علماء النفس والاجتماع يكشفون خطة التخلص من العنف الأسري ضد الأطفال

الجمعة 03 يناير 2020 | 08:56 مساءً
كتب : دينا سليمان

-علماء النفس والاجتماع وخبير قانوني يحللون الظاهرة لـ«بلدنا اليوم»..

التاريخ الأسود لجرائم العنف ضد الأطفال داخل الأسرة المصرية

-استشاري طب نفسي: الانفتاح الاقتصادي بداية ظهور العنف في المجتمع.. وهذا ما فعله الأمريكان بالتعليم

-إيمان تقتل أطفالها الصغار من أجل حصول زوجها على شقة وسيارة من ضرتها العاقر

-سيدة منتقبة تتخلص من طفليها التوأم بطريقة شيطانية

ظاهرة العنف الأسري لا تنحصر على زمان أو مكان معين بل هي موجودة منذ بدء الخليقة فبداية من قصة "قابيل وهابيل" وحتى يومنا هذا، ولا يختلف في ممارستها دين أو جنس أو طبقة إجتماعية.

فمن يقوم بها تختلف فقط عاداته وطباعه التي يتسم بها، وهذه الظاهرة تتطور مع الحياة أي تواكب العصر التي تحدث به، وتختلف أسباب حدوثها ما بين سياسية وإقتصادية، وإجتماعية، وثقافية ولكنها في العصور القديمة كانت بشكل قليل وكان عند وقوعها تهتز لها الوجدان وتقشعر الأبدان، ولكن في زمننا هذا أصبحت وقائع سهل سماعها على الأذن لأننا أصبحنا نستمع بها بشكل يومي بل في اليوم أكثر من مرة.

ومن أبرز مظاهر العنف الأسري التضحية بالأطفال سواء من خلال تعذيبهم بالضرب أو قتلهم؛ لتحقيق أغراض شاذة أو بيعهم أو تركهم في الشوارع كـ"فريسة" يسهل صيدها واستخدامها في الأفعال الغير مشروعة كالتحريض على القتل أو السرقة أو ممارسة أعمال البلطجة والتسول.

وأصبح كل ما يحيط بالمجتمع يحث على العنف سواء المنظومة التعليمية التي فقدت دورها الأساسي والنابع من اسم وزارتها "التربية والتعليم"، أو ثقافة وهي البعد عن القراءة والتطلع، أو دين بعد أن أصبحت المساجد خالية ولا يوجد من يملأها للصلاة وسماع الأحاديث الدينية التي تحث على المبادئ والأخلاق، وسياسية بعد الانفتاح بشكل خاطئ على دول الغرب التي أصبحت تغزو الأوطان بعادتهم.

ولم تسلم الدراما فشاركت هي الأخرى في انتشار الظاهرة وتسهيل طرق اتباعها بل وابتكار طرق جديدة، فالجميع يذكر دور الفنانة الراحلة شادية في فيلم "لا تسألني من أنا" تجسد دور "عائشة" التي تعاني من الفقر، لذا تبيع ابنتها زينب للثرية العاقر "شريفة" شريطة أن تقوم هي برعايتها بصفتها مربيتها.

وتكررت الأعمال الدرامية والسينمائية في تجسيد أدوار العنف داخل الأسرة المصرية لذا قررت "بلدنا اليوم" البحث عن أسباب انتشار تلك الظاهرة التي أصبحت العامل الأساسي في هدم الأسر المصرية.

طبيب دون رحمة

سيدة منتقبة تترك طفلين توأم في حضانة بمنطقة بشتيل بالجيزة على أن تعود لأخذهم؛ ولكنها لم تعد.

وبالتحري عنها تبين أن والدة الطفلين اتفقت مع والدهما "طبيب الأسنان" على تركهم في الحضانة؛ لرغبتهما في الطلاق لعدم موافقة أسرتيهما على الارتباط الذي استمر أكثر من عامين.

العشق الحرام

فقدت سلوى أحمد مشاعر الأمومة من أجل الهروب من ضرب زوجها كي ترتمي في أحضان عشيقها، ولم تكتفي بذلك بل قامت بقتل أطفالها الثلاثة والتي اعتبرتهم عقبة في طريق طلاقها من زوجها كي ترتبط بـ«محمد» الذي تعرفت عليه عن طريق النت، فقامت بقتلهم حتى تنهي زواجها ولا تترك أملًا أو طريق للعودة له مرة أخرى.

قتل الاطفال

حلم الشقة والسيارة

وتركت إيمان منزل أهلها وهربت بعد ارتباطها بعلاقة عاطفية بـ"محمد" موظف أمن بمترو الأنفاق، وعاشت معه قصة حب وتزوجها رغم زواجه من أخرى تكبر عنه "25" عامًا، وأقامت معه في شقة صغيرة وأنجبت منه طفلتين، وحامل بآخر، ثم قررت الزوجة الأولى بعد شعورها بالغيرة من الثانية لإنجابها فرض نفوذها على الزوج الذي أرتبط بها من أجل أموالها، وإجبار "الأم" على قتل أطفالها عارضة عليه مقابل ذلك مبالغ مالية وسيارة ونقل ملكية إحدى الشقق السكنية المملوكة لها.

وأقنع موظف الأمن زوجته الثانية على قتل أطفالها وقامت "الزوجة الأولى" بتوثيق الواقعة من خلال تصويرها فيديو لتقوم الأم بإغراق أطفالها في إناء كبير به ماء وكتم أنفاسهم حتى فارقوا الحياة.

قتل الاطفال

الانفتاح الاقتصادي

من جانبه يقول الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، إن الانفتاح الاقتصادي الذي حدث في عهد الرئيس الراحل أنور السادات كان نقطة فارقة في تاريخ مصر وبداية ظهور "العنف" داخل المجتمع المصري.

وأضاف أن الناس أدركت في هذا التوقيت قيمة السلعة والدولار وبدأت مفاهيمهم حول النقود والأموال تتغير بشكل جذري من خلال الحرص على شراء المنتجات المستوردة وترك المنتج المحلي لفقراء الأموال، ثم ظهور بعض الأمراض الوهابية كـ"الدجل والشعوذة" وهو ما جعل المصريين يتحولون إلى "مسخ" ثقافي - على حد وصفه - بتركهم الثقافة المصرية والتحول لتتبع الثقافات الأخرى.

وأشار "فرويز" إلى أن دخول الأمريكان في منظومة التعليم المصري عام 1978 أدى إلى تدميره وجعل الطلاب تكره الذهاب للمدارس، في تام للرقابة من المسئولين.

وأكد استشاري الطب النفسي، أن الرياضة لها دور أساسي في الحد من ارتكاب الجرائم، وأنه منذ عدة سنوات كانت وزارة الشباب والرياضة حريصة على انتشار مراكز الشباب التي كانت هي سبيل الرفاهية لأبناء المواطنين من كافة الطبقات المجتمعية، وأصبح دورها الآن مقتصر على مباريات القمة فقط.

وأشاد "فرويز" بدور قصور الثقافة من حيث المسرح والسينما والموسيقى لتعليم الأطفال، التي كان يديرها فنانين، ولكن بعد ما أصبح يديرها موظفين انتهى دورها وأصبح يخيم على جدرانها الظلام.

وأضاف أن الإعلام له دور الأعلام كبير في الحث على الأخلاق والفضيلة، لكنه تحول الآن إلى الحث على أعمال البلطجة وتوصيل مفهوم "اللي مفيش في بيته بلطجي حقه ضايع" من خلال أعمال السينما والدراما مؤخرًا، وهو ما جعل تلك الأعمال الفنية المثال والقدوة للشباب، وهذا مايدمر الوعي الفكري للمصريين.

وأوضح أن الثقافة الدينية فقدت قوتها بعدما ترك الناس الحرص على صلاة الجماعة بالمسجد وسماع الأحاديث الدينية، وعدم تتبع الأخلاق في التعامل، وأصبح الزوج لا يراعي الله في تصرفاته مع زوجته ما جعل النفور الزوجي منتشر، وأصبحت الزوجة تكره الحياة معه وبالتالي أصبح العائق أمامها في إنهاء تلك العلاقة الأبناء فتقرر التخلص منهم، أو الزوج الذي ينفر الحياة الزوجية ويبدأ في اتباع العلاقات الغير شرعية فيقرر التخلص من زوجته وأطفاله.

قتل الاطفال

وفي السياق ذاته قالت الدكتورة هبة إبراهيم الشويخ، أستاذ علم الاجتماع، أن انتشار هذه الظاهرة الغريبة على مجتمعنا يرجع إلي الانفتاح دون ضوابط على العالم الخارجي من خلال شبكة الإنترنت، وأصبحت تصدّر العنف من خلال الصورة الذهنية، وغياب العقوبات الحاكمة من خلال المجتمع المدني ومؤسسات الدولة.

وأشارت "الشويخ" إلى خطورة انتهاء الأسر الممتدة وتفككها إلى آسر صغيرة وذلك من خلال وسائل الإعلام الحديثة و"السوشيال ميديا".

وأوضحت أن أثار ذلك خلق جيل غير سوى مصاب بأمراض نفسية وعقلية.

وأضافت أن البعد عن الثقافة الدينية سبب في زيادة ظاهرة العنف الأسري، مطالبة المجتمع المدني بالقيام بدوره الرئيسي في التوعية ونشر الثقافة للمجتمع للتقليل من هذه الظاهرة.

على طاولة القانون

ويقول المستشار عمار القبرصلي، المحامي بالاستئناف، إن ملف العنف الأسري هو أمر ليس بجديد بالنسبة للعالم كله، فقد عانت الإنسانية كثيرًا من العنف تجاه الأطفال والإناث بأشكال متعددة منها التعدي الجنسي والإهمال الجسيم، انتهاءٍ بالوصول لمشكلة أطفال الشوارع نتيجة إهمال الآباء للرعاية والتقويم والمتابعة وتنشئة الأطفال تنشئة سوية، فأصبحت البيئة المحيطة محاطة بالمشاكل المترابطة وتترتب على بعضها البعض أساسها الخلل في منظومة الأسرة نتيجة غياب ثقافة وطرق تربية النشء ورعايته.

وأضاف: "ربما كانت مشاكل العنف الأسري بشكلها المباشر بالتعدي على الأطفال من قبل الآباء والامهات بأشكال القسوة المطروحة حديثًا وصولًا إلى القتل في بعض الأحيان كلها صور جديدة على المجتمع المصري لكنها ظهرت كثيرًا على السطح في الآونة الأخيرة وربما كانت إحدى أسبابها الظروف الاقتصادية التي ساد فيها الفقر والجهل فأصبح الاتجاه إلى تحصيل أسباب المعيشة بالكاد واعتبار التربية والتعليم نوعًا من أنواع الرفاهية ولم يعد المجتمع يهتم بها".

وأشار "القبرصلي" إلى الثقافات القديمة الراسخة من معتقدات خاطئة بأن ممارسة الضرب والقسوة طرقًا للتربية الصحيحة وهي أساليب خاطئة ينبغي توجيه أدوات الدولة لتغييرها وزرع ثقافة التربية القويمة في أذهان الآسر والمعلمين بالمدارس على حدٍ سواء.

وأضاف المحامي بالاستئناف أن بعض حالات العنف والقتل قد تكون ناتجة عن سلوكيات إجرامية ينبغي مواجهتها بنص قانون العقوبات، مضيفًا: "على كل حال لابد من تفعيل خطوط ساخنة ونشرها مع برامج الأطفال يكون اختصاصها تلقي شكاوي الأطفال من التعرض للعنف الأسري والتعامل مع ذلك من خلال أطباء نفسيين لمعالجة المشكلات بالنسبة للأب والأم والتي أدت إلي تعاملهما مع الطفل بهذه الطريقة".

وأشار إلى ضرورة مخاطبة الأطفال وتوعيتهم من خلال المعلمين بالمدارس ومناقشتهم وصولًا إلى تشجيعهم على سرد ما قد يتعرضون له من عنف آسري، وإعداد ملفات بذلك وعرضها من خلال دور التعليم على المختصين النفسيين الذين يتم إعدادهم من خلال هيئة خاصة تتولى هذه المهمة كما يجب استحداث النصوص الرادعة لتهمة الإهمال في تربية النشء كمن يترك أطفاله بالشارع بلا مأوى أو كمن ينفصل عن زوجته ويتبراء كل منهما من أولادهما وينتهي مصير الأطفال إلى الشارع.

وتابع: "علينا أيضًا في ذات المسار أن ندرس أسباب انتشار الطلاق بصورة كبيرة والعمل على الحد منها ولا ننسى دور الإعلام والأزهر بالتعاون مع الجامعات والمدارس ودور المساجد والدعاة التابعيين لوزارة الأوقاف بعمل حملات منظمة هدفها التوعية وفقًا لما تتوصل له الدراسات لهذه المشكلات من هيئات يقوم عليها مختصين".

محامي