علي الأزهري يكتب.. لا يا سيد عصفور

السبت 29 ديسمبر 2018 | 02:18 مساءً
كتب : بقلم/ على الأزهري

في حوار جريدة الوطن مع وزير الثقافة الأسبق (جابر عصفور) ذكر ما يلي:

أولًا: أنه يمثل قوى موازية للأزهر، وأن الأزهر يُمارس كهنوتًا دينيًا، وأن الأزهر يتقاضى تمويلًا خارجيًا.

والجواب على هذا الكلام: لم نر لك نشاطًا يذكره الناس لك، تقلدت وزارة الثقافة فماذا قدمت لدين الله، حتى تعتبر نفسك قوى موازية للأزهر، على رِسلك سيد (عصفور) حتى تكون قوى موازية أطلب منك ليس تهكمًا بل حقًا أن تقرا لنا سورة الفاتحة بأحكامها قراءة صحيحة.

سيد (عصفور) أتذكر قولك في تصريح للمصري اليوم ذكرت أنك (علماني وتفتختر بهذا)، فهل يُمكن أن تؤخذ الأحكام الشرعية من علماني؟!.

سيد (عصفور) في سياق حوارك مع المصري اليوم ذكرت أيضًا: "أنا ضد الحجاب وأرفضه رفضًا تامًا والآيات والأحاديث التى ذكرت للدلالة على أن الإسلام أوجب على المرأة ارتداء الحجاب، أنا شخصيًا لست مقتنعًا بتفسيرها على هذا النحو، فالأحاديث النبوية التى يستدل بها أنصار الحجاب لا تعدو كونها أحاديث آحاد والأحاد لا يعمل بها لعدم الاتفاق عليها".

فأي قوى تقصدها بكونها موازية للأزهر؟!، سيد (عصفور) أتذكر ما فعلته لتجدد الخطاب الديني وفق قولك، تعال نتذكر ما قمت به:

1ـ دعوتك لحذف آيات الجهاد، ووصفتها بأنها تدعو للعنف والتطرف، وقد غاب عنك أن الآيات ليس فيها ما يدعو للعنف بل جاءت الآيات تبين حرمة الاعتداء أولًا دون وجه حق، وعصمة دماء الآخرين، وعدم الدخول في القتال إلا إذا بدأ غيرنا بقتالنا، وحرمة القتال في الأشهر الحرم...، هذه هي الآيات.

2ـ دعوتك لعدم بناء المساجد وبناء قصور الثقافة بدلًا عن المساجد.3ـ إنكارك للحجاب.4ـ إنكارك لعذاب القبر.

5ـ دعوتك لتجسيد الأنبياء وقولك بحليتها.

ثانيًا: ألقيت تهمة على الأزهر وفقًا للعادة فقلت: "إن الأزهر يتلقى دعمًا خارجيًا لنشر عقيدة السعوديين"، ولم تقدم دليلًا واحدًا، وأنت تعلم جيدًا كما تعلم اسمك أن الأزهر يُدرس العقيدة الأشعرية منذ التدريس فيه إلى ما شاء الله له، والدعم حسب قولك قد يكون في ترميم الجامع الأزهر كما فعل الملك (عبدالله بن عبدالعزيز) أو وضع زكاة مال ببيت الزكاة وهو لا يخص طلاب الأزهر ولا من يعملون بالأزهر الشريف، ويتم توزيع الزكاة على من يستحقونها، وموجود هذا بمستندات رسمية وهناك تشكيل رسمي بأعضاء بيت الزكاة.

ثالثًا: ذكرت أن الأزهر يفتح الباب للإلحاد، وهذا أمر غاية في العجب، تارة تصف الأزهر بالجمود، ثم تصفه بأنه يدعو للإلحاد، شتان بين التهمتين، وقد تناسيت سيد (عصفور) أنك أول من حرضت على الإلحاد وطالبت بترك الناس يُلحدون وقتما يرغبون، وأن الإلحاد حق للجميع، فقلت: "خلال مداخلة هاتفية لبرنامج "90 دقيقة"، على فضائية "المحور"، مع الإعلامى محمد الباز، على أن كل الدساتير في العالم تنص على أن حرية اختيار الديانة والاعتقاد مكفولة لكل مواطن، حتى الإلحاد مكفول لكل مواطن مصري، لكن المشكلة تكمن في الدعوة إلى الإلحاد أو المطالبة به".

فمن الذي يُساعد على الإلحاد؟ بل ويتبنى هذا الأمر ويريد أن ينشره بين أرجاء الدولة؟!

ألا يُعدُ هذا خروجًا على الدولة والدعوة لقلب نظامها؟!.

رابعًا: ذكرت في حوارك مع الوطن: " كلمة الخطاب كلمة حديثة فى الثقافة العربية، لكنها ببساطة تعنى الفكر الدينى من حيث هو لغة لها أثر فعلى فى الواقع الاجتماعى والسياسى والدينى والثقافى، وعلى هذا الأساس تجديده ضرورى جدًا"، فأي خطاب تقصد بقولك (الخطاب كلمة حديثة في الثقافة العربية...)، ألم يأتك قول الله تعالى: (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا)(النبأ:37)، فماذا تقول في معنى الخطاب هنا، ثم لفظة الخطاب ألم تُستخدم في تعريف الحكم الشرعي: هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين، من حيث الاقتضاء، أو التخيير، أو الوضع.، فمن أين جاء لفظ الخطاب لو كان دخيلًا على ثقافتنا؟!.

أذكرك أنك تكرر ما نادت به قريش قبل ذلك من ضرورة القضاء على هذا الشرع الحنيف،والدعوة بتجديد الخطاب وفق مفهومهم القاصر، قال تعالى مُسجلًا عليهم: "وَإِذا تُتلى عَلَيهِم آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذينَ لا يَرجونَ لِقاءَنَا ائتِ بِقُرآنٍ غَيرِ هذا أَو بَدِّلهُ قُل ما يَكونُ لي أَن أُبَدِّلَهُ مِن تِلقاءِ نَفسي إِن أَتَّبِعُ إِلّا ما يوحى إِلَيَّ إِنّي أَخافُ إِن عَصَيتُ رَبّي عَذابَ يَومٍ عَظيمٍ)[يونس: ١٥].

خامسًا: ذكرت أن الفقه الذي يُدرس في الأزهر يقول (لا يقتل مسلم بذمي)، ثم غاب عنك أن تذكر أن هذا النص في الحرب فقط، لكن لو كان في بلدك، أو جارك وفي نفس موطنك وليس بينك وبينه أي عداوة، فما جزاء القاتل، هل بلغك ما قاله سيدنا علي بن أبي طالب: "إنما بذلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا، ودماؤهم كدمائنا" (المغني لابن قدامة، وبدائع الصنائع، أحكام الذميين والمستأمنين).

وقال مالكُ والليثُ: إذا قتل المسلم الذمي غيلة يُقتل به وإلا لم يُقتل به. (نيل الأوطار ج 7 / ص 154). وهو الذي فعله أبَان بن عثمان حين كان أميرًا على المدينة، وقتل رجل مسلم رجلًا من القبط، قتله غيلة، فقتله به، وأبَان معدود من فقهاء المدينة. (الجوهر النقي مع السنن الكبرى ج 8/ ص 34).

وذهب الشعبي والنخعي وابن أبي ليلى وعثمان البتي وأبو حنيفة وأصحابه إلى أن المسلم يُقتل بالذمي ، لعموم النصوص الموجبة للقصاص من الكتاب والسنة، ولاستوائها في عصمة الدم المؤبدة، ولما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قتل مسلمًا بمعاهد. وقال: "أنا أكرم من وفَّى بذمته " (رواه عبد الرزاق والبيهقي).

روي أن عليًا أُتي برجل من المسلمين قتل رجلًا من أهل الذمة، فقامت عليه البيِّنة، فأمر بقتله، فجاء أخوه فقال: إني قد عفوت، قال: فلعلهم هددوك وفرقوك، قال: لا، ولكن قتله لا يرد علَيَّ أخي، وعوَّضوا لي ورضيتُ. قال: أنت أعلم؛ من كانت له ذمتنا فدمه كدمنا، وديته كديتنا. (أخرجه الطبراني، والبيهقي في السنن الكبرى ج 8 / ص 34 ).

سادسًا: وقولك إن خطابات فضيلة الإمام بالخارج هي أفضل حال من الداخل؛ وبخاصة عندما يلقي خطابات أمام الفاتيكان والدول الأوربية، والسؤال هنا أليس كل ما يلقيه فضيلة الإمام من خطابات مردها للكتاب والسنة والعقل، وأيضًا الخطاب مع الآخر لا بد أن يتضمن بيان سماحة الإسلام وعظمته وقبوله للآخر، وخاصة في ظل الظروف المعاصرة التي شوه أعداء الإسلام صورة الخطاب الديني ووصموه بالكراهية والعنف ضد الآخرين، وفِي المجتمع الأوربي نجد أن خطابات فضيلة الإمام قد لاقت استحسانًا من الجميع، وقد حازت على إعجاب بابا الفاتيكان وقد وصف فضيلة الإمام بإمام السلام، ورحب بتكرار الزيارة كثيرًا، وفِي الخطابات الداخلية في مصر جميع خطابات فضيلة الإمام لاقت أيضًا ثناء الأغلب الأعم اللهم إلا ما ندر من الفريق العلماني وبخاصة بعد كلمة فضيلته الأخيرة في الاحتفاء بالمولد النبوي وكانت تضمن عظمة السنة النبوية وبيان انحرافات الفريق العلماني في ردها وعدم قبولها؛ مما زلزل عرش الفريق العلماني الذي ينكرها جملة وتفصيلًا بدعوى أنها لم تعد صالحة لزماننا، وهذا الذي تنكره على فضيلته، ألم تقل مسبقًا في لقاء إن شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب رجل عقلاني، فلا أعلم هل تناقض نفسك، خطابات فضيلة الإمام ليست خطابات مكررة، بل تعد تجديدية، وتمتاز بالفصاحة والبلاغة والدقة والقبول لدى الآخرين.

فضيلة الإمام الأكبر بحكمته يُجمع ولا يُفرق، ألم يأتك أنه أسس بيت العائلة وفعل دوره وأصبح البابا يجلس بجوار فضيلته، وأصبح  بيت العائلة في جُل المحافظات يدي دور المصالحة وينشر ثقافة التسامح والتعاون من أجل نبذ العنف والكراهية، وترسيخ دور المواطنة.

لم نسمع لك صوتًا سيد (عصفور) وقت استشهاد أكثر من ثلث قرية الروضة ببئر العبد في المسجد، لكن فضيلة الإمام آثر أن يذهب لهناك وضمد الجروح وكانت زيارته بردًا وسلامًا على أهل القرية هناك، فضيلة الإمام الذي يُعد علامة فارقة في تاريخ الأزهر يحارب التطرف والإرهاب، وهو أيضًا الذي يدافع عن ثوابت الشرع الحنيف، وهو ذاته الذي لا يتقاضى راتبًا شهريًا ويتبرع براتبه لصالح صندوق الدولة.

    فضيلة الإمام أيضًا الذي تحاول أن تناله أقلامكم وألسنتكم نجده لا يُبالي بما تقولون ولا يلتفت ودائمًا يُكرر (الملتفت لا يصل) لا تشغلوا بالكم بما يُقال؛ واعملوا لله، وقولوا اللهم إنا قد تصدقنا بأعراضنا لله.

أليس فضيلة الإمام الأكبر هو من أعاد الحوار مع الفاتيكان بعد انقطاع دام عدة سنوات بسبب الإساءة للإسلام، أليس فضيلته هو من قام بإدخال مادة الثقافة الإسلامية في المناهج الأزهرية وذلك لتصحيح المفاهيم ومجابهة الفكر المتطرف، فأصبحت الطالب في المرحلة الإعدادية يدرسها وكذا في المرحلة الثانوية، أليس فضيلته من قام بتطوير المناهج والعمل على تنقيح المناهج بما يواكب المستجدات المعاصرة، أليس فضيلته من قام بتفعيل دور المرأة داخل الأزهر وعمل على تفعيل دور الواعظات، أليس فضيلته هو من أعاد إحياء هيئة كبار العلماء التي تعد أعلى مرجعية دينية تابعة للأزهر الشريف بعد حلها عام 1961م، أليس فضيلة الإمام الذي قام بإنشاء بيت الزكاة بموجب القانون رقم (123) لسنة 2014م، وذلك لجمعها وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين.

والسؤال هنا: ماذا قدمت أنت للدين والتجديد؟!.

سابعًا: بالنسبة لما ادعيته أن مستشار فضيلة الإمام يحيط به مجموعة من السلفيين المتشددين، وأيضًا الإخوان، فهذا محض كذب وإلا فاذكر لنا الأسماء الموجودة من الإخوان والسلفيين حسب اتهامك، وإلا صرت لست بصادق وبالتالي كلامك مردود عليك ويوجب المحاكمة، وأيضًا دعواك الغير صادقة في قولك إن المستشار محمد عبدالسلام قد غادر المسرح بعد قولك عدو المسرح الاستبداد والجمود، فالذي كان موجودًا وقتها كان فضيلة أد محمد مهنا أستاذ القانون الدولي بكلية الشريعة والقانون بطنطا وعضو المكتب الفني لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، يبدو أن هناك ثمة عداء بينك وبين المستشار محمد عبدالسلام، يُعدُ هو المهندس الأول لزيارات فضيلة الإمام الأكبر الخارجية، والانفتاحات التي حققها الأزهر الشريف بقيادة فضيلة الإمام في هذه الفترة الوجيزة، وكانت له اليد الطولى في كتابة مادة استقلال الأزهر في الدستور، وأيضًا صاحب فكرة إنشاء مرصد الأزهر باللغات للرد على الفكر التكفيري، ومعلوم عنه نزاهة اليد وعدم تقاضيه سوى راتبه، ودائمًا ما يفتخر بكونه ينتسب للأزهر ويخدمه بكل أُوتي.

    لسنا بحاجة لشهادتك غير الحقيقية لمحاولة الانتقاص من مقدار الرجل، فلقد قال عنه من هو ربان الأزهر وشيخ قلاع الأزاهرة فضيلة الإمام الأكبر: "إن معظم النجاحات التي حققها الأزهر وراءها جهد كبير ومخلص لفريق من المعاونين، وفي مقدمتهم المستشار: (محمد عبد السلام)، ورغم ذلك يتعرض للهجوم والأكاذيب من قبل أصحاب المصالح، وأنا أتعجب من هذا الافتراء عليه، لكنه يصبر ويحتسب على ما يلاقيه من ظلم وتشويه، وأن كل ما يقال عن المستشار (محمد عبدالسلام) كذب وزور وبهتان، ومن المعلوم لنا إخلاص هذا القاضي الشاب الأزهري وحبه للأزهر والوطن، هو الدافع الوحيد له للصبر على ما يتعرض له من هجوم إعلامي غير مبرر، والمستشار (محمد عبد السلام) من أبناء الأزهر المخلصين الذين يعملون ليل نهار في خدمة الأزهر ورسالته، من أجل رفعة مكانته وشأنه في الداخل والخارج".

قال عنه المستشار (عبدالوهاب عبدالرازق حسن)، رئيس المحكمة الدستورية العليا، في أثناء زيارته لفضيلة الإمام الأكبر بمقر المشيخة بتاريخ 25 يونيو لسنة 2018م، "هذه ميدالية المحكمة التذكارية، اسمح لي فضيلتكم أن أهديها للمستشار (محمد عبدالسلام)؛ لأننا أيضًا نعتز به وبانتسابه للقضاء مثلما يعتز به الأزهر الشريف".

   وقال عنه أ.د: (مصطفى الفقي) ـ مدير مكتبة الإسْكَنْدَرِيَّة، خلال كلمته الافتتاحية بمعرض الإسْكَنْدَرِيَّة الدولي للكتاب في دورته الرابعة عشرة، مشاركة الأزهر الشريف بمعرض الإسْكَنْدَرِيَّة الدولي للكتاب، والتي تحدث لأول مرة، مشيرًا إلى أنها تأتي في إطار تطوير الشراكة والتعاون المثمر بين مكتبة الإسْكَنْدَرِيَّة والأزهر الشريف، وخلال كلمته الرئيسية توجه مدير مكتبة الإسْكَنْدَرِيَّة بالشكر لقيادات الأزهر الشريف وللمستشار (محمد عبدالسلام) مستشار شيخ الأزهر بشكل خاص، على حضوره ومشاركته قائلًا: "لا أخفي إعجابى بشخصية المستشار الخلوق (محمد عبدالسلام)، مستشار الإمام الأكبر شيخ الأزهر، هذه الشخصية الشابة الناجحة والواعدة، الجديرة بالدراسة".

وقد عُرف بهذه الصفة بين ربوع الأزهر (المستشار المؤتمن)، وبحق لم نجد منه سوى الأدب الجم في التعامل وفي نفع غيره، والإخلاص والتفاني في خدمة الأزهر وشيخه.

فالملاحظ أنك قد تجنيت على الأزهر ومناهجه وقياداته، ومع ذلك وضحنا لك وأزلنا هذا اللبس عساك أن تُراجع نفسك ولا تُطلق للسانك التهكم دون علم.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل

د. علي محمد الأزهري ـ عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر

اقرأ أيضا