قضايا التحكيم الدولى.. مصيدة استنزاف موارد مصر

السبت 17 نوفمبر 2018 | 09:55 مساءً
كتب : مصطفى عبد الفتاح - عمار حلمي

القبانى: القصور تمثل فى صياغة العقود وشروطها ما كبدنا الملايين

مصطفى: عمولات المسئولين جعلتهم يصيغون بنودا مجحفة بحق الدولة.. والاستعانة بأهل الخبرة هو الحل

بدراوى: يجب أن ترتبط بالقوانين الدولية.. والمتخصصون وتجنيب السياسة يوقفان الخسائر

 

يعتبر ملف قضايا التحكيم الدولى أحد الملفات المهمة التى تسببت خلال السنوات الماضية فى استنزاف مصر ماديًا بخسارتها لقضايا كثيرة، حيث تكبدت خلال 10 سنوات فقط 76 مليار دولار؛ وهو ما يعنى أننا نخسر سنويا بسبب التحكيم 7.6 مليار دولار، سددتها خزانة الدولة كتعويضات لدول أجنبية.

 

وكشفت التقارير عن أن إسرائيل أخذت نصيب الأسد من هذه التعويضات تضمنت 13 مليار دولار عن نحو 4 قضايا.

 

«فينوسا» الأخيرة

آخر هذه القضايا كان فى سبتمبر الماضى عندما ألزمت هيئة تحكيم تابعة للبنك الدولى، مصر، بدفع مليارى دولار قيمة تسوية نزاع على تصدير الغاز الطبيعى إلى شركة يونيون فينوسا الإسبانية التى رفعت القضية ضد الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس)، وذلك بسبب توقف إمدادات الغاز الطبيعى لمصنع الإسالة بدمياط الذى تمتلكه الشركة لمدة عامين.

 

وأرجعت هيئة التحكيم السبب فى ذلك؛ إلى أن مصر أخفقت فى تقديم معاملة عادلة ومنصفة لشركة يونيون فينوسا، فضلًا عن مخالفتها الاتفاقية الثنائية لحماية الاستثمار بين مصر وإسبانيا، حيث خفضت الهيئة قيمة التعويض من 8 مليارات دولار الذى طلبته الشركة الإسبانية من الحكومة المصرية إلى مليارى دولار فقط.

19 دعوى منذ ثورة يناير

بلغ عدد الدعاوى القضائية المرفوعة ضد مصر أمام المركز الدولى لتسوية منازعات الاستثمار التابع للبنك الدولى،  حوالى 30 قضية، منها 19 قضية فقط خلال الـ 5 أعوام التى تلت ثورة يناير 2011.

 

والأزمة الكبرى التى تسببت فيها قضايا التحكيم أن حكمها ملزم وغير قابل للطعن، وفى حالة عدم السداد تتعرض أصول مادية وأموال مصرية فى الخارج إلى السيطرة عليها من قبل الدائنين، فضلا عن أن كثرة الخضوع لقضايا التحكيم؛ يتسبب فى الإساءة إلى الاقتصاد المصرى بشكل كبير، الأمر الذى يؤثر سلبًا على ما يصل إلى مصر من مستثمرين جدد، حيث يفضل غالبيتهم البعد عن البيئات التى بها الكثير من المشكلات، بالإضافة إلى التأثير السلبى على التصنيف الائتمانى للبلاد.

 

برلمانيون واقتصاديون أكدوا أن السبب الرئيسى فى خسارة مصر للكثير من قضايا التحكيم؛ هو الفساد المستشرى فى صياغة العقود، فضلًا عن صياغتها طبقًا للقانون المصرى الذى يختلف كثيرًا عن القانون الدولى الدائم التغيير، حيث أجمعوا على أن مصر مليئة بخبرات كثيرة، لكن للأسف يتم الاعتماد على أهل الثقة وليس أهل الخبرة.  

 

قصور فى الصياغة

أسامة القبانى، خبير التحكيم الدولى، قال إن التحكيم الدولى ظهر فى مصر خلال فترة الانفتاح الاقتصادى وبداية دخول المستثمرين إليها، وبالتالى كانت هناك عقود تبرم للحفاظ على حق الجميع والتى تضمنت اللجوء إلى التحكيم فى حالة الخلاف، مشيرًا إلى أن  قضايا التحكيم الدولى التى خسرتها مصر، تركزت فقط فى الـ 15 سنة الماضية.

 

وأضاف خبير التحكيم الدولى أن القصور كان فى كيفية صياغة العقود وشروط التحكيم التى تضمنتها، فعند حدوث الخلاف تكون النتيجة خسارة كبيرة لنا، موضحًا أن العقود التى يتم إبرامها بين مؤسسات الدولة وجهات أخرى تكون فى الأساس خاضعة إلى معايير الوزارة التى تقوم بالتعاقد، وعند حدوث نزاع يلجأ الفريقان إلى مكاتب التحكيم فتكون النتيجة أن الخسارة تقع على مؤسسات وليس أفرادا.

 

وضرب القبانى المثل بقضية شركة سياج للاستثمارات السياحية التى كانت متعلقة بأرض مصرية فى طابا حاول مالكها أن يبيعها لأجانب فكانت النتيجة أن الدولة تدخلت لاعتبارات الأمن القومى، والتى أنهى مركز التحكيم الدولى التابع للبنك الدولى "أكسيد" فى واشنطن الحكم فيها بتغريم مصر 74 مليون دولار، بالإضافة إلى 60 مليون دولار أخرى كمصاريف، ليصل المجموع الكلى إلى 134 مليون دولار، مرجعًا السبب الرئيسى فى هذه الخسارة إلى قصور مؤسسات الدولة بشكل كبير.

 

وأشار إلى أن التحكيم شىء رضائى ويجب ألا تتضمن العقود المبرمة شروطا للتحكيم فى حالة الخلاف، موضحًا أن المتعاقدين يلجأون دائمًا إلى مكاتب تحكيم يكون لها باع طويل فى هذه العمليات للحفاظ على الحقوق، ضاربًا المثل بدولة الإمارات التى تمتلك استثمارات ضخمة فى دول عدة بسبب لجوئها إلى شرط التحكيم؛ الأمر الذى يحفظ حقها فى النهاية.

 

الثقة مقابل الخبرة

 أما المحامى والخبير القانونى سعد مصطفى، فقال إن السبب الرئيسى فى خسارة مصر للكثير من قضايا التحكيم الدولى هو الفساد الذى يحدث عند تحرير العقود، متهمًا الكثير من المسئولين الذين حرروا عددًا من العقود لقضايا خسرتها مصر بأنهم يصيغونها بطريقة تمكنهم من السرقة دون النظر إلى مصلحة الوطن.

 

وأضاف الخبير القانونى أن العمولات التى يتقاضاها هؤلاء المسئولون تجعلهم يصيغون بنودا بالعقود مجحفة بحق مصر، وكذلك عدم الاستعانة بأهل الخبرة فى هذا الموضوعات واللجوء لأهل الثقة، مؤكدًا أن الفساد سبب كل بلاء يعانى منه الوطن حاليًا.

 

وتابع مصطفى أن اللجوء إلى مكاتب خاصة لصياغة هذه العقود؛ لن يمكن الفسدة من سرقة الأموال التى يتقاضونها من الخارج، لأن المكاتب الخاصة ستقوم بعملها على أكمل وجه ولن تراعى إلا الحق، فمصر تمتلك عمالقة فى القانون، مستشهدًا بنجاح الفريق المصرى الذى تولى الدفاع عن مصرية طابا فى كسب القضية أثناء تحكيمها أمام إسرائيل رغم أنها قضية صعبة جدًا، والسر فى ذلك أن مصر وقتها استعانة بالكفاءات، لكن للأسف من يتصدر المشهد حاليًا هم السفهاء فقط.

 

الصياغة وفقا للقوانين المصرية

النائب محمد بدراوى، عضو لجنة الشئون الاقتصادية بمجلس النواب، قال إن هناك 3 نقاط تعتبر أسبابا لخسارة مصر للكثير من قضايا التحكيم، "الأولى منها" أن هناك فسادًا كبيرا يحدث أثناء صياغة العقود التجارية بين مصر والمستثمرين، مشيرًا إلى أن أى اشتراطات فى العقود غير مناسبة أو سليمة؛ تؤدى إلى الخسارة مع مرور الوقت.

 

وأضاف بدراوى أن النقطة "الثانية" تتضمن الظروف الاقتصادية التى تعرضت لها مصر منذ ثورة يناير والتى نتج عنها تغير المناخ السياسى والإقليمى، أما العامل "الثالث" فيتضمن مدى ملائمة القوانين المصرية للقوانين الدولية، موضحًا أن اتفاقيات التحكيم تخضع للمحاكم الدولية، فى حين أن العقود تتم صياغتها طبقًا للقوانين المصرية، وهنا تثار نقطة مدى ارتباط مصر فى تشريعاتها بالقوانين الدولية.

 

وتابع عضو لجنة الشئون الاقتصادية أن هناك معايير كثيرة تختلف فى مصر عنها فى العالم مثل التجارة الحرة والتبادل المعرفى والكثير من التشريعات الأخرى، لافتا إلى أن السؤال الذى يجب أن يوجه للحكومة "لماذا لا نلجأ إلى متخصصين فى صياغة العقود بشكل دولى؛ بحيث نتجنب أى خسارة واردة فى المستقبل".

 

وواصل النائب حديثه، أنه فى الكثير من الأحيان تتدخل السياسة فى الاتفاقيات؛ فتؤدى فى النهاية إلى عدم مطابقة المعايير، وبالتالى مع التغير السياسى؛ تكون الاتفاقيات غير ملائمة وظالمة لنا، فنرفضها، وتكون النتيجة النهائية أننا نلجأ إلى التحكيم، ودائمًا ما نطالب مبرمو الاتفاقيات بألا ينظروا على السياسة الراهنة وإنما يجب عليهم أن ينظروا إلى 50 سنة قادمة.

 

واختتم بأنه إذا عملنا بالجانب الفنى فى الاتفاقيات؛ فدائمًا ما نصل إلى نتيجة عادلة، أما إذا لجأنا إلى الجانب السياسى وأصبح هو الحاكم فيها وما يصاحبه من تسهيلات؛ فتكون النتيجة أنه مع تغير الجانب السياسى يأتى شخص جديد ويغير ما كان فنتعرض للتحكيم.

اقرأ أيضا