راندا عبد الحميد تكتب..قصة «القصر»

الجمعة 29 مايو 2015 | 04:36 مساءً
كتب : راندا عبد الحميد

للكاتبةراندا عبد الحميدإهداء خاصأهدى هذه القصة القصيرة إلى حبيبتَى ..اللتان منحتانى وقتيهما لقراءتها وأشكركما على تشجيعكما لى على نشرها ..بدءً من صديقتى العزيزة شيماء إلى ابنة عمى الحبيبة سارة ..أشكركما شكرا جزيلا لاستمراركما دائما في تشجيعى والوقوف بجوارى منذ البداية..أشكر كل من سيمنحنى وقته لقراءتها .. وأتمنى لكم قراءة سعيدة وقضاء وقت ممتع معها..القصرعندما تتقاسم الأيام الجنون بعقل.. ويضحى الحلم حياة.. تتجسد ذكريات الماضى فى حاضر غريب.. ويصبح السراب واقع ..جنون عقلك يغتالك فيجبرك على البحث بين أركان الوجود بدون نبراس أمل..ويسكن الوهم شرايينك ويعزف القلب أنغامه المضطربة فيصبح النبض أسير ا لا محالة..بين خيال وواقع لا مهرب منه تكمن القضية ..............يصدح صوت القارىء فى أرجاء المكان وهو يتلو آيات الذكر الحكيم (يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي) صدق الله العظيمينتهى الشيخ من قراءة القرأن وينتهى المعزيين من العزاء وتقديم واجبه، يصافح المحامى " بدر محمد سيد" الأستاذ "مصطفى حسن البدرى" ( مدير أحد الفروع لأحد البنوك، يسكن فى القاهرة منذ زواجه وبدء العمل فى البنك) وهو ابن أخ المتوفى الحاج "مصطفى البدرى" قائلا : - البقاء لله يا أستاذ "مصطفى".الأستاذ "مصطفى" : - البقاء لله يا أستاذ بدر.المحامى : - أنا عارف إن الوقت مش مناسب، بس حضرتك عارف إن عمك عمل وصية وقسم الميراث بينك وبين ابن عمك المهندس "يحيى" وأخته و أنا اتفقت مع الأستاذ "يحيى" إن بكرة بعد الضهر هييجى عشان نفتح الوصية وكل واحد يعرف حقه.فقال الأستاذ "مصطفى" بحزن : - سيبك من الكلام ده دلوقتِ يا متر إحنا فينا اللي مكفينا والمرحوم بالرغم من انعزاله عننا فترة كبيرة إلا إنه كان غالى علينا .ربت المحامى على كتف الأستاذ "مصطفى" وهو يقول : - الدوام لله يا أستاذ مصطفى بس حضرتك عارف إن الوصية لازمة النفاذ والمرحوم كان ما عندوش اولاد ومالوش إلا أنت وابن عمك الأستاذ "يحيى" وأخته زوجة حضرتك، هسيبك ترتاح وبكرة على الساعه 1 الظهر نتجمع هنا إن شاء الله.يهز الأستاذ "مصطفى" راسه بحزن : - إن شاء الله يا متر.. إن شاء الله............قرب منتصف الليل وبعد الإنتهاء من مراسم العزاء وإغلاق أبواب القصر دخلت الزوجة "فريدة" إلى الحجرة التى ستقيم فيها خلال هذه الفترة وهي شبه مغمضة العينين من شدة إرهاقها، ألقت نفسها على سريرها تطلب النوم بشدة.بعد مرور دقيقتين سمعت صوتا قريبا ينادى باسمها من أسفل وسادتها، لم ينطق إلا اسمها بوضوح وليس همسا. انتفضت "فريدة" من مكانها ونظرت بفزع إلى وسادتها ولكنها لم تجرؤ على رفعها لترى ما تحتها، ظلت تذكر الله وعقلها يهتف مكذبا ما حدث : - أنا أكيد نمت ودى أضغاث أحلام بس أو هواجس عشان غيرت مكان نومى.ظلت قابعة في مكانها تحارب هاجسها حتى دخل زوجها بهدوء وعلى وجهه علامات الحزن والأسى، بدأ فى تبديل ملابسه فى صمت تحت أنظار زوجته التى شغلها حاله عن أوهامها فهمست قائلة : - البقاء لله يا "مصطفى" طولة العمر ليك يا حبيبى شد حيلك كده.فتنهد "مصطفى" وألقى نفسه فوق السرير بجوارها : - ونعم بالله يا فريدة، والله بالرغم من إنه الكام سنة الأخيرة كان رافض إننا نيجيله هنا فى القصر أو هو ييجي يزورنا ، إلا أنى فاكر مواقف كتير حصلت معاه من صغرنا أيام ما كنا عايشين فى البلد هنا، يلا الله يرحمه ويجمعنا بيه فى الجنة ونعيمها إن شاء الله. فتتنهد "فريدة" : - الله يرحمه يا "مصطفى" بس أنت عارف هو كان رافض أى حد يدخل القصر هنا نهائى من بعد ما اشتراه، بس دايما كنت بسأل نفسى إيه السبب فى كده ؟ مش عارفه والله يلا الله يرحمه ويحسن إليه.تنهد "مصطفى" وظهرت دمعة فى عينيه، ظل يتذكر بعض المواقف التى جمعته بعمه وباقى أفراد العائلة حتى غط فى سبات عميق بينما ظلت "فريدة" مكانها وقد أضاع منها هذا الصوت سلطان النوم رغم إرهاقها.ظل الصوت يهتف بداخلها تارة وتكذبه تارة أخرى حتى غفت بعد ظهور الشمس على جدران قريتهم.........استيقظت "فريدة" على كف دافئة وضعت على كفها، ففتحت عينها ببطء وإرهاق لترى يد شديدة البياض تحتوى كفها ولكن المفاجأة ليس هناك جسد.انتفضت "فريدة" بينما أسرعت الكف البيضاء للهرولة إلى الحائط المقابل والاختباء داخلها، فنظرت بصدمه إلى الحائط وإلى يدها ثم إلى الحائط ثم إلى يدها وهى غير مصدقه لما تراه ثم رددت ( بسم الله الرحمن الرحيم)حاولت "فريدة" أن تقنع نفسها أن ما حدث ليس حقيقيا وأنه أيضا أوهام فليس هناك يد بدون جسد، أسرعت بالنهوض والاغتسال لتفيق من هذه الأوهام التى بدأت فى الظهور.خرجت لزوجها الذى سبقها فى الاستيقاظ وبحثت عنه لتجده يجلس بصحبة أبنائها "محمد وندى" فى غرفتهما التى باتا فيها ليلتهما أمس، فألقت عليهم التحية : - صباح الخير.فرد الجميع : - صباح النور.اقتربت "فريدة" من "مصطفى" وربتت على كتفه : - عامل إيه النهاردة يا "مصطفى"؟فهز "مصطفى" رأسه وهو يتمتم : - الحمد لله."فريدة" : - طيب هاروح أشوف أى حاجة أعملها عشان نفطر بيها. فرد "محمد" : - لا يا ماما خالو "يحيى" بعت صينية كبيرة فيها أكل على السفرة وقال هييجى بعد شوية يقعد معانا.فأبتسمت "فريدة" بهدوء قائلة : - طيب يلا يا حبايبي اغسلوا إيديكم وعلى السفرة.ربتت "فريدة" على كتف "مصطفى" : - يلا يا "مصطفى" عشان تفطر أنت كمان مع الأولاد قبل ما الناس تبدأ تيجى.فهز "مصطفى" رأسه وخرج بصحبة زوجته إلى حجرة الطعام وتبعهم أولأدهم، بعد أن أتموا فطورهم حضر الأستاذ "يحيى" واصطحبه "مصطفى" إلى المكتب لينتظروا المحامى، بينما جلست "فريدة" بمفردها فى البهو الكبير الذى يتوسط المنزل تتذكر الصوت الذى سمعته من تحت الوسادة واليد البيضاء التى استيقظت عليها حتى بدأت تحضر السيدات للعزاء فحاولت الاندماج معهم وترك هواجسها............حضر بعد الظهر المحامى الأستاذ "بدر" ودخل المكتب عند الأستاذ "يحيى" والأستاذ "مصطفى" وتبعتهم "فريدة"، تم فتح الوصية وقام المحامى بقرائتها بسم الله الرحمن الرحيمأبناء إخوانى الأعزاء أشتاق إليكم كثيرا وكم تمنيت رؤيتكم قبل هذه الساعة، وبما أنكم تسمعون هذا الكلام إذن أنا فى معية الله الآن فاسألكم الدعاء وسامحونى على تقصيرى فى حقكم وفى حق صلة الرحم بيننا.ولكن قد جاءت اللحظه التى فكرت فيها لسنوات كثيرة وتمنيت عدم حضورها أبدا لكى لا أحملكم هذا الحمل الثقيل ولكنه شرع الله.بما أننى لم أنجب من المرحومة فالتركة لكم حلالا طيبا وقد قمت بتقسيمها عليكم بما يرضى الله.بما أن "يحيى" مهندس زراعى فأكثر ما ينفعه هو المزرعة فهى له خالصة دون شركاء.و"فريدة" قد قمت بعمل وديعة باسمك بنصيبك والأوراق مع الأستاذ "بدر" المحامى ستجديها. بينما "مصطفى" ابن أخى فأنا أتوسم فيك العقل والصدق وهما أكثر ما أحتاجهم فى ما جبل عليك يا ولدى فهذا قسمك فكتبت لك هذا البيت خالص لك ولكن على شرط واجب عليك وعلى أهلك تنفيذه دون أدنى أعتراض ولا أستفسار وهو عدم صعود أى بشرى ولا أى مخلوق للدور الثالث من هذا البيت ولا استعماله لأى سبب كان ولا البناء عليه.فلكم كامل الحرية فى الطابق الأول والثانى وحذاري من الاقتراب من الدور الثالث، لقد قمت بنفسى بعمل باب له وأحكمت إغلاقه منذ زمن، فحافظ على عهدى ووعدى يا "مصطفى" للحفاظ على الجميع.وأخيرا أتمنى لكم حياة سعيدة ولا تنسونى بالدعاء وصالح الأعمال.أستودعكم الله والى الملتقى فى جنات الخلد أن شاء الله.قام المحامى بغلق ملف الوصية ونظر اليهم : - ها إيه رأيكم حد عنده أى اعتراض؟فهز الجميع رؤوسهم بالرفض، قام المحامى وأخرج ملف : - ده الملف اللى فيه أوراق الوديعة و أنا تحت أمركم فى أى وقت.وخرج وبعده بدقائق خرج "يحيى" و"مصطفى" للمعزين وخرجت "فريدة" للمعزيات، حتى انتهى اليوم وذهب الجميع، عادت "فريدة" للنوم ولشدة إرهاقها لم تفكر فيما حدث أمس واستسلمت للنوم فى لحظات.لم يدم سباتها طويلا حيث استيقظت على نفس الصوت من تحت الوسادة فانتفضت من مكانها وظلت تتلفت يمينا وشمالا وتنظر للوساده بترقب ورعب، لم تذق طعم النوم ثانية فى هذه الليلة، وانحصر تفكيرها فى الوسادة التى لم ولن تقربها لتكتشف ماهية الصوت تحتها، ثم تذكرت الكف البيضاء فبحثت عنها كثيرا على الحائط المقابل ولم تجد لها أثرا...............حضر الصباح واستيقظ زوجها، خرجت معه فورا للخارج، بعد استيقاظ الجميع والانتهاء من الفطار شعرت "فريدة" بالنعاس الشديد بعد ليلتين فارقت فيهما النوم فدخلت غرفتها وحيدة لتنعم به بعد أن أقنعت نفسها من جديد أن ما بها لم يتعدَ مرحلة الخيالات.ولكن سيطر على عقلها عند جلوسها على السرير هو اليد البيضاء التى ستضع على يدها فى أى وقت لتوقظها، وهل سيناديها هذا الصوت مره أخرى؟ مكثت أكثر من ساعتين على سريرها لم تذق طعم النوم.حتى صلاه الظهر فشعرت بتلف أعصابها فقررت أن تاخذ ابنها "محمد" معها وتدخل غرفته لتحاول النوم من جديد، وبالفعل ظلت تكرر آيات القرآن وترددها حتى هدأت ونامت وتسلل "محمد" ابنها بهدوء وخرج من الغرفة. بعد ربع ساعه بالضبط استيقظت "فريدة" فزعة على صوت يصرخ باسمها من تحت الوسادة وقلبها يدق بعنف، لم تمهل نفسها حتى التفكير فخرجت مسرعة إلى الخارج لتحتمى بالناس من هذه الأصوات ، وظلت مرتبكه لباقى اليوم بنصف عقل مع الناس وهى لا تعلم ماذا تفعل وماذا تقول ؟مساءً بعد انصراف باقى المعزين خرج "مصطفى" مع ابنه "محمد" إلى أحد أصدقائه، وبقيت "فريدة" و "ندى" فجلست "ندى" فى غرفتها ومعها أحد كتبها الدراسية ونامت أمها على السرير المقابل للمكتب القابعة عليه، بعد مرور بضع دقائق لم تكن "فريدة" دخلت فى سباتها فسمعت صوت طرق بالخارج، أرهفت السمع لتتبين ماهية الصوت، فكان صوت طرق بمعلقة خشبية يضرب بها على علبة بلاستيك، فنظرت إلى ابنتها ووجدتها تذاكر بتركيز.خرجت لتسكت من يقوم بهذا الصوت المزعج بالخارج، ظلت تبحث عنه ولم تجده على الرغم من استمرار الصوت، انزعجت عندما شارك الصوت صوت طرق أخر فى أحد الغرف المجاورة، الطرق على شىء معدنى هذه المرة، دخلت الغرفة وضغطت على الإضاءة فاختفت الأصوات، وظهرت فى غرفه أخرى فأغلقت الإضاءة وقامت بفتح باب الحجرة الأخرى الصادر منها الصوت ولكن لم تجد أحدا، سمعت الصوت وقد عاد مرة أخرى إلى الحجرة الأولى فأغلقت الإضاءة وقبل أن تصل للغرفه الاولى سمعت صوت دفوف تطرق فوقفت مكانها مرتعبة، لقد اجتمعت الأصوات من الغرف جميعا. قررت أن تعود لحجرة ابنتها وأن ما تسمعه ليس إلا خيالات ولكنها مازالت تسمع بالفعل إذن فهو واقع، لكن واقع ليس له أثر، واقع غير ملموس.ارتفع ضغط دمها وظهرت عصبيتها، دفعت باب الحجرة بعنف لتصب غضبها فى وجه الابنة فهتفت صارخة : - أنتِ إزاى عارفة تذاكرى كده ؟ أنتِ مش سامعة الدوشة والخبط اللى بره ؟فنظرت لها ابنتها متفاجئة :- خبط إيه يا ماما ؟ دا يا ريت بيتنا فى القاهرة كان هادى زى هنا كنت أذاكر احلى مذاكرة بهدوء وتركيز كده.فجلست "فريدة" بحيره وغضب وخوف ثم قالت لابنتها : - قومي هاتيلى قرص منوم من أوضتى؟قالت "ندى" وهى تتفحص حالة والدتها : - حاضر يا ماما.أحضرت القرص وأعطته لوالدتها فشربته ونامت وأخر ما كانت تسمعه هو صوت الدفوف يصاحبها صوت الطرقات الاخرى.فى الصباح حوالى الساعه العاشرة دخلت "فريدة" إلى البهو ولم تجد أحدا فقامت بتشغيل الراديو على قناة القرآن الكريم.تلا الشيخ سورة "طه" فظلت تستمع لها وبصوته الرخيم حتى غفت إغفاءة جميله هادئة ممتعة، عندما انتهى الشيخ من التلاوه وقال (صدق الله العظيم)؛ استيقظت "فريدة" فزعة وكأن أحدهم هز جسدها بعنف فكادت تسقط من على الكرسى، دق قلبها بسرعة شديدة وهى تبحث فى أرجاء المكان بجنون دون وجود أى أثر لأى مخلوق.............انتهى اليوم وظلت "فريدة" جالسه مع زوجها النائم بجوارها بهدوء وهى لم تذق طعم النوم، قررت أنها لن تكمل الأسبوع المتفق عليه للعزاء وسوف تغادر إلى القاهرة مع شروق الشمس ولن تتراجع فى قرارها.ملأ صداح مكبرات الصوت بصوت أذان الفجر فنهضت "فريدة" لتتوضا ثم أيقظت زوجها وبعد الصلاة عاد زوجها للنوم بينما ظلت "فريدة" جالسه تخشى من القادم.أثناء جلوسها رأت طيف شخص يسير أمام الغرفة ذهابا وإيابا وسمعت وقع أقدامه ثم توقف بظهره أمام باب الغرفة الموارب ثم اندفع الى الصالة فظنت أن أحد ابنائها استيقظ، خرجت إلى الصالة ولم تجد أحدا فذهبت إلى غرفه أبنائها فوجدتهما نائمين.تركتهما عائدة إلى غرفه زوجها فسمعت صوت وقع أقدام بالصالة، خرجت مسرعة إليها لتجد طفلا صغيرا يبلغ حوالى ثلاثة أعوام يرتدى جلبابا أبيض اللون ويسير بسرعة أكبر من سنه، يقفز السلالم قفزا إلى الدور الثالث، فهتفت "فريدة" : - ولد .. يا ولد .. أنت يا ابنى .. أنت دخلت هنا أزاى ؟ يا ابنى تعالى هنا ؟ أستنى ما تطلعش فوق هقول لمامتك.وأسرعت باللحاق به إلى الدور الثالث، توقف أثر الطفل عند دخوله فى الباب المغلق بأحد الأقفال منذ زمن، ظلت "فريدة" تصرخ بهستيريا حتى استيقظ زوجها وأولادها وصعدوا إليها، أشارت بانهيار إلى الباب الموصد بإحكام قائلة : - الولد دخل هنا دخل فى الباب، والله شفته يا مصطفى، والله شفته طفل صغير طلعت وراه عشان أنزله بس ما لحقتش.. بس إزاى دخل فى الباب يا مصطفى إزاى؟فطوق "مصطفى" كتفها بذراعه ودفعها بهدوء للنزول معه قائلا : - يا فريدة إيه اللي طلعك الدور ده مش عمى مانع طلوعنا هنا خالص.نظر "مصطفى" إلى الخلف ليجد ابنه ينزل خلفه بينما تقف "ندى" محدقه فى الباب مباشرة لا يفصلهما إلا سنتيمترات، فقال "مصطفى" : - ندى إنزلى يلا.فهزت "ندى" رأسها بالأيجاب مع ابتسامه ماكرة ولمعة فى عينيها لم يلحظها أحد، أخذ "مصطفى" "فريدة" إلى غرفته وطلب من ابنه العودة لغرفته حتى تستريح أمه، بينما أخذت "فريدة" فى استكمال انهيارها وأعادت ما رأته منذ حضورهم لهذا المنزل.............بعد مرور نصف ساعة ومع بداية ظهور النور فى السماء سمع الجميع صوت "ندى" تصرخ بأسمائهم جميعا فخرجوا مهرولين اليها، وجدوها تقف أمام الباب فى الدور الثالث وهى فى قمة السعادة وللمفاجأة كان مفتوحًا، صاح "مصطفى" : - أنتِ إيه اللى عملتيه ده إزاى فتحتى الباب ده؟فتجاهلت ندى صيحاته وقالت مبهوتة : - تعالوا شوفوا اللى جدوا مخبيه عننا معقول فيه كده فى الدنيا !!صعد الجميع إليها ووقفوا مبهورين من هذا التصميم والابتكار، فقد كان الطابق مغلقا تماما وليس به أى منفذ إلا الباب الواقفين بجواره، وكانت هناك عصافير بألوان براقة ولامعة تطير باستمرار بمقربة من السقف فقط، وكل عصفور لا يوجد به ريشتين من نفس اللون، فتدرجت الألوان على كل العصافير بدرجاتها المختلفة فى شكل مبدع مهيب، والعجيب عدم وجود أشجار فى المكان كله ولم تطير أى عصفورة مبتعدة عن هذا السرب وهذا النظام المتكامل فى أعلى الغرفة، أما الأرض فكانت قطعة واحدة من السجاد، ولكن الغريب أنها منسوجة من الأوراق المختلفة مثل أوراق البسكويت والشيبسى وأغلفة الكتب والكشاكيل.وتزين الحوائط بصور لكل أشكال المخلوقات على وجه الأرض من حيوانات وطيور وأشجار وأنهار ومنازل وجبال وبعض الصور لبعض البشر بجنسيات مختلفة.تتراص هذه الأشكال بإحكام ونظام والمكان مضاء بإنارة ليس لها مصدر، تأتى من تحت هذه الأرضية لتنير المكان بوضوح.وعلى أحد الجوانب يوجد شكل شلال يتدفق منه الماء ولكنها لم تكن إلا رسم ولكن من يراها يظن أنها حقيقية.بدأ الجميع فى الدخول إلى هذه الجنة الكامنة على الأرض مبهورين ومسحورين من هذا الجمال الفريد حتى أصبحوا فى منتصف الغرفة تقريبا، أخرجهم من سحرهم صوت "ندى" : - ماما بصى دى صورة اللعبة بتاعتى.ومالت "ندى" بيدها لترفع الصورة ولكن اكتشفت أن الصوره مثبتة جيدا فى الأرض كباقى الأوراق والصور، فجذبتها بشدة لتجذبهم الأرض جميعا إلى باطنها، ثم يتصاعد بعدها بعض الأتربة والبخار عند عودة الأرض إلى هيئتها الأولى قبل ابتلاعهم..............عاد المكان كما هو لا يوجد فيه أثرا للبشر، أُغلق الباب بإحكام وعاد القفل إلى موضعه الأصلى، ليظل المنزل هادئا لاستقبال الساكن الجديد .؛؛انتهت.. بحمد الله؛؛