هُدنة

الجمعة 13 مارس 2020 | 09:26 صباحاً
كتب : دعاء جمال

بقلم: محمد أحمد كامل

تحاول دائما أن تستعيد بعضًا من السلام النفسي الداخلي، الذي قد تكون فقدت جزء منه في خضم البحث عن الذات، والبحث عن المجهول أو المستقبل، تحلم بأشياء في حياتك تتمنى تحقيقها، وتتمنى أن لا تمر في رحلة الدنيا مرور الكرام، بل ترغب في ترك بصمة وعلامة تثبت وجودك، وتبحث عن نقطة الانطلاق الحقيقية.

ولكن لكي تصل إلى هذه النقطة الأمر ليس باليسير، لأن العالم المحيط بك متقلب وخارج عن السيطرة، لذا يجب أن تكون مجهزا بشكل أفضل، ولكن كيف؟.

الخوف من المستقبل وعدم القدرة على نسيان الماضي يمنعك من أن تعيش اللحظة الراهنة، مما يعرضك للإجهاد النفسي والفكري، لذا تعلم أن تقيّم الأحداث في أوقاتها، وأن لا تعطي الحدث أكبر من حجمه، وأن تؤمن بالقضاء والقدر، لأن هذا من ترتيب ربنا لك، فهناك علامات تُرسل اليك لكي تهجر كل ما يؤذيك ولكنها النفس البشرية، التي تبدع في إيذاء نفسها.

أنظر إلى النصف الممتلئ من الكوب، فلديك حياه تجعلك أن تعيش سعيدًا، مثل التحدث مع أقرب الأصدقاء والاستمتاع بالطبيعة من حولك.

القبول.. هناك أشياء نرغب في تغييرها، ولكن هناك مميزات وقدرات لا تملكها، فمثلا أنت لا تملك أن تجعل كل من حولك يتصرفون كما ينبغي، أو تغير المجتمع رأسًا على عقب لتجعله المجتمع الفاضل الخالي من الأخطاء، أو تعلم أشخاص بعينهم معنى الإخلاص.

لا تسمح لأحد أن يشوهك نفسيًا، وأن يحاول أن يدمرك من الداخل، ويستغل احترامك وطيب قلبك، لأن هؤلاء ما هم إلا وباء وابتلاء، فقط ذكرهم بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (البِرُّ لا يَبْلَى، والإثمُ لا يُنْسَى، والدَّيَّانُ لا ينامُ، فكن كما شِئْتَ، كما تَدِينُ تُدَانُ)، كن بجانب من يقدر معرفتك ويعلم من أنت عليه ومن تكون، كن بجانب من يحبك لذاتك ليس لأي شيء آخر.

سوف يمر عليك موقف صعب في حياتك، وحينها ستشعر أن حياتك تحولت فجآه إلى قبل هذا الموقف وبعد هذا الموقف، ستلاحظ تحول كبير جدًا في طباعك وشخصيتك وأسلوبك، هتجد نفسك توقفت عن التفكير في أي شيء، وكأن المخ أصبح به خلل وعطل، ولا تعلم المدة التي سيظل فيها المخ والعقل عاطلين عن العمل، ولا تعلم حتى لماذا هم عاطلين؟، هل لصعوبة الموقف أم للتقرب من الله عز وجل وإعادة الحسابات مرة أخرى والدخول في هُدنة؟، وشتان فرق بين الهُدنة والاكتفاء بالنفس.

الاكتفاء هو أن تصبح الأشياء الغالية في نظرك وتتمنى أن تحظى بها تقع من نظرك ولا تلتفت إليها مرة أخرى، هو أن تُسعد نفسك بنفسك وكأن الكون خالي من البشر، هو أن ترحب بمن يقترب منك ولا تهتم بمن يخرج من حياتك، هو أن تصل إلى مرحلة اليقين والتأكد بأنك لم تتسبب في أذى أحد فبالتالي أن لا تستحق ان يأذيك أحدهم، هو أن تقف بعد الوقوع وتعود أفضل لتصل إلى حلمك لأنه لا أحد يحققه بدلا عنك.

أما الهُدنة من وجهة نظري أن تعمل على ترتيب أوراقك، وأولوياتك، وعلاقاتك، أن تعتمد على القلب والعقل وتُصفي ذهنك، وتتخلص من الأفكار السلبية والتفكير الذي يشوش تفكيرك فتصبح إنسان عشوائي، أن تتخلص من الروتين لأنه يحتوى على عادات سيئة تكررها كل يوم دون أن تشعر، فعندما تتخلص من هذه العادات تشعر حينها بالملل والفراغ لأنها أصبحت جزء مهم من حياتك، وذلك يجعل التخلي عنها أكثر صعوبة، أن تعيش براحة بال، ولكن هذا لن يحدث في يوم وليلة، بل يحتاج إلى تدريب طويل ومستمر على الشعور بالثقة اعتمادًا على أساس الكفاءة سواء كانت كفاءة فنية في المعرفة والخبرة أو كانت كفاءة المبادئ، وأيضاً التدريب على التعامل مع الغير، والتخلص من التبرير المنطقي لأفعال تخالف ضميرك ومبادئك.

الوقت الراهن وهذا الزمن مليء بالأزمات والصراعات التي تجعلني أؤكد على ضرورة أهمية سد الفجوة بين الواقع والغاية الشخصية لتحقيق الاندماج، والتصالح مع الذات بأي وسيلة ممكنة، وهنا يأتي السؤال.. هل الهُدنة أفضل أم الاكتفاء بالنفس أم الموازنة بينهما؟.

اقرأ أيضا