المديونيات المتأخرة تبحث عن حل.. "فواتير المرافق" فخ يقع فيه الكثيرون

الخميس 31 أكتوبر 2019 | 10:03 مساءً
كتب : مصطفى الخطيب

«النويشى»: الحل فى توثيق عقد الإيجار بين المالك والمستأجر

«منصور»: نحتاج إلى قانون ينظم العلاقة بين الملاك والمستأجرين ويضم السماسرة ومكاتب العقارات

«عامر»: على المواطن معرفة موقف السكن القانونى والمديونيات المتراكمة عليه

أعد العُدة وعقد العزم على الرحيل، ثم أرتدى ملابسه الجديدة فاقعة اللون التى جهزها ليلة أمس، وتوجه إلى قاهرة المعز تاركًا أهله وذويه فى وسط الدلتا بمحافظة كفر الشيخ، حاملًا حقيبته على ظهر، ويحمل فى طياتها أحلامه وآماله التى شق الطريق من أجلها، على أمل أن ينهى مشوار المعاناة الذى عاشه مع شبح الثانوية العامة، بحصوله على شهادة الكلية التى تؤهله إلى سوق العمل، ولكن الظروف القاسية غيرت مسار خطته التى أعدها على حين غِرة، بعدما وطأت قدمه مدينة الألف مأذنة.

سعد جمعة، الشاب البالغ من العمر عشرين ربيعًا، وطأت قدماه للوهلة الأولى محافظة القاهرة، دون رفيق يرشده أو قريب يأوى إليه، لم يتوقع أن الحياة هنا تختلف عن بيئته الريفية بكل ما تعنيه الكلمة، جاء على أمل الحصول على سكن يقطن فيه فترة دراسته مثلما يفعل طلبة الكليات من قبله، ولكنه تفاجأ بالصدمة التى جعلته يغير مسار حياته طوال الـ4 سنوات.

جاء قاصدًا كلية بجامعة الأزهر فى الحى السادس، ولكنه وجد المساكن المجاورة للكلية ممتلئة، وعلى الفور انتقل إلى الحى العاشر فى مدينة نصر باحثًا عن سكن آخر يناسب حياته وظروفه المادية، يقول سعد: "قضيت اليوم الأول لىَّ فى القاهرة بالشارع، ثم نمت بأحد المساجد فى الحى العاشر بعدما تعبت من كثرة البحث عن شقة مناسبة أقطن فيها برفقة أصدقاء يعينونى على المذاكرة والاهتمام بكليتى".

فى اليوم التالى ظل الشاب العشرينى يبحث عن شقة يأوى إليها فى مدينة نصر، ولكن الظروف لم تساعده: "كنت بلف على كل العماير فى الحى العاشر والزهراء، إمَّا ألاقى السكن غالى جدًا وهيكون صعب أسكن، وإمَّا الشقة غير مناسبة، وبالطبع الظروف قادتنى إلى منطقة فيصل بعدما دلنى أحد الأشخاص على هذه المنطقة".

سعد نزل إلى فيصل باحثًا عن شقة يقطن فيها فى ليل اليوم الثانى له بالقاهرة الكبرى، وبالطبع بعد البحث لمدة قليلة وجد الشقة المناسبة، والتى نجح فى الاتفاق فيها مع السمسار المسئول، والذى أكد أنها خالية من المديونات وعلى ما يرام: "بعد ما حصلت على الشقة، جمعت أصدقاء آخرين من الكلية لنسكن سويًا، وبعد مرور قرابة 10 أشهر، جاءت الصدمة الثانية، حيث انقطعت المياه فجأة عن العمارة كلها، دون سابق إنذار".

هنا جاءت الصدمة الكبرى التى يعانى منها الشاب: "لما سألت صاحب الشقة عن الميه، وليه هى قاطعة، أكد أن الشركة قطعت المياه عن العمارة كاملة، والسبب فى ذلك، أنهم لم يدفعوا فاتورة المياه منذ 5 أعوام، حيث تخطى مبلغ المديونية قرابة 30 ألف جنيه"، الأمر الذى جعل الشاب يواجه مصيرين، الأول هو الخضوع لمطالب السُكان ودفع الجزء الموقع على الشقة، أو الخروج من السكن دون الحصول على تأمينه الذى دفعه قبل السكن، وبدء رحلة البحث مجددًا عن شقة مناسبة خالية من المديونات ومن المخالفات القانونية.

حكايات

القصة سالفة الذكر، جعلت بلدنا اليوم، تبدأ تحقيقاتها فى القضايا المشابهة فى شتى المناطق بالقاهرة الكبرى، لرصد معاناة الطلاب والعائلات القادمين من المحافظات للعيش فى القاهرة، بسبب دراسة أو بسبب الأعمال التى فرضت عليهم العيش هنا، حيث تمكنت "بلدنا اليوم" من الوصول إلى عمارتين فى منطقتى "فيصل وعين شمس" تراكمت عليهما المديونيات فى المياه والكهرباء حتى وصلت إلى سنوات طويلة، وتوجهت أصابع الاتهامات إلى المحصلين الذين من شأنهم جمع الأموال من المواطنين.

هنا فى منطقة فيصل عمارة بلغ عدد شققها 12 شقة تم قطع المياه عليهم مؤخرًا بسبب المديونيات المتراكمة، فوصل حجم المبالغ المطلوبة 68 ألف جنيه، نتيجة استهلاك مياه خلال 13 عامًا، الأمر الذى جعل السُكان يتجاوزون القانون ويتكاسلون عن دفع الأموال.

ووفقًا لأحد سُكان عمارة فيصل فإنهم على مدار السنوات الماضية ينتظرون محصلى الشركة لدفع المبالغ المطلوبة، ولكنهم يتكاسلون عن الصعود واللف على الشقق لتحصيل المبالغ المطلوبة، وتساءل هل يعقل أن يتكاسل أحد السكان لمدة 13 عامًا عن الدفع؟، مضيفًا: "مش ممكن كمان هيجى كل شهر مش هيلاقى حد فى الشقة، وبعدين العمارة بتاعتنا كلها شغالة بماتور واحد، يعنى من الممكن يعطى الفاتورة لأى حد من العمارة وهو هيتصرف".

وعن حل المشكلة التى وقع فيها السُكان يقول أحدهم: "دلوقتى الفلوس تراكمت علينا، وهما جم من غير أى كلام شالوا العداد ومشيوا، وإحنا بنحاول نلم الفلوس ولو بشكل مبدئى نصفها، علشان يوصلوا المياه"، مضيفًا: "تم فصل العداد عن العمارة وقطع المياه، دون سابق إنذار من الشركة".

وفى منطقة عين شمس بالقاهرة، كان لـ"بلدنا اليوم" لقاء آخر، حيث وقع عدد من السُكان فى شباك النصب دون أن يعلموا ذلك، فالمشهد عبارة عن عمارة جديدة تعرض للبيع، وعلى الفور توافد عليها السُكان من كل مكان، وبالطبع تمت البيعة بسلام، وأنهى المقاول عمله، لتبدأ التفاصيل الجديدة المؤلمة مع المواطنين، حيث فوجئوا بانقطاع المياه عن العمارة، وفعلت الشركة ما فعلته مع العمارة سالفة الذكر فى منطقة فيصل، يقول أحد السُكان: لقد فوجئت بالأمر وعلى الفور توجهت إلى الشركة لمعرفة سبب انقطاع المياه وكانت المفاجأة "عليكم فلوس يا أستاذ ولازم تندفع".. هكذا قابلهم موظف شركة المياه، مؤكدين أن العمارة تستهلك عداد المياه منذ عام 2016، ولم يتم دفع الفواتير حتى الآن، وبالفعل تبين أن صاحب العقار، قدم على عداد مياه، وبدأ به العمل فى العمارة منذ أول يوم، حتى انتهى من العمارة، دون أن يدفع أى مبالغ مالية مقابل استهلاكه، ونقل من المكان للعمل فى مكان آخر، الأمر الذى عاد على السُكان بالضرر، وأصبحوا مضطرين للدفع من أجل توصيل المياه، أو العيش بدونها.

لا تراكمات

قال اللواء حسن عبد الغنى، المتحدث باسم الشركة القابضة للمياه، إن شكاوى المواطنين من تراكم فواتير المياه حالات فردية، مؤكدا أن الشركة تتعامل مع أى شكوى ترد لها على الفور وتقوم بفحص هذه الحالات حتى تعمل على حلها.

وأوضح أن سبب المديونيات هم المواطنون أنفسهم بسبب تراكم فواتير المياه التى لا يريدون استلامها أو يستلمونها ولا يقومون بتسديدها مما يؤدى إلى تراكم المديونيات على بعض الشقق والعقارات، لافتا إلى أنه رصد بعض الحالات كان يأتى المحصل بالفاتورة للعقار ويقوم اتحاد الملاك بإعطائها لحارس العقار ويقوم بإبلاغ المواطنين الذين يتهربون من دفع الفواتير حتى تتراكم عليهم، فيجب أن يكون هناك تعاون من المواطن مع الشركة.

وأضاف "عبد الغنى" أن هناك مشكلة أخرى وخاصة مع المواطن الذى يقوم بشراء شقة جديدة بسبب تراكم المديونيات على العقار، وخاصة أن المقاول أو صاحب العقار يقوم بتركيب عداد تجارى إنشائى لبناء العقار، وبعد الانتهاء من الإنشاء يقوم بتسديد المبلغ وتغيير العداد من تجارى إنشائى لمنزلى، ولكن المقاول يقوم ببيع الشقق ولا يقوم بتسديد الفاتورة أو تغيير العداد، وبالتالى يتم قطع عداد المياه حتى يقوم الأهالى بسداد المديونية حتى لا يتم قطع المياه عنهم؛ لأن هذه المبالغ أموال دولة ويجب أن تسدد، مناشدا جميع المواطنين قبل استئجار شقة الاستفسار عنها سواء فى شركة المياه أو شركة الكهرباء.

ويؤكد أيمن حمزة المتحدث الرسمى باسم وزارة الكهرباء، أن جميع المحصلين يعملون بشكل مستمر على مستوى الجمهورية، مؤكدا أنه لا توجد تراكمات أو مديونات على المواطنين من قبل وزارة الكهرباء، وتعتبر مثل هذه الحالات حالات فردية، والوزارة تتعامل مع مثل هذه الأحداث بشكل مستمر ونقوم بحلها فى أسرع وقت.

السمسار أصبح كالسايس

قال النائب بدوى النويشى، عضو اللجنة المحلية فى مجلس النواب، إنه لا يوجد حتى الآن قانون فى البرلمان المصرى، ينسق عمل السماسرة وبائعى الشقق السكنية، ولكن إذا طرح الإسكان الشقق التى يتم إنشاؤها للبيع يكون لها شروط وقوانين، والشراء من المواطنين والتعامل معهم يتم وفق هذه الشروط، ولكن القطاع الخاص لا يوجد بشأنه شروط أو قوانين تنظم الأمر، وفى الغالب يوجد تنظيم فيما بينها من اتحاد ملاك.

وأكد أنه من الممكن أن تتقدم لجنة الإسكان فى الفترة المقبلة بسن قانون ينظم حركة السُكان فى القطاع الخاص، وينسق التعامل والعلاقة بين المالك والمستأجر فى الأملاك الخاصة وليست الحكومية، مضيفًا أن السمسار أصبح كالسايس الذى يقف ينظم حركة السيارات فى الطريق ويسعى إلى الحصول على أكبر قدر من الأموال من المارة على الطريق، ويجب أن يكون هناك مكاتب عقارية تسعى لتنسيق هذه الأمور بين الملاك والمستأجرين من خلال القوانين العرفية التى ترضى الجميع.

وأضاف النويشى أن القانون الذى يجرى الآن فى المدن والأحياء السكنية، هو أن يلتزم كل مواطن أقدم على إيجار شقة بوضع جميع بياناته فى قسم الشرطة التابعة له المنطقة، وذلك لعدم ارتكاب أى جرائم، أو استغلال هذه المساكن فى أعمال إجرامية، كاستغلالها فى تنفيذ العمليات الإرهابية، كما حدث من قبل فى منطقة المريوطية، وتم استهداف حافلة سياحية.

وأشار إلى أن جميع المواطنين الذين يلجأون إلى الإيجار لو التزموا بالبيانات التى أعلنت عنها وزارة الداخلية فى تقديم الأوراق الكافية التى تثبت موعد بدء الإيجار، فلن يقع أحدهم ضحية استغلال السماسرة ولا أصحاب العقارات، لأن الحى سيكون على علم بكل التفاصيل التى تدور وبالتالى إذا حدثت أى مشكلة كتراكم مديونيات على الشقق، أو غيرها بين المالك والمستأجر سيلجأون إلى المباحث التى عندها كل التفاصيل.

وتابع: يجب توثيق عقد الإيجار لمعرفة من المالك ومن المستأجر؛ لأنه وقتها يتم وضع الشروط التى يسيرون عليها، ويعرف إذا كان العقار خاليا من المديونيات أو عليه مخالفات قديمة، وهذا هو الصحيح الذى يجب أن يسير عليه المواطنون، وبالتالى إذا كان هناك مكاتب عقارية فى هذا الوقت، سيكون التوثيق فى كل المعلومات هو الحل الذى سيسير عليه جميع المواطنين.

واستطرد: العديد من المواطنين أصحاب المنشآت السكنية يستغلون المياه والكهرباء فى بناء العمارات، وبالتالى من يتحمل هذه التكاليف فى هذه الحالة الإسكان التابع للدولة فهو شىء طبيعى تتحمله الدولة ذاتها لاستكمال مشاريعها، ولكن إذا كان فى القطاع الخاص، فمن استخدم هذه المياه والكهرباء يتحمل كل هذه المبالغ المالية التى ستأتى سواء كان المالك أو المستأجر، كل على حسب الاتفاق الذى يجرى بينهما، ولكن فى كل الحالات يجب أن يكون هناك قانون ينسق هذه العلاقة للحد من هذه الأموال المهدرة والحفاظ عليها.

إثبات المديونيات فى العقد

وعلق النائب إيهاب منصور عضو لجنة الإسكان فى مجلس النواب، بقوله إن المديونيات المتراكمة على الشقق السكنية فى الغالب تدفع على حسب الاتفاق الذى يتم بين المالك والمشترى أو المستأجر، فإذا تم الاتفاق على أن يدفعها صاحب العقار فلا يكون على المشترى شىء ويجب إثبات ذلك فى العقد بينهما، أمَّا إذا اتفقا على أن يدفعها المستأجر فلا يكون لصاحبها شىء وفقًا للعقد الموثق بينهما فى الشهر العقارى، أو فى مكتب عقارات خاص.

وأضاف أنه يوجد قانون فى البرلمان يسمى قانون التصالح، وهو يعنى إذا سكن أحدهم فى شقة مخالفة وكان يعلم ذلك، فعلى الفور يدفع غرامة مالية لأنه كان يعلم ذلك، وبعد الدفع يحق للمستأجر أن يعود على صاحب العقار بالمبالغ المالية التى دفعها قانونًا.

وأكد عضو لجنة الإسكان، أن المفترض أن يُسن قانون ينظم العلاقة بين مُلاك العقارات والمستأجرين، ويضم إليه أعمال السماسرة ومكاتب العقارات الخاصة، لأنهم يستغلون فى الغالب هذا الأمر من أجل تحقيق المكاسب المالية وهم على علم بأن العقارات عليها مديونيات، وأيضًا يحتاج هذا الأمر إلى تقنين حتى لا يتم عمليات نصب على المواطنين؛ لأنه فى الغالب يدفع المواطن النسبة وبالتالى يتوجب أن يكون مطمئنًا فى دفع أمواله وأنها فى أيد آمنة.

وعلق منصور على سرقة المياه التى تتم خلال عمليات إنشاء العقارات، بأن على شركات المياه أن تتعاقد مع شركات تحصيل للأموال، وهم يستهدفون تلك المنشآت الجديدة التى تستغل العدادات فى بدء الأمر ولا يدفعون المياه، وتتراكم على المواطنين الذين يشترون الشقق.

ليست إهدارًا للأموال العامة

ويرى الدكتور أمجد عامر خبير التنمية المحلية على الأمر أن المديونيات الموجودة على العديد من العقارات بشتى المناطق ليست إهدارًا للأموال العامة فى الدولة؛، لأنها عبارة عن حقوق معروفة ومسجلة يتم دفعها ولكن على فترات طويلة المدى.

وأضاف أن المديونيات التى تتراكم على السُكان بسبب إهمال المحصلين فى جمع الأموال وعدم أداء عملهم عبارة عن أخطاء فردية، ويجب أن يحاسب عليها القانون ويعاقب عليها المحاسب ومديره الذى لم يراع الأعمال الواجبة إنجازها.

أكد أن المواطنين الذين يقعون فى شباك النصب من قبل السماسرة أو أصحاب العقارات ويفاجأون بمديونيات على الشقق يتحملون بسبب أخطائهم فالواجب عليه السؤال أولا ومعرفة موقف السكن من الناحية القانونية، ومن ناحية المديونيات المتراكمة عليه أم لا.

وأشار خبير التنمية المحلية إلى أن الحى والإدارة الهندسية فى المنطقة ملزمان بالرد على أسئلة المواطنين حول قانونية السكن وموقفة القانونى والترخيص سليم أم لا، متابعًا: المواطنون الذين يلجأون إلى العقارات المخالفة بسبب رخصها يتحملون أيضا أخطاءهم.

واستطرد: هناك أخطاء كذلك من الهيئات الهندسية والأحياء، الذين يتركون المواطنين يبنون منشآت وعمائر، ويستغلون المياه دون قانون، ولا يتفاعلون معهم قانونيًا، مضيفًا: أن الطلاب الذين يأتون من المحافظات الأخرى، يجب أن يوثقوا العقد فى أقسام الشرطة حتى لا يتعرضوا لعمليات نصب من السماسرة أو الملاك.

اقرأ أيضا