دعوة لاعتقال «البشير» وعودة «السودان» للحكم المصري

الجمعة 27 نوفمبر 2015 | 08:04 مساءً
كتب : محمد ربيع ومنار عثمان

تقدمت دولة «السودان» بشكوى رسمية ضد مصر في مجلس الأمن، بسبب إجراء الانتخابات البرلمانية في حلايب وشلاتين - التابعة بالأصل لمصر -، وقال إبراهيم غندور وزير الخارجية السوداني، إن الخرطوم وثَّقّت انتخابات مجلس النواب المصري التى عقدت مؤخرًا بمنطقة حلايب وشلاتين، وتم إرسالها إلى مجلس الأمن الدولي، لافتًا إلى أن للسودان شكوى قديمة في مجلس الأمن يجددها كل عام، معتبرين تبعيتها للخرطوم.إلا أن الرد المصري، جاء سياسيًا بدرجة كبيرة، حيث قال المستشار أحمد أبو زيد، المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، في تصريحات صحفية، «إن الموضوع بسيط ولاتوجد فيه مشكلة مضيفًا أن هناك إجراءات دورية يتم تناول هذا البند فيها ولا يوجد أى جديد ويتم إثارة الموضوع إجرائيا منذ سنوات طويلة، وأنه لا توجد أزمات حقيقية بين الدولتين، لطبيعية العلاقات التى تجمعهما فالسودان كانت خاضعة بالأصل إلى الدولة المصرية».يرى خبراء في العلاقات الدولية أن تصريحات البشير المتكررة تستوجب ردًا حاسمًا من الحكومة المصرية، لأن اتفاقية قسطنطينة عام 1898 رسمت الحدود، وحددت حدود مصر فوق خط عرض 22 وما أسفل ذلك السودان، والحدود طبقا لترسيم الحدود العالمية تضم حلايب، وحديث رئيس عن اللجوء للتحكيم الدولى سيكون أمرًا مستبعدًا فالدولة لن تسمح بمساس أي شبر من الأراضي المصرية، وسيكون ردها العسكري حاسم.كما أن عمر البشير، الرئيس الحالي للسودان، صدرت شهادة ميلاده من الدولة المصرية، أي أنه يحمل شهادة ميلاد مصرية، وعليه يحق للدولة المصرية اعتقاله في أي لحظة، وتقديمه للمحكمة الجنائية الدولية، التي أدرجته على قوائم المطلوبين، بسبب ارتكابه جرائم حرب في دارفور، خلّفت 2 مليون مُشرّد، و300 ألف قتيل.أحداث التاريخ سجلت ذلك ففي عام 1992، حينما ظهرت وجود آبار للبترول بحلايب، وتعاقدت حكومة الخرطوم مع شركة كندية للتنقيب عنها تدخل الرئيس المخلوع حسني مبارك، وأرسل الجيش المصرى وأعادها لمصر، في معركة أظهر فيها القبضة الحديدية للسودان، وشنت القوات السملحة المصرية وقتها 39غارة جوية على الحدود السودانية.وأرسلت السودان بعدها في يوليو 1994 مذكرة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظمة الاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، تشتكي الحكومة المصرية، بتسعة وثلاثين غارة شنتها القوات الجوية في الحدود السودانية.رفض الرئيس المصري حسنى مبارك في 1995، مشاركة الحكومة المصرية في مفاوضات وزراء خارجية منظمة الاتحاد الإفريقي في إديس أبابا لحل النزاع الحدودي، معتبرًا أنه لا تفاوض على الحق وأن الحق لايؤخذ إلا بالقوة.ويرجع ترسيم الحدود بين مصر والسودان لإتفاقية الحكم الثنائي، بين مصر وبريطانيا عام 1899، ضمت المناطق من دائرة عرض 22 شمالًا لمصر، وعليها يقع مثلث حلايب داخل الحدود السياسية المصرية، وبعد ثلاثة أعوام في 1902 عاد الاحتلال البريطاني الذي كان يحكم البلدين آنذاك بجعل مثلث حلايب تابع للإدارة السودانية، لأن المثلث أقرب للخرطوم منه للقاهرة.وأقيمت الانتخابات البرلمانية المصرية عام 2011 في نوفمبر وشملت مثلث حلايب ونقلت صناديق الانتخاب إلى الغردقة بطائرة مروحية عسكرية مصرية لفرز الأصوات هناك، في تأكيد صريح على السيادة المصرية، ومن وقتها وتعتبر دائرة داخل البرلمان المصري.وفي زيارة لرئيس الأركان المصري وقتها الفريق صدقي صبحي، ووزير الدفاع حاليا، للسودان 2013 أوصل رسالة شديدة اللهجة وأشار فيها لإمكانية تجديد الضربات المصري لو استدعى الأمر ذلك.تصريحات البشير الأخيرة المطالبة بعودة حلايب لسيادة الخرطوم، تعتبر مخالفة للوثائق التاريخية، فسجلات التاريخ أثبت أن الحدود المصرية امتدت في عهد محمد على باشا إلى منابع النيل، وكانت السودان ضمن الأراضي المصرية، منذ عام 1822.الدكتور مصطفي معوض، أستاذ التاريخ، بجامعة عين شمس، يعلق على الأزمة بقوله إن الرئيس السوداني «عمر البشير» دفعته الدول الأوروبية للمطالبة بهذه الحقوق وتشجيعه علي ذلك، والحقيقة أنها لا تُعتبر من حقه.وأضاف «معوض» في تصريحات خاصة لـ «بلدنا اليوم»، أن البشير ترك جنوب السودان بسهولة، دون أن يفعل شيء، قائلًا "ده استعباط، كان أولى أن يدافع عن دافور».ضغوط دولية لإفشال القيادة المصرية، صرح بذلك الدكتور مختار الكسباني، الخبير السياسي، أن الكثير من قادة الرأي بالسودان، ينتمون لتنظيم الإخوان الإرهابي ومن بينهم «عمر البشير»، و«حسن الترابي» زعيم سياسي وإرهابي معروف، وكثير من القيادات السودانية ينتمون لهذا التنظيم، قائلًا "القيادات الإرهابية هي التي فككت السودان نفسها».أكد «الكسباني» أنه ليس هناك أي وثائق دولية، تفيد بأن هناك حقوق للسودانين في الأراضي المصرية، مضيفًا أن «الخرطوم» كانت تابعة بالأصل للدولة المصرية، وكانت سيادة الدولة المصرية تمتد إلى منابع النيل. وتابع، هناك أدلة كثيرة على ذلك، فكتل «الجرانيت» التي تعترض مجري «النيل» عليها رسوم فرعونية، ولافتا إلى أن الإخوان كانوا يسعون لذلك، وهو صرح به مساعد الرئيس السوداني «موسى محمد أحمد» أن الرئيس المخلوع محمد مرسي، وعد البشير بإعادة مثلث حلايب إلى وضع ما قبل 1995.وأوضح «الكسباني» أنه من الممكن التراجع عن قرار جمال عبد الناصر باستقلال السودان عن مصر وإلغائه نهائيًا، وتصبح مصر والسودان دولة واحدة، نكاية في الحكومة السودانية.ومن جانبه أوضح الدكتور حجاج ابراهيم، أن الحكومة السودانية تناست الأحقية التاريخية في أراضيها للدولة المصرية، حيث كانت تخضع بشكل تام للدولة العلوية، فالوثائق العثمانية الموجودة بتركيا، تؤكد تبعية حلايب وشلاتين لمصر، كما تظهره الخرائط التي نشرتها المواقع السودانية، مما يعنى أن مصر لها حق في الأراضى السودانية بمقدار خط عرض كامل، والمعروف أن مصر قد استعانت في التحكيم الدولى الخاص بطابا بالوثائق التركية التي أثبتت الحق المصري في طابا.يبدو أن الرئيس السوداني، يريد التصعيد الدولي، مقابل الوقوف بجانب مصر في أزمة سد النهضة، حيث طالب في تصريحات لوسائل إعلام محلية، المملكة السعودية بالتدخل والوساطة لحل النزاع سلميًا، مؤكدًا أن الرياض مؤهلة للقيام بهذا الدور.الخيارات العسكرية جميعها تصب في صالح مصر، وهو ما دفع الرئيس السوداني إلى الإعلان عن ضرورة تهدئة الموقف، لعدم الدخول في حرب إقليمية، على دول النيل، إلا لم يتم اللجوء إلى التحكيم الدولي وهو ما سترحب به مصر والسودان، لكن دول المنبع قد لا توافق على هذا الخيار، على اعتبار أنها تملك حق التصرف في المياه الذي يفيض منها.السودان تريد أن تدفع الأمور إلى حرب إقليمية، لإيجاد صراع في المنطقة ككل، في حال أغلقت جميع الأبواب للوصول إلى اتفاق حول أزمة سد النهضة، ومع خيار الحرب يبدأ الحديث تلقائيًا عن موازين القوى العسكرية للدول الثلاث الرئيسية في حوض النيل، دولة المنبع أثيوبيا التي يفيض منها أكثر من 85 % مياه النيل التي تصل إلى المصب، والسودان ومصر، وهذه الموازين قد تكون وقود أول حروب المياه في العالم.الدراسات الاستراتيجية الدولية، تضع مصر في مقدمة موازين القوى في دول حوض النيل تليها أثيوبيا، وكان رئيس الحكومة الأثيوبية ميلس زيناوي الأسبق، قد تحدث في تصريحات نشرها موقع هيئة الإذاعة البريطانية، قال صراحة عن إن يراه تقسيما غير عادل للمياه قائلا: «إنه سر معلن أن السلطات المصرية لديها قوات خاصة مدربة على حرب الأدغال ومصر ليست معروفة بالأدغال، لذلك فمن المحتمل أن تكون مدربة للحرب في أدغال دول إفريقيا الشرقية».بالرجوع إلى التاريخ نجد أن الاتجاه للحرب من أجل حماية فيضان النيل نحو مصر ليس جديدا، ففي القرن التاسع عشر وضعت حكومة محمد علي باشا، خطة طوارئ للتدخل العسكري ضد أي دولة يمكن أن تشكل خطرًا على ذلك.وفي عام 1979 عندما أعلنت أثيوبيا عن نواياها لاقامة سد لري 90 ألف هيكتار في حوض النيل الأزرق، دعا الرئيس الراحل أنور السادات خبراءه العسكريين لوضع خطة طوارئ مهددا بتدمير هذا السد، وعقد اجتماعا طارئا لقيادة هيئة أركان الجيش المصري.وتتشكل القوة العسكرية المصرية من عدة عناصر هامة مدربة على خوض هذا النوع من الحروب، تبدأ بفرقة "السيل" التي عناها ميلس زيناوي بتصريحه عن القوات المدربة للحرب في الأدغال.ورغم أن مصر لا تتحدث علنا عن امكانياتها العسكرية وحجم الانفاق على جيشها وأسلحته المختلفة، فإن المعاهد الدولية تؤكد أن جيشها تقدم كثيرا في تسليحه وامكانياته وجهوزيته ونوعيته عن ذلك الذي خاض حرب العبور الناجحة عام 1973.وتملك مصر أكبر قوات بحرية في أفريقيا والشرق الأوسط تتكون من الفرقاطات والغواصات ومكافحة الألغام والقوارب الصاروخية وزوارق الدورية وتعتمد على سلاح الجو للاستطلاع البحري والحماية ضد الغواصات.وفي حالة نشوب حرب المياه فان أي هجوم مصري ضد المنشآت المائية الأثيوبية سيقابل برد انتقامي من جانب أثيوبيا ضد السودان تحديدا خصوصا إذا سمحت الخرطوم للمقاتلات المصرية باستخدام أراضيها لضرب السدود التي ستشرع أثيوبيا في بنائها وعددها 10 سدود بتكلفة 13 مليار دولار، وأكبره سد بدأت في بنائه عام 2002 بتكلفة 365 مليون دولار ومن المتوقع أن يؤثر فعليا على حصة مصر والسودان من المياه.وتمثل أثيوبيا وكينيا أبرز شركاء اسرائيل التجاريين في أفريقيا، فقد تضاعفت الواردات الاسرائيلية من أثيوبيا ثلاثين مرة خلال عقد التسعينيات، وازدادت الصادرات الاسرائيلية إليها ثلاث مرات، في حين تضاعفت الواردات الاسرائيلية من كينيا مرتين ونصف المرة، وتضاعفت الصادرات مرتين، ووصلت الواردات الاسرائيلية من الكونغو إلى مليون دولار تقريبا وتضاعفت الصادرات إليها عشر مرات.

اقرأ أيضا