من فم العدو دون أن يتكلم.. الرائد محمد الحسيني يروي ل"بلدنا اليوم" كواليس النكسة حتى الإستنزاف

الاربعاء 06 أكتوبر 2021 | 06:38 مساءً
كتب : عمر يوسف

يحتفل اليوم الأربعاء، المصريون بالأخص، والوطن العربي عامةًا، بالذكرى ال48 من حرب الكرامة، الحرب التي ردت للمصريين شرفهم، بعد نكسة لحقت بالقوات المسلحة والمصريين ، في الخامس من يونيو 1967، الحرب التي غيرت من إستراتيجيات القتال على مستوى العالم، لما شهدته من تكتيكات قتالية غير مسبوقة، إنها العملية بدر، أو المآذن العالية، حرب السادس من أكتوبر 1973.

وبمناسبة تلك الذكرى العزيزة، الغالية على قلوبنا، يسر جريدة "بلدنا اليوم"، أن تقدم لحضراتكم سلسلة من الحوارات الشيقة، مع أبطال من قلب المعركة، عاشوا حلاوة الانتصار ومرارة الهزيمة.

هو عالم تحيط به السرية من كل جوانبه، يجلسون مع العدو دون أن يشعر بهم، يروا العدو ولا يراهم، يعرفوه ولا يعرفهم، يستمعوا إليه ولا يستمع إليهم، يعرفون عنه ما لا يعرفه أقرب الأقربين، يعشقون الظلام لحبهم الشديد في النور، إنهم رجال الإستطلاع اللاسلكي، التابع لجهاز المخابرات الحربية المصرية، وفي هذا الحوار، دعنا عزيزي القارئ أن نستمع إلى ما قاله العدو، دون أن يتكلم.

كل ما عليك هو الإستعداد للغوص في أعماق بحار المعلومات، تحت قيادة الرائد محمد الحسيني، أحد أبطال الإستطلاع اللاسلكي، منذ فبراير 1964 إلى ديسمبر 1972.

البداية

نشأ الرائد محمد الحسيني نشأة وطنية خالصة، حيث ولد عام 1946، بمحافظة الدقهلية، في مدينة المنصورة، وعاصر أهم الأحداث التي مرت على البلاد طوال تاريخها، من جلاء الإنجليز وتأميم قناة السويس، والعدوان الثلاثي، مرورًا بالنكسة، وصولًا إلى حرب الكرامة، السادس من أكتوبر 1973.

يقول الحسيني: رأيت الإلتفاف المورث حول الجيش من جيل إلى جيل، ففي الخمسينات، كان الشعب المصري يساعد في تمويل الجيش لتسليحه، وكان الفنانون ينزلون في الشوارع، ويجمعون الأموال وكل ما يساعد في تمويل الجيش وكان للفن والإعلام دور كبير في هذه الفترة، لزيادة الإنتماء والوطنية بين عموم الشعب.

وتابع: حصلت على شهادة الثانوية العامة، من مدرسة المنصورة الثانوية بنين، بمجموع 60 في المئة.

وأضاف: أُصبت بمرض الملاريا أثناء فترة امتحانات الثانوية العامة، فكنت أعاني من إرتفاع وإنخفاض في درجات الحرارة، وكان معي منديل مبلل، أستخدمه في حالة إرتفاع درجة حرارة جسدي أثناء الامتحانات، عن طريق وضعه على جبهتي، لهذا تفاوتت درجاتي، حصلت على 2 من 20 في امتحان الجبر، بينما تحصلت على 19 درجة من 20 في امتحان الميكانيكا.

وأكمل: عند علمي بمجموعي وهو 60 في المئة، لم يتوفر لي سوى خيارين، إما إعادة السنةللحصول على درجات أعلى، أو التقدم لإحدى الكليات العسكرية أو الشرطة.

الكلية الحربية

يقول الحسيني: تقدمت في إختبارات الكلية الحربية للإلتحاق بها، ولم أجد صعوبة كبيرة بإختباراتها، نظرًا لكوني مواطن ريفي، أتمتع بصحة جيدة من الصِغر، فكنت مثل باقي جيلي، نساعد الأهل في أعمال الزراعة، بالإضافة إلى ممارسة الرياضة، والذهاب في معسكرات شبابية بصحبة المدرسة.

وتابع: علمت بقبولي في الكلية الحربية، فطُلِب مني حلق شعري وإستلام المهمات الخاصة بي.

وأضاف: تخصصت في سلاح الإشارة، وتخرجت في الكلية الحربية على قوة الدفعة 45، في فبراير 1964، ثم إنتقلت للعمل بسلاح الإستطلاع اللاسلكي، ويسمى الآن بالحرب الإلكترونية، التابع لجهاز المخابرات الحربية.

بداية الخدمة

وعن بداية عمل الرائد الحسيني بصفوف القوات المسلحة، يقول: بدأت عملي بسلاح الإشارة على رتبة ملازم، وحصلت على الفرقة الأساسية لسلاح الإشارة، بمدرسة الإشارة، وتدربت التدريبات التخصصية للسلاح، ودراسة معلومات الإتصالات، وفي تلك الفترة، كان هناك إتجاه لإنشاء سلاح الإستطلاع اللاسلكي، لذا تم طلب 3 ضباط متميزين من سلاح الإشارة، ليكونوا نواة لسلاح الإستطلاع اللاسلكي.

وواصل حديثه قائلا: كان لي الشرف بكوني من ضمن الثلاثة ضباط المختارين لإنشاء الإستطلاع اللاسلكي، إذ كنت من أوائل الضباط الذين عملوا بأول كتيبة للإستطلاع اللاسلكي، التابع لجهاز المخابرات الحربية.

وأكمل: الإستطلاع اللاسلكي هو تنصت على موجات وترددات العدو اللاسلكية، عن طريق أجهزة إستقبال لاسلكي، تقوم بالدخول على شبكات وإشارات العدو، ثم تتم عملية التوليف على الشبكة، وبعد ذلك يتم تحديد مكان الموجة أو الإشارة المستهدفة عن طريق أجهزة متخصصة، ثم تُلتقط المعلومة سواء إن كانت واضحة أو مشفرة، حيث يتم تحليلها بغض النظر عن نوع المعدة الملتقط منها الإشارة، كالطائرات أو السفن أو المركبات، وحتى مراكز العمليات والقيادة.

النكسة

وبخصوص نكسة 1967، يقول الحسيني: لم تكن حرب، والخسائر كانت ناجمة عن إنسحاب أحمق غير منظم، مؤكدًا إنه لو تم التمسك بالأرض وعدم الإنسحاب منها، لكانت الخسائر أقل من ما كانت عليها، حتى في ظل عدم وجود غطاء جوي، مسترشدًا في حديثه بموقعة كبريت، التي رفض قائدها الشهيد إبراهيم عبد التواب ترك موقعه، وفضل المواجهة التي إنتهت بإنتصار قواته بدون غطاء جوي.

ويكمل: جميع العوامل توافرت لإسرائيل في تلك الضربة، من خلال معلومات إستطلاعية من الطائرات والسفن الأمريكية، وإمدادهم بالأسلحة الحديثة، بالإضافة إلى جعله مستعدًا للقيام بتلك الضربة في الوقت المناسب.

وتابع: كان موعد الخامس من يونيو 1967، مدبرًا حيث كانت غالبية القوات في اليمن، بالإضافة إلى إنهيار اقتصادي ضرب البلاد، ووجود قوات إحتياطية غير مدربة، إذ كان يتم إستدعائها وهم يرتدون الجلباب، ولا يفقهوا أي شيء في الأمور القتالية.

وأضاف: خدمت بأول وحدة للإستطلاع اللاسلكي عام 1965، بمرسى متروح، وكانت وحدة تحديد الإتجاه الإستراتيجي، وأماكن محطات اللاسلكي المعادية، بشرق المتوسط، وبدخول عام 1967، توليت قيادة فصيلة إستطلاع لاسلكي بالعريش.

الرابع من يونيو 1967

الهدوء الذي يسبق العاصفة، تلك العبارة هي الوصف الدقيق لما سيخبرنا به الرائد الحسيني الآن: لاحظنا صمت لاسلكي تام بأجهزة وإشارات العدو، بالتزامن مع ورود تقارير من مكتب المخابرات بغزة، تفيد بسماع إشارات من مطار بئر سبع، تتضمن إستعداد الطائرات الحربية، للقتال، عن طريق التوليف على ترددات العمليات.

الخامس من يونيو 1967، السابعة صباحًا

يقول الحسيني: رصدت وحدة إستطلاع تكتيكي بطارة أم بسيسة الأمامية في أبو عجيلة، إشارة من قائد لواء مدرع إسرائيلي، يأمر جنوده بعبور الأراضي المصرية في التاسعة صباحًا، وكان ذلك بالتزامن مع رصد إبرار جوي بالمروحيات الإسرائيلية، حيث قامت بإختراق الحدود المصرية من خلف قيادة الجيش، بمنطقة بئر جفجافة، ثم قاموا بتقطيع جميع أسلاك الاتصالات التابعة للجيش.

8:40 دقيقة صباحًا

رأيت من مكان تمركزي، مقاتلات إسرائيلية قاذفة من طراز أرجون الفرنسية، وهي تقوم بضرب مطار العريش، وقامت سرية دفاع جوي بالإشتباك مع المقاتلات، وتمكنت من إسقاط طائرة.

وتابع: إنتهت الموجة الأولى من الضربة الجوية، ولم يمر وقت طويل، وأتت الموجة الثانية، وضربت وحدتي، وكانت خسائري إصابة جندي وتلف بعض الأجهزة.

وأضاف: إنتقلت إلى موقع تبادلي، على طريق أسفلتي، بمدخل العريش تجاه غزة، وإستمريت في هذا الموقع، حتى الساعة الرابعة مساءًا، وفي تلك اللحظة، إستمعت إلى أصوات لدبابات ومركبات، وبإختلاس نظرة من مكاني، رأيت عدد 10 دبابات إسرائيلية، و10 نصف مجنزر.

بعد النكسة

كان الحزن والخذلان هو الشعور المسيطر على جميع المصريين، فكيف للدولة التي تمتلك صواريخ كالظافر والقاهر والناصر أن تنهزم تلك الهزيمة؟ أين الضباط الذين تم إعطائهم إمتيازات لحجز سيارات نصر 1100 و1300؟ أين القوات التي تحقق إنتصار تلو الآخر؟

وتابع الحسيني: وكعادة الشعب المصري، إلتف حول قواته، وظهر ذلك ععقب سلسلة الضربات الجوية المصرية في 13 و14 يونيو 1967، على المواقع الإسرائيلية، وضرب المدمرة إيلات، وعمليات الشهيد إبراهيم الرفاعي الشبه دائمة خلف خطوط العدو، وبناء حائط الصواريخ الذي أسقط ربع القوات الجوية المعادية في إسبوع تساقط الفانتوم أثناء حرب الإستنزاف.

العمليات

يقول الرائد محمد الحسيني: كنا نستمع إلى كل ما يقوله العدو، نتعايش معه دائما عبر الموجات اللاسلكية، نتوقع ما سوف يقوم به، بعد تحليل البيانات والمعلومات، حتى إننا كنا نستمع إلى ما يحدث بين المجندات الإسرائيليات اللائي أرسلتهن القيادة الإسرائيلية إلى الجنود بنقطة بور فؤاد، للترفيه.

ويتابع: كنا نستمع إلى إشارات العدو، قبل ضرب المواقع المصصرية، فنبلغهم بموعد الضربة، وعدد الطلقات المستخدمة حتىى يتجنبووها.

وأضاف: انضمام الجندي الحاصل على المؤهلات العليا، ساهم في إرتقاء مستوى القوات، فكان هناك جندي مميز مؤهلات، يخبرني بكل ما يتعلق بالعدو، حتى إنه في ذات مرة، كان هناك تشكيل إسرائيلي مكون من 4 مقاتلات إسرائيلية، مكود بالكود خليل.

وأكمل: في إحدى طلعات هذا التشكيل، لاحظ الجندي غياب قائد التشكيل تلك الطلعة، وأخبرني بإنه مصاب بنزلة برد، نظرًا لتغير صوته أمس.

وأردف: في إحدى الليالي، رصدنا إشارات بين 4 مقاتلات إسرائيلية من طراز إسكاي هوك، مقدمة على القيام بعملية قصف ليلي على السويس، وبإخبار غرفة عمليات قوات الدفاع الجوي بالسويس، أخطرونا بإنهم لا يروا شيء نتيجة لقيام العدو بالتشويش على الرادارات، فقمنا بإعطاء إحداسيات المقاتلات الإسرائيلية كالإرتفاع، فقامت القوات بفتح النار على الإرتفاع المشار إليه، مما أسفر عن إسقاط طائرة وفشل الهجوم.

ويواصل حديثه قائلا: أثناء مراقبتنا لشبكة مدفعية القطاع الجنوبي الإسرائيلية المواجهة للسويس، إستمعنا إلى إشارة من الإسرائليين، تفيد بسقوط طلقة مدفعية مصرية خلفهم ب100 متر، فعلى الفور، تم التواصل مع العميد الموجي، قائد مدفعية الجيش الثالث، وإخباره بما سمعناه، وبأن طلقة المدفعية سقطت شرق القوات الإسرائيلية ب100 متر، وبعد التأكيد المعلومة، عدلت المدفعية المصرية ضربها، وأخخذت تمطر مكان الإسرائيليين بوابلٍ من النيران، قضد بها على قيادة مدفعية القطاع الجنوبي الإسرائيلي، وأعلنت صحيفة معاريف الإسرائيلية، مقتل شخصية قيادية عسكرية كبيرة على الجبهة، وكان ابن عم رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي أشكول.

وبخصوص نصر 1973، أكد الحسيني معرفته بأن نصر أكتوبر قادم لا محالة، فطبيعة الجندي المصري الشفاف البسيط، تأبى أن تحتل أرضه ويظل ساكنًا، بل إنه سيقدم كل ما بوسعه لإسترداد الأرض.

ولفت الرائد محمد الحسيني، الذي ترك الخدمة في عام 1972، بناءًا على قرار جمهوري من الرئيس السادات، إلى ضرورة تسليط الضوء على جميع أبطال حرب السادس من أكتوبر بدون تمييز، فإختتم الحسيني متسائلا: مَن منا يعلم الشهداء المدنيين الذين فاضت أرواحهم أثناء بناء حائط الصواريخ؟ وناشد الرائد محمد الحسيني، الإعلام بضرورة تسليط الضوء على جميع أبطال أكتوبر، كما طالبه أيضا بضرورة الإرتقاء بالمحتوى الإعلامي، حتى نعود إلى عاداتنا وقيمنا القديمة، ويعود إلى المجتمع الرقي والتحضر، كما كان في السابق.

اقرأ أيضا