى من أحد الإخوة على الآخر، التهديد بالعقاب عند أى خطأ، الكذب وتكراره، السخرية والمعايرة بالعجز عن أداء مهام معينة، وأن عنف الأب أو الأم ينعكس على سلوكيات الأبناء فى المدارس كنوع من أنواع التنفيس عما يلاقونه من عنف فى منازلهم، كما أكدت العديد من الدراسات الأخرى أن نشر أخبار الجرائم عبر وسائل الإعلام المختلفة يؤدى إلى الرغبة فى تكرارها خاصة إذا نجح الجانى فى ارتكابها والهروب قبل إلقاء القبض عليه.

لقد تغيرت ثقافة المجتمع مؤخراً للأسف، خاصة بعد أحداث يناير 2011 التى اتخذت من العنف منهجاً لها عندما سيطرت جماعة الإخوان الإرهابية، وبدأت فى توجيهها إلى استخدام العنف والقوة كإحدى وسائل بسط النفوذ فى العديد من المناطق والمحافظات، كما ساهمت بلا شك فى تردى الأوضاع الاقتصادية والتفكك العائلى فى التأثير على العلاقات الأسرية، حيث أصبح زيادة الضغط الأسرى طريقاً سهلاً للجرائم، ويضاف إلى ذلك بطبيعة الحال إدمان المخدرات والفراغ والبطالة وجميع تلك المعطيات تؤدى بلا شك إلى وقوع المشاحنات والمشاجرات التى يتنمر فيها الابن على والديه، بأى صورة من الصور للحصول على الأموال التى يشترى بها تلك المواد المخدرة أو الزواج من فتاة على علاقة بها وليس لديه المال اللازم للزواج منها، أو ذلك الزوج الذى يكتشف خيانة زوجته لاعتبارات مختلفة أو العكس من ذلك أيضاً بالنسبة للزوجة.

وفى دراسة أخرى تناولت مفهوم دورة العنف والجريمة أفادت أن المقصود بها أن الفئات التى تتعرض للعنف بما فيهم الأطفال خلال تنشئتهم، يكونون أكثر احتمالية لممارسة "التنمر" والعنف فيما بعد، وأن ذلك من الممكن أن يؤدى إلى ارتكاب الجريمة تلو الأخرى، والدليل على ذلك أن الآباء والأمهات الذين تعرضوا للعنف فى فترة من فترات حياتهم يمارسون العنف مع أبنائهم فيما بعد.

لقد شهدت السنوات الأخيرة تطوراً كبيراً فى جرائم الأسرة حيث تنوعت صورها وزادت نسبتها فى المجتمع بصورة غير مسبوقة، ما بين القتل والحرق والطعن والخنق والاغتصاب والتعذيب، وجميعها بالتأكيد لها تأثيرات كبيرة على سلوكيات الأبناء والبنات فى مدارسهم وفى حياتهم بصفة عامة، لدرجة أن أحد المتخصصين فى علم الاجتماع قال إن الجيل الحالى أصبح متصالحاً مع العنف بكافة أشكاله، ويعتبره أحد مظاهر السيطرة والقوة وأحد وسائل تحقيق الأهداف المختلفة.

وفى إطار قناعتنا الدائمة بأن الإعلام لا يقتصر دوره فقط على مجرد نقل الحدث وتحليله، بل أنه يمتد أيضاً للبحث عن وضع الحلول الملائمة لأى خلل اجتماعى، فإننا نعرض هنا تلك النتائج التى توصلت إليها العديد من الدراسات الاجتماعية والأمنية والدينية التى تهدف إلى معالجة ذلك النمط من العنف الذى يمتد من داخل البيت والأسرة الواحدة إلى المجتمع بمختلف أعماره وتوجهاته، ومن أهم تلك التوصيات:-

- ضرورة الاهتمام بنشر الوعى المسبق للزوج والزوجة قبل إقدامهما على الزواج عن طريق وسائل الإعلام المختلفة للوقوف على الطرق المثلى للتعامل معاً مبدئياً ثم التعامل مع أبنائهم بعد ذلك.

- الاهتمام أيضاً بذات الهدف فى المدارس والجامعات والمساجد والكنائس بحسبانها إحدى مراحل حياة الآباء والأمهات والأبناء والبنات التى يمرون بها فى مشوار حياتهم.

- عقد ندوات ودورات تثقيفية وتدريبية لأفراد الأسرة للتدريب على كيفية مواجهة مواقف الحياة ومشكلاتها اليومية والتعامل معها بأساليب بعيدة عن استخدام العنف كى لا يكون موروثاً طبيعياً لأبنائهم فيما بعد.

- مناشدة صانعى السينما والدراما المصرية بتخفيف جرعة العنف والجرائم التى تشد انتباه النشء وتجعل من المجرم أو الفتوة قدوة يحتذى بها فى تعامله مع أقرانه فى المدارس أو مع والديه وأخوته فى المنازل.

- اعتماد استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة جميع أشكال العنف الذى يشهدها المجتمع حالياً سواء فيما يتعلق بمكافحة تلك الظاهرة، أو بتغليظ العقوبات على من يعتدى على الآخر بأى شكل من أشكال التعدى، واعتماد قانون لمكافحة العنف ضد المرأة، وأيضاً تكثيف المرور على المدارس والكليات للتعامل مع ظاهرة التنمر التى بدأت تستشرى لدى الأطفال انعكاسا لمعاملة ذويهم لهم داخل الأسرة أو فى المجتمع أو الأندية، وألا يغفل رجال الدين فى مواقعهم المختلفة عن دورهم المهم فى هذا المجال.

إننا نبحث عن مجتمع صالح مسالم يكون جميع أفراده من الأصحاء الأسوياء خلقاً وعملاً وعلماً، وأن نزرع فى نفوس أبنائنا نزعة الخير والإيمان والسلام وننتزع منهم نزعة الشر والعنف والانتقام.

وتحيا مصر....

اقرأ أيضا