بلدنا اليوم.... ضد التنمر

الخميس 11 أكتوبر 2018 | 09:28 مساءً
كتب : د/ محسن الفحام

توجهت منذ عدة أيام إلى مدرسة حفيدى الذى أعلن عن رفضه الذهاب إليها بعد أقل من أسبوع واحد من بدء الدراسة فى مرحلة الحضانة دون أن نعرف سبباً لذلك رغم أننا نجحنا فى إلحاقه بها بعد عناء وأيضاً برغم ارتفاع قيمة المصروفات المطلوبة، وهناك اكتشفت أن بعض الأطفال فى تلك المدرسة يعتدون بالضرب أو بالتهكم على زملائهم برغم صغر سنهم مثلهم ولكنهم أكبر منهم فى الجسم "وهو ما يسمى بالتنمر"، والغريب أن المدرسات الموجودات لم يلاحظن ذلك، أو لاحظن ولم يهتمن بمعالجة الأمر برغم تكرار شكوى العديد من أولياء الأمور، وقد تصادف أن يكون لى لقاء تليفزيونى فى نفس اليوم للحديث فى أحد الموضوعات المثارة على الساحة إلا أننى طلبت أن نثير هذا الموضوع الذى يمس أعدادًا كبيرة من الأطفال والطلبة بل والعاملين فى القطاعات المختلفة، والطريف أننى وجدت السيدة المذيعة تشكو أيضاً من ذات الموضوع مع ابنها، كما وجدت أيضاً هناك حملة بعنوان "أنا ضد التنمر" قد انطلقت فى مصر منذ بضعة أشهر فى سياق مشروع التوسع فى الحصول على التعليم وحماية الأطفال المعرضين للخطر فى مصر تحت رعاية المجلس القومى للمرأة والاتحاد الأوروبى.

وفى هذا الإطار فقد تم تلقى 30 ألف مكالمة خلال شهر واحد على الخط الساخن الخاص بالشكوى من التنمر، بالإضافة إلى 20 ألف أسرة أبلغت عن تعرض أولادهم للتنمر عبر مواقع التواصل الاجتماعى، كما قامت هناك العديد من حملات التوعية من تلك الظاهرة شملت المرور على 3500 مدرسة على مستوى الجمهورية لتوعية المدرسين على مواجهة تلك الظاهرة وأساليب التعامل معها.

والتنمر هو نمط من أنماط العنف النفسى والمعنوى الذي يرسل رسالة سلبية لأطفالنا ويحدث مشكلات نفسية أو جسدية، حيث يقوم الطفل المتنمر بتصرفات عدائية كالضرب أو الإهانة والسخرية من الشكل أو التصرفات أو عزل شخص ما بقصد الإيذاء أو حتى عن طريق التهديد برسائل الإنترنت، حيث يكون ميزان القوى بطبيعة الحال غير متوازن مما يترتب عليه تحول المتنمر به إلى شخص مكتئب أو عدوانى أو انهزامى يتهرب من الدراسة أو العمل لشعوره بالمهانة واحتقار الذات.

والخطورة هنا تكمن فى أن الأسرة قد تكون غافلة عن هذه السلوكيات مع اللهاث اليومى وراء لقمة العيش أو قناعتهم أنها مجرد تصرفات أطفال، وأنها بمرور الوقت سوف تتلاشى وهنا تكمن الخطورة، حيث تكثر الحوادث ويكون تأثير العنف على أطفالهم كبيراً يؤثر على حاضره ويدمر مستقبله.

وفى دراسة حديثة لمنظمة اليونسيف أقرت فى أحدث تقرير لها عام 2017 عن الأطفال والعنف فى المدارس أن واحداً من كل ثلاثة طلاب من عمر 13-15 سنة يعانون من تنمر الأقران، وكل 3 طلبة من أصل 10 ينمرون على زملائهم، ولا شك أن الحد من التنمر فى الصغر سواء بالنسبة للمعتدين أو المعتدى عليهم سوف يقلل عند الكبر وجود أعداد كبيرة من منحرفى السلوك ومنتهكى سلوكيات وقيم المجتمع السائدة، وهؤلاء دون شك يمثلون الكتلة السلبية التى يمكن تصنيفها بأنها معادل الهدم لتنمية وتحضر أى مجتمع.

ينسحب كل ما ذكرناه أيضاً على دور الأمهات تحديداً مع أبنائها وذلك عندما تتحكم فى كل صغيرة وكبيرة فى حياتهم والتى تميل إلى الصرامة فى تربيتهم مما يجعلها أحياناً، ودون أن تشعر بالتقليل من شأن هؤلاء الأبناء وقدرتهم على التصرف بمفردهم أو اتخاذ القرارات الصائبة أو حتى مجرد الاختيار، بل قد تلجأ أحياناً إلى تحفيزهم على أن يكونوا أفضل من زملائهم فى المدرسة بأى شكل من الأشكال، الأمر الذى يجعلهم عدوانين تجاه هؤلاء الزملاء.

إذن فالقضية المثارة لا تتعلق بالطفل وحده بل بالمدرسة والمدرسين والبيت والأمهات فهى قضية مجتمعية يجب التعامل معها بكل جدية واهتمام، وأن نتكاتف جميعاً للقضاء على هذه الظاهرة أو الحد منها من خلال عدة محاور لعل أهمها تلك الدورات التوعوية لأعضاء هيئة التدريس فى مراحل التعليم الأولى للتعامل مع الأطفال والطلبة سواء المتنمر أو المتنمر به.

كذلك التوعية الإعلامية المستمرة للأمهات والآباء لتشجيع الطفل على المصارحة لما يحدث معه خلال يومه الدراسى والعمل على زيادة ثقته فى نفسه وتقديره لذاته، وتقويم السلوك العدوانى الذى قد يظهر على البعض منهم فى مهده خاصة وأن التنمر صفة وليس طبعاً أصيلاً وبالتالى يمكن تغييره إذا ما عرفنا الدوافع المسببة له.

الوطن فى حاجة إلى أطفال وشباب أسوياء فى أجسادهم.

وثقافتهم وسلوكياتهم ليحملوا مشاعل النور والتطور والنهضة لتحقيق مستقبل أفضل له بإذن الله.

ومن هذا المنطلق فسوف تقوم جريدتنا الغراء "بلدنا اليوم" بالتنسيق مع المجلس القومى للأمومة والطفولة والجهات المعنية بحملة كبيرة بهدف التصدى لهذه الظاهرة حتى يتحقق الهدف المنشود.

وتحيا مصر.