من المدرسة لـ الورشة.. حكاية "محمد" مع "السمكرة" وحلمه الذي يسعى لتحقيقه

الاحد 05 يناير 2020 | 07:37 مساءً
كتب : محمد صبحي

سيارات متهالكة، باب هنا، و"كبوت" هناك، وسيارة اختلفت معالمها، انقلبت على الطريق، أدوات سمكرة، وصوت شاكوش يدوي على الصاج المعوج، ليعيده كما كان، أنت الآن في ورشة "السمكرة".

في الخلفية، طفل صغير جمع بعض الصاج والمسامير، في ركن بعيد من الورشة، يلهو ويلعب، إلى أن يسمع صوت ينادي "شاكوش"، ليجري به نحو والده ليناوله إياه، يعمل ويتعلم، إلى أن يخطف لحظة أخرى للهو واللعب.

يبدأ الصغير يومه كمن في عمره، يستيقط من نومه مبكرًا، يرتدي ملابسه، ويتوجه إلى مدرسته الابتدائية، التي تنتهى وقت الظهيرة، لكنه لا ينهيه مثلهم، يعود من المدرسة ليغير ملابسه الجديدة، ويرتدي غيرها، شرط أن تكون قديمة، لا تصلح للخروج أو المدرسة، ويتوجه إلى ورشة والده، ليتعلم "السمكرة".

ما بين حبه لمدرسته، وحبه لتعلم صنعة والده، ظلت دورة حياة الطفل الصغير، لم تتغير، طوال فترة تعليمه، من الورشة إلى المدرسة ومن المدرسة إلى الورشة، لكنه لم ينس اللعب مع أقرانه، ربما تسلل اللعب بعض أوقات يومه، خطف لحظة هنا أو هناك، فلا يمكن أن يكبت تلك الرغبة في مشاركة أصدقائه واللعب معهم.

الأسطى محمد، ذلك الشاب العشريني، صاحب "ورشة سمكرة"، يحكي قصته، وكيف تعلم المهنة، وكيف واصل بين مدرسته والورشة، حتى حصل على شهادة "الدبلوم"، وعن تلك اللحظة الحرجة التي تعرض لها، وعن ذلك الموقف الذي أدى إلى حبسه، وعن تلك اللحظات التي حاول من أكل معه يوما في طبق واحد، وتعلم من والده الصنعة، أن يقضي عليه وعلى مستقبله، وغيرها من اللحظات التي يحكي عنها لـ"بلدنا اليوم".

يبدأ بقصة تعلمه الصنعة، " أبويا هو اللي معلمني، وأنا في ابتدائي كان بياخدني الورشة لحد ما اتعلمت، أنا حبيت الشغلانة وبقيت أروح المدرسة الصبح وبعدها أروح الورشة وفي 3 إعدادي كنت صنايعي، وفضلت في المدرسة والورشة لحد ما خدت الدبلوم وباجي الورشة من الضهر ولو فيه درس بروح وبعدين أجي الورشة أخلص الورشة الساعة 8 أو 9 وبعدين أروح أذاكر وأنام وبعدين أصحي أروح المدرسة وعلى كدا لحد ما خلصت الدبلوم، وفضيت للورشة".

يتابع محمد: "مكنتش بحس إن الموضوع صعب علشان أنا حابب الشغلانة وكنت حابب أكمل تعليم".

تتغير ملامحه، ثم يصمت للحظات، وملامح الأسى، باديه على وجهه، ويضيف "أبويا كان معلم كتير أوي، كلهم سابوه وفتحوا ورش وفضلت لوحدي في الورشة، وواحدة واحدة ربني كرمني وبقيت صاحب الورشة واتعلمت الصنعة واتمكنت منها".

يكمل بذات الملامح التي رسمت على وجهه دون رغبة منه، "كان عندي 19 سنة أبويا والصنايعية كلهم سابولي الورشة ومشيوا، وبقيت لوحدي، كنت حاسس إني لسه متملكتش من الصنعة كلها، والكل بيدوس عليا، لحد ما ربنا كرمني ووقفت على رجلي، أبويا كان زهق من الصنعة وبقيت فجأة صاحب الورشة ".

"التحدي"

وفجأة أصبح ذلك الشاب صاحب الـ 19 عامًا، أمام التحدي الأكبر، فعليه إثبات نفسه بسوق العمل، ولثلاث سنوات، ظل في حرب ضروس، ما بين أعداء النجاح، وبين أصحاب السيارات، وإثبات نفسه أمامهم، إلى جانب أنه أصبح مسئولًا عن مصاريف "البيت"، والورشة، وإخوته.

يحكي "السنة الأولى لما الورشة كانت معايا لوحدي كان فيه صنايعي شغال مع أبويا وفتح ورشة بالقرب مننا، كان عايز يقفلي الورشة خالص، وقعد يحارب فيا، مع إن أبويا مربيه من صغره، كان بيقول لأصحاب العربيات هيبوظ العربيات مبيعرفش يشتغل، وكل اللي نفسك فيه، وأبويا سابني في كل دا لوحدي".

ويتابع "3 سنوات فضلت في معاناة، لحد ما وقفت على رجلي وزي ما فيه ناس مطمرش فيها العيش والملح، فيه ناس تمر فيها وفضلت تيجي تساعدني لما أحتاج، وطول ما أنت مجتهد ربنا بيكرم".

ويضف محمد، "لما أبويا سابني مكنش ليا ضهر خالص وحسيت إني وحيد مع إن أبويا عايش، وكل حاجه وحشة كنت بتوقعها، لأني مكنتش لسه وقفت على رجلي".

"الحبس"

"أصعب لحظة عدت عليا في الورشة، لما لاقيت الحكومة، جاية بتقبض عليا، بصفتي حارس للورشة، واتحبست 7 أيام بسبب إن أبويا مكنش بيدفع تأمينات، والحمد لله اتصرفت ودفعت 37 ألف جنيه علشان أخلص المشكلة".

"السند"

بعد فترة من المعاناة، والوقوف وحيدًا في الورشة، أنهى الأخ الأصغر، تعليمه، وحصل على الدبلوم هو الآخر، " أحمد أخويا جه وقف معايا في الورشة بعد ما خلص الدبلوم وعلمته الصنعة والحمد لله وقف في ضهري وربنا كرمني أخر كرم، وفضل معايا في الورشة، لحد ما دخل الجيش، وكان بييجي يشتغل معايا في الأجازة، والحمد لله خلص فترة تجنيده على خير".

بعد أن تركه والده، لم يبكي ولم ييأس، وساعد أخته، واشترى لها "الجهاز"، "الحمد لله جوزت أختي، وجوزت نفسي من الورشة، وربنا يعيني وأجوز أخويا الصغير، ويفضل جمبي، سند وضهر".

ويختتم محمد حديثه " كل اللي عايزة أعلى اسم الورشة وأفضل أنا وأخويا جمب بعض ونشتري بيت لينا مع بعض".

اقرأ أيضا