"مذبحة قبية".. هنا سالت دماء الأبرياء العزل على يد الصهاينة في فلسطين

الاثنين 14 أكتوبر 2019 | 01:17 مساءً
كتب : سارة أبو شادي

في ليلة شديدة البرودة، السماء مليئة بالغيوم، والغربان تنعق أعلى المنازل المهدمة، جلست فوق الأنقاض شاردة تغطي الدماء ملابسها، ترسل نظرات تائهة إلى السماء ، تحاول أن تحمل ما تبقى من أجساد صغارها، تنفض غبار التراب عن جسد رفيق دربها الساكن، الدماء تفيض كالأنهار من حولها، الجثث في كل مكان، أصوات أنين وصراخ قطعت شرودها.

مذبحة قبية

لم يكن مشهد في فيلم سينمائي أو حتى فقرة في رواية بل كانت صورة حقيقية وقصة واقعية بطلتها أحد الأمهات الثكلى، والتي فقدت عائلتها بالكامل في إحدى مذابح الاحتلال الصهيوني، "مذبحة قبية"، في مثل هذا اليوم، الرابع عشر من أكتوبر، أي قبل حوالي 65 عامّا، شهدت قرية صغيرة من قرى فلسطين "قبية" مذبحة عجزت الإنسانية عن وصفها، ذكرها التاريخ لتنضم إلى السجلّات الدموية للاحتلال الصهيوني، وفي هذا التقرير نعرض قصة الليلة الدامية في قرية قيبة الفلسطينية.

مذبحة قبية

"قبية" يوم أن سكن عزرائيل القرية

السابعة والنصف مساءًا، هدوء ساكن يحاوط منازل القرية الصغيرة، شعاع نور طفيف يخرج من نوافذها، لا شيئ مختلف على عادة الأيام السابقة، سوى رائحة الموت التي تنبعث من كل مكان، ثواني معدودة ومع رفع آذان العشاء، كانت النهاية، اشتعلت النيران في المنازل، وامتلأت السماء بقصف المدافع أصوات انفجار قنابل، رصاص هنا وهناك، حالة من الكر والفر لا أحد يعلم ماذا يحدث؟ الجميع في صدمة فالموت على شفا النيل منهم، تلك اللحظات كانت توثيقًا لمجزرة هي الأبشع حينها، أطفال ونساء وشباب وشيوخ الجميع سال دمائه هنا في ساعات قليلة، فاضت أرواحهم جميعًا وانتهت الكارثة مع الفجر.

بداية الحكاية، في الثاني عشر من أكتوبر عام 1953، أقدم عدد من الشباب للتسلل من الأردن إلى إحدى المستوطنات اليهودية، وقاموا بإلقاء قنبلة داخل المستوطنة، ممّا تسبب في قتل يهوديان وإصابة ثالث، وفر المتسللين عائدين إلى الأردن، الاحتلال ثار على هذا الأمر وقررّ الانتقام، وفي اليوم التالي مباشرة خرج دافيد بن غوريون، رئيس الحكومة وقتها، ليقرر القيام بعملية انتقامية قاسية ضد قرية قبية التي مر من خلالها المتسللين، ونص قرار المذبحة على "تنفيذ هدم وإلحاق ضربات قصوى بالأرواح بهدف تهريب سكان القرية من بيوتهم".

مذبحة قبية

تفاصيل المذبحة

في الرابع عشر وبعد قرار الاحتلال بيوم واحد، وفي الساعة السابعة والنصف مساء قامت الوحدة 101 للعمليات الخاصة بقيادة أريل شارون، والوحدة 890 للمظليين قوامها ستمائة مقاتل قاموا بحصار القرية، وعزلها عن باقي القرى المجاورة، ثم بدأت بقصف القرية بشكل مركز بمدافع الهاون، واستمر هذا القصف حتى الرابعة صباح اليوم التالي.

مذبحة قبية

القصف دفع العديد من السكان بعدم مغادرة منازلهم، خوفّا من النيران، ليتفاجؤا بجنود الاحتلال يحطمون المنازل فوق رؤوسهم، فما بين إلقاء قنابل وإطلاق النار عشوائيّا عبر الأبواب والنوافذ المفتوحة، وإطلاق النار على كل من يحاول الفرار، لينتهي الأمر بنسف البيوت فوق رؤوس سكانها، ولم يكفهم نشر الموت في كل مكان حتى قرروا هدم الدين أيضّا فقصفوا المسجد وحطموه واتجهوا إلى المدرسة وأزالوها، وأحاطوا القرية بالألغام حتى لا يستطيع أحد الوصول إليها لإنقاذ أهلها.

وبلغ عدد الشهداء في هذه المجزرة من رجال ونساء وأطفال حوالي سبعة وستون مواطنًا من أهل قبية، وجرح مئات آخرون، المؤلم في الأمر أنّ هناك عائلات بأكملها تمّ إبادتها بعد نسف المنازل على رؤوسهم وهم أحياء.

مذبحة قبية

المجتمع الدولي يدين الاحتلال

وخرج مجلس الأمن في جلسة طارئة، ليدين المذبحة، وعلّقت أمريكا وقتها المعونات لإسرائيل بشكل مؤقت، وقامت بريطانيا بتسليح القوات الأردنية لمنع التسلل إلى فلسطين، وكتبريرا ساذجا أكد "بن غوريون" في خطاب له أن سكان الحدود هم من قام بالعملية وليس الجيش، ولكن الجنرال "فان بيتيكه" كبير مراقبي الأمم المتحدة حينئذ أكد في تقريره إلى مجلس الأمن الدولي في 27 أكتوبر 1953 أن الهجوم كان مدبرًا ونفذته قوات نظامية، لكن هل ردعت تلك العقوبات الاحتلال عن تنفيذ مجازر أخرى، بالتأكيد فالواقع هو وحده من أجاب هذا السؤال، فنزيف الدماء ما زال مستمرّا واستنكار المجتمع الدولي هو الآخر قائمّا.

الخاتمة

اعتقدت أن ما يدور حولها من أحداث مجرد كابوس وستستيقظ الآن على صوت صغارها لتجهيزهم استعدادّا للمدرسة، ارتسمت على وجهها ضحكة خفيفة لا يمكن أن يكون هذا حقيقيّا فما بين ليلة وضحاها خطف الموت صغارها وزوجها، مشهد صورته المجزرة منذ سنوات لكنّه يتكررّ يوميّا هنا في الأرض الطاهرة "فلسطين".

مذبحة قبية

اقرأ أيضا