وليد الغمرى يكتب ”حين يرتجل الرئيس”

الاثنين 10 ديسمبر 2018 | 03:43 مساءً
كتب : بلدنا اليوم

شأني شأن أي مواطن مصري.. أتابع كل ما يصدر عن الرئيس السيسي في أي محفل يتحدث فيه.. وأصارحكم القول أنى أتعمد عدم التعليق على كلام الرئيس.. ببساطة لأن التعرض لحديث الرئيس وحواراته هو شأن جلل في بلادنا.. ليس فقط لأنك سوف يتم تصنيفك سياسيا بناء على رؤيتك التي تطرحها.. وأنا لست من هواة التصنيفات.. ولكن لأن في بلادنا من يمتدحون الرئيس يتم اتهامهم بالرياء والنفاق السياسي.. ومن ينتقدونه يتم تخوينهم.. وأنا أبرأ بنفسي وبقلمي أن يحمل أيا من التهمتين في أي وقت من فترات تاريخي المهني في بلاط صاحبة الجلالة.

ولكن حملة الانتقاد الشنيعة التي تعرضت لها تصريحات الرئيس خلال الساعات الأخيرة.. والتي جاءت في سياق افتتاح سيادته لمؤتمر أفريقيا 2018.. وبالتحديد ما تناقلته بعض وسائل الأعلام الغربي وتعرض له منصات التواصل الاجتماعي في مصر.. حين قال الرئيس في معرض حديثه "أن مصر لو كانت رضخت لدراسات الجدوى لم يكن ليتحقق ربع ما تحقق من مشروعات خلال الأونة الأخيرة".

والحقيقة أن الجملة التي تم انتقادها أذا أخذت مقتطعة من سياق حوار الرئيس في شكله العام.. سوف تفهم بالضرورة في سياق أن مصر لا تحترم العلم في مشاريعها وأنها تستثمر أموال الشعب دون دراسة.. وهو اجتزاء مخل على قاعدة "ولا تقربوا الصلاة".

والأمر يمكن فهمه ببساطة شديدة في السياق العام لمداخلة الرئيس في الجلسة التي تحدث فيها سيادته..  والتي لو قررت أن أضع لها عنوان رئيسي سوف تكون كلمة ومعنى "الوقت" هي عنوان كلمة الرئيس الذى تحدث في عبارات واضحة جدا، عن أهمية عنصر الوقت في كسر الفجوة بين ما وصل اليه العالم، والمحطة التاريخية التي تقف فيها القارة السمراء الان.. والفارق الشديد بين معايير الجهات العالمية الممولة للمشروعات في افريقيا، وحقيقة معايير القارة نفسها.. والتي يجب أن تؤخذ في اعتبارات الجهات الدولية التي تعمل على الاستثمار داخل قارتنا الافريقية.. وأن مصر نفسها لو لم تراعى تلك الفجوة بين ما بينها وبين العالم.. سوف تزداد الهوة التاريخية فيما بينها وبين العالم المتقدم.. وضرب الرئيس مثلا جليا بمشروع قناة السويس.. الذى قالت دراسات الجدوى.. أنه سوف يتم في خمس سنوات.. وعلى أفضل تقدير في ثلاث سنوات، ولكنه أصر أن يتم في عام واحد وهو ما حدث بالفعل.

باختصار شديد الرئيس يعلن أن مصر تسابق ما يقرب من قرن من الزمان لتلحق بركب العالم الذى تخلفنا عنه.. وأن هذه الروح لابد أن تنتقل لكل بلاد أفريقيا إذا كانت فعلا تريد أن تلحق بالركب العالمي.

اقتطاع كلمة الرئيس داخليا وخارجيا يصب في النهاية في حقيقة واحدة.. تحدثنا عنها وسنظل نتحدث.. أن هذا البلد مستهدف.. وأن مؤامرة كبرى تزداد يوما بعد يوم عليه كي لا يستمر.. ولكل هؤلاء الذين يرون أننا ننظر نظرة منحازة، وغير حقيقية في فكرة المؤامرة.. أقول لهم ببساطة.. أن الحرب التي خاضتها مصر ولازالت حتى الأن في سيناء.. وحدها كفيلة لكى تقول.. أن هناك من لا يريد الخير لهذا الوطن.. ودعوني أستدعى ألفاظ الرئيس السيسي الذى أسماهم "أهل الشر".

 والحقيقة التي يتعمد البعض غض الطرف عنها.. أنه لو لم يوجد في مصر ما يثير حفيظة "أهل الشر" ما كان ليستشهد جندي واحد من أبنائها في معارك مسلحة وعلى الأرض المصرية.. لو أن هذا البلد لا يحدث فيه شيء ويسير نحو هاويته.. فلماذا يحارب.. ولماذا تجيش له معسكرات وكتائب إعلامية جبارة لضرب الداخل.. لماذا خضنا كل هذه المعارك لو أن مصر ستنهار وحدها كما يزعم البعض ؟!.

دعوني أعود لزاوية أخرى وأنا أتعرض لحديث الرئيس.. والذى بلغ بالبعض خلال الساعات الماضية أن يترصد لكل كلام الرئيس منذ توليه المسؤولية.. خاصة الأجزاء الارتجالية منه.. ليصب نيران من مدفعيات النقد غير المنزه على أن في مصر، رئيس لا يتقيد بالنص المكتوب..

وفى هذا الصدد دعني أقول أن مصر عاشت عقود من النصوص المكتوبة بفخامة عربية، وفصاحة رئاسية.. لم يكن أحد من بسطاء مصر وهم الأغلبية يفهم منها شيء.. وأذكر أني عشت سنوات طويلة في بيتي، وكان أبى الموظف البسيط، ينتظر خطاب الرئيس الأسبق مبارك في يوم 1 مايو من كل عام.. ليستمع الى ما سيقرره الرئيس من منحة سنوية للعمال.. وأذكر أنه لم يكن يتابع أيا من مفردات الخطاب الرئاسي الذى ينتظره بشغف.. وطالما قاطعني بعبارات الملل من الخطاب.. وهو يريد الفقرة التي ينتظرها فقط..

 هنا يتضح لنا الفارق بين خطاب نخبوي منمق للصفوة.. وخطاب بسيط يفهمه الجميع.. فوالدي هو نفسه الرجل الذى يتابع أحاديث الرئيس السيسي ويفاجئني بمناقشات طويلة حول ما جاء فيها وهو على دراية واسعة بكل ما قاله الرئيس..

شتان بين رئيس يتم وضعه في صندوق البرتوكول الرئاسي بكل ما فيه من وجاهة.. ورئيس أخر حين يتحدث مرتجلا بعيدا عن العبارات المنمقة.. فيستوعبه بسطاء شعبه.. ولكن البعض تعمد أن يتناسى أن 60% من المصريين لا يزالون يجهلون القراءة والكتابة.. ولو أن الأمر بيدي لدعوت الرئيس ألا يتحدث الينا يوما من خلال نصوص مكتوبة.. فلو كانت ارتجالية الرئيس السيسي عيبا يلام عليه من وجهة نظر البعض.. فأنا أعتبرها أجمل ما يميز الرئيس عن غيره ممن سبقوه.. فرفقا بأهلنا.. ورفقا ببسطاء هذا الوطن.. بل رفقا بهذا الوطن ذاته.