«من خاف سلم».. أيقونة يحيا بها الجبناء.. الخوف على الحياة والسلطة والمستقبل

السبت 26 نوفمبر 2016 | 09:59 مساءً
كتب : حسام محمد_ هدير المصري_ حسن سمير

"من خاف سلم"، هذه الكلمة تجد الجميع يرددها فى أى موقف ظلم أو قهر يتعرض له شخصيا أو يشاهده فى الشارع، فالخوف ترعرع فى نفوسنا جميعا، خوف من الظلم وانتهاك الحقوق، خوف من الجبروت والظلم، خوف من شدة التعدى والانتهاك، فالجميع بلا شك أصبح الخوف يساورهم فى كل مواقفهم الحياتية، وخاصة خوف الإنسان على مستقبله، برغم أنه لا يعلم أى شىء عن هذا المستقبل المجهول. هنا فى بيتنا، يوجد خوف شديد، سواء من رجال الشرطة أو من المواطن العادى، دون استثناء الخوف طبيعة بشرية لا تمنعها منصب أو سلطة أو نفوذ أو سلطان، فالكل يخاف بداية من الخوف على نفسه وحياته إلى الخوف على كرسيه ومنصبه وسلطانه، والخوف على "البدلة" البيضاء التى يرتديها وعلى هيبته التى يمكن أن تسقط عنه، إذا ما حاول دفع الظلم عن نفسه أو عن غيره. البدلة البيضاء المسئولة عن دفع الشرور عن أبناء وطنها، أحيانا ما يدفع بعض مرتديها الخوف من احتمال تأخر ترقية، إلى التنكيل بمواطن تحت شعار الحسم الشرطى فى استعجال نتائج التحقيقات، وأحيانا ما يرضى المواطن بذلك تحت وطأة الخوف من نفوذ وسلطان صاحبها، فضلا عن اليأس من الدخول فى معركة حقوقية ضد أحد رجال الشرطة. وزارة الداخلية، وبدافع الخوف والحرص على مستقبل الوطن وضمان استقرار المجتمع وأمنه، تقدم سنويا عشرات الشهداء من أبنائها ضباط وأفراد الشرطة، وذلك أثناء أدائهم للواجب الوظيفى فى حماية المواطن وتحقيق الأمن والاستقرار فى الشارع المصرى، ولكن شهدنا الخوف لديهم فى كثير من الوقائع، الخوف الذى جعلهم يفرون فى وجه غليان الشارع وغضب الجموع، عقب جمعة الغضب فى ثورة 25 يناير، وإن كان البعض يرى أن ذلك كان جزءا من خطة استرداد الوطن والهوية من جماعة الإخوان الإرهابية، والتى تم تنفيذها فى 30 يونيو 2013. منظر لن ينساه الجميع، لحظة خوف انتابت أجهزة رجال الداخلية وأفرادها، تراجع ببطء عن الأماكن المحددة لهم لحمايتها، جموع من المواطنين تزحف عليهم حتى هربوا جميعا، كان ميدان التحرير مكتظاً عن آخره برجال الشرطة والقوات الخاصة من ذوى الرتب العالية، يملأون الميدان بكثافة، دقائق قليلة وتوافد المتظاهرون على المناطق المتفق عليها للتجمع فى القاهرة الكبرى، من جميع المناطق بداية من المنيرة وكوبرى الجامعة ومجرى العيون وتحركت إلى شارع قصر العينى، وبدأت المظاهرات فى شبرا فى نفس التوقيت، وتجمع عدة مئات فى شارع جامعة الدول العربية، على الرغم من محاصرتهم من قبل قوات الأمن، بدأت الشرارة الأولى تنتفض فى قلب الميدان الذى صار محاطا بكتل غير عادية من جنود الأمن المركزى، يحيطون بالميدان من جوانبه، والمتظاهرون الذين تجاوز عددهم عشرات الآلاف فى جميع أطراف الميدان، واستأسدت قوات الأمن عند ميدان عبد المنعم رياض، وفى لحظة فارقة ركض المتظاهرون جميعاً بكل قوة فى اتجاه قوات الأمن، فانكسر الكردون الأمنى بقوة تحت تأثير اندفاع المتظاهرين، تصاعد الموقف وواجه رجال الأمن المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع فى محاولة لمنعهم من الوصول إلى ميدان التحرير والميادين الكبرى فى مصر، ولكن بدأ الخوف يتسلل إلى قلوبهم، ففى القاهرة كان ميدان التحرير محور الأحداث، يليه مناطق: شبرا (التى أعلنت قوات الشرطة فيها فى مغرب اليوم استسلامها وألقت سلاحها أرضاً بعد مقاومة ضارية مع أهالى هذه المنطقة العريقة واضطرت للهروب) ومنطقة مدينة نصر (التى أيضا شهدت انسحابا سريعا للشرطة التى لم تقدر على المقاومة) ومناطق أخرى متعددة. وفى السويس كانت منطقة الأربعين محور الحدث، وفى الإسكندرية كان مسجد القائد إبراهيم هو أساس التظاهرات التى ملأت شارع الجيش (كورنيش الإسكندرية) بطوله وعرضه فى منظر مهيب، وفى حدود السادسة مغرب اليوم تقريباً شهدت مصر اختفاء مفاجئا بشكل مريب لكافة قوات الشرطة من كافة أنحاء مصر، فى واقعة تم تفسيرها فيما بعد أنها كانت بفعل مؤامرة حمساوية إخوانية شارك فيها حزب الله اللبنانى واستهدفت السجون المصرية، وخاصة تلك التى كان يوجد بها كبار الإخوان، من أمثال خيرت الشاطر ومحمد مرسى.شهادة اللواء أحمد رمزى مساعد وزير الداخلية الأسبق لقطاع الأمن المركزى، عن تلك اللحظة، شهادة توحى بأن الخوف كان وراء اختفاء الداخلية، ومرد هذا الخوف أنهم كانوا غير مسلحين بأى أسلحة أمام حجارة المتظاهرين، وهذا يحسب لهم وفيه دليل على أنهم كانوا حريصين على سلامة المتظاهرين، حيث قال "رمزى"، فى شهادته أمام المحكمة فى القضية المعروفة إعلاميا بمحاكمة القرن إنه يوم 25 يناير تجمع المتظاهرون فى ميدان التحرير واستمرت الهتافات بسقوط وزير الداخلية ومطالب غيرها، ولم يكن مع الجنود أى وسيلة حماية وكان الشباب يلقون الحجارة، وفى المواجهة الأولى بين المتظاهرين وقوات الأمن أصيب 37 مجندا، وحينها أمر وزير الداخلية حبيب العادلى، بإخلاء الميدان، وكنت أخشى من رد فعل صغار الضابط لأنهم قالوا إن ذلك هو سبب كسر وهزيمة الأمن المركزى، وكان التنبيه على ترك الأسلحة فى أماكن إقامتها، مشيرا إلى أنه يوجد 320 تشكيلا و 23 مجموعة، وكان يعقد اجتماعات للمديرين العموم وكان يتابعهم شخصيا.وفى كلمات تكشف علاقة الخوف باختفاء رجال الداخلية على وقع جمعة الغضب، قال "رمزى" فى شهادته عن قصة هروب الداخلية من الميدان،" إنه يوم 28 يناير سقطت قوات الأمن المركزى بالكامل وانتهت وهربوا من الموت، وتم الهجوم على العديد من القطاعات مثل قطاع البساتين وتم الاستيلاء على ما فيها من أسلحة ثقيلة، كما هوجمت الأقسام وهوجم 22 معسكرا، إلا أن القوات المسلحة استلمتها، وكانت الاستغاثة من كل المواقع بإرسال الغاز وخلع الجنود لملابسها".لجنة تقصى الحقائق أثبتت فى شهادتها عن جمعة الغضب أن كسر المتظاهرين لحاجز الخوف، وعدم اكتراثهم بما يمكن أن يحدث لهم، كان أحد أسباب اختفاء رجال الداخلية، حيث قالت اللجنة: يوم الجمعة 28 يناير 2011، كان يوماً فارقاً فى تاريخ مصر بعد أن احتشد المتظاهرون فى إصرار على تغيير النظام، قابله عنف غير مسبوق من الشرطة، فسقط المئات من الشهداء، وأصيب الآلاف فى جميع الأنحاء، وانسحبت الشرطة عصر ذلك اليوم أمام الإصرار الشعبى، ونزلت القوات المسلحة إلى الشارع، وفرضت حظر التجول بعد أن تمت عمليات حرق ونهب و تخريب للممتلكات العامة والخاصة".الخوف من العذاب النفسىوفى بعض الأحيان يكون الخوف هو الحل الوحيد للنجاة بالحياة، "هاعمل أى شىء علشان ارتاح"، هذا خوف من نوع آخر، خوف من كثرة الألم والتعذيب، خوف من أجل الانتهاك الجسدى، خوف من أجل غمضة عين لدقائق قليلة، تجعل أى متهم محتجز فى السجون أو أى زنزانة داخل قسم يعترف بكل ما يريدون دون تفكير فى لحظة لما سيؤول إليه حاله."آخد حكم بالمؤبد وأعيش فى السجن مرتاح بدل الذل والمهانة"، بتلك الكلمات بدأ أحد الأشخاص كلامه، قائلا: "بعد احتجازى لعدة أشهر فى أحد المقرات الأمنية وفى آخر أيامنا وفد إلينا فى الزنزانة مسجونان جديدان، كان واضح عليهما التعب والإنهاك، ذلك الشعور الذى تشعر به عندما لا تنام فترة كبيرة "ونفسك تلاقى مكان تترمى فيه وتنام لحد آخر العمر"، واستقبلناهما فى الزنزانة وإديناهم مكان كويس، وحكوا لنا حكايات مرعبة عن تعرضهم للتعذيب، وإيداعهم فى زنانة ضيقة مع 100 متهم، وموت الكثير منهم بسبب الازدحام الشديد وانعدام الأدوية، واعترافهم بجرائم لم يرتكبوها تحت وطأة تلك الظروف والمآسى". سألناهما لماذا اعترفتما بشىء لم ترتكباه، فكان ردهما: اعترفنا بسبب الخوف والهلع، فالظروف القاسية جعلت لدينا استعدادا للاعتراف بأى شىء للنجاة بحياتنا من الموت، وللخروج من المقبرة التى كنا فيها، وكانوا يسمونها "زنزانة". الجميع منا يخاف على نفسه أن يصيبه مكروه إذا تدخل لنصرة أحد، بل قد يصل الأمر إلى الخوف من نصرة نفسه أو أخيه أو أحد أقاربه، حيث انتشرت خلال الفترة الأخيرة وقائع وأفعال يشاهدها الجميع ولكنهم يقفون مكتوفى الأيدى، بسبب الخوف الذى يتسلل إلى قلوبهم، بالتزامن مع عبارة تثور فى عقولهم "خلينى فى حالى أحسن".وفى مشهد يعكس الخوف وتأثيره على مواقف المواطنين، وتخاذلهم عن نصرة المظلوم، شهدت محطة مترو دار السلام ذات يوم أمين شرطة ومعه بعض الأفراد يضربون مواطنا بالأيدى والأقدام، وسط صمت كل الموجودين بالمحطة، وبرغم أن حفلة الضرب والإهانة من أمام رصيف المترو وحتى نقطة شرطة المحطة، وقيام أحد الأفراد بتكتيف وشل حركة الضحية حتى لا يقاوم أو يتصدى لضربات أمين الشرطة، وقد أظهر فيديو مدته 3 دقائق تفاصيل ذلك المشهد بالكامل.الخوف من السلاحالخوف من السلاح، والتهور فى استخدامه بدافع الخوف، قد يؤديان لكارثة وسقوط ضحايا، وعندما يكون السلاح «ميرى» قد يؤدى لكارثة أكبر، لأن من يستخدمه مع المواطنين من المفترض أن يحقق لهم الأمان به ضد الخارجين على القانون وليس توجيهه فى وجه البسطاء من أبناء الوطن، ففى كفر شكر بالقليوبية تدخل أمين شرطة لنصرة أحد أقاربه أثناء تشاجره مع سائق فقتله بسلاحه الميرى بسبب مشاجرة نشبت بين سائق سوزوكى وبين سائق آخر لتوك توك بسبب أولوية المرور فى الشارع، فتدخل أمين الشرطة لفض المشاجرة وأخرج سلاحه الميرى وأطلق طلقتين فى الهواء أصابت إحداها الأول ولقى مصرعه فى الحال. الخوف من ثورة زوج سكير أو مسطول، معتاد على ضرب زوجته وأطفاله، أحيانا ما يكون دافعا لارتكاب الزوجة جريمة قتل، حيث قالت "حنان.ع.ح" خلال تحقيقات النيابة معها "أنا كنت بدافع عن نفسى ومش ندمانة إنى قتلته"، مضيفة أنها قضت 5 سنوات برفقة زوجها الذى قتلته وتحملت منه معاناة تعاطيه المواد المخدرة وعدم الإنفاق عليها وعلى طفلها الرضيع، والاعتداء عليها بالضرب والسب طوال الوقت حتى جاءتها الفرصة للتخلص من عذاب حياتها، وأثناء قيامه بضربها بظهر سكين استغلت ضعف جسده وقاومته وسحبت منه السكين وقامت بطعنه فى الصدر طعنة نافذة أودت بحياته على الفور.

اقرأ أيضا