"هامش الربح وتوزان السوق".. تسعير المحاصيل الزراعية أزمة لا تنتهي

الاثنين 20 يناير 2020 | 04:22 مساءً
كتب : مصطفى محمود

يعتبر تسعير المحاصيل الزراعية بما يحقق هامش ربح للفلاح، من العوامل الضرورية التي يقوم عليها الاقتصاد الزراعي المصري، ذلك الأمر الذي يضمن استمرارية الإنتاج الزراعي وضمانه.

وقد صرح السيد القصير، وزير الزراعة، إن تحديد أسعار المحاصيل الزراعية، ليس مهمة وزارة الزراعة فقط، ولكن هناك أكثر من وزارة معنية بالأمر، مضيفًا أن هناك اعتبارات كثيرة في الأمر، متابعًا: "على سبيل المثال زيادة أسعار توريد محصول قصب السكر، قد ينعكس على زيادة أسعار المنتج النهائي، أو زيادة خسارة الشركات، ما يعني ضرورة ضبط أطراف المعادلة بما يضمن تحقيق توازن في الشارع المصري".

كما أشار إلى أن التكلفة الإنتاجية لزراعة محصول قصب السكر للفدان تبلغ 17.5 ألف جنيه، في حين أن الإنتاج يترواح من 30 إلى 45 طنًا للفدان الواحد، وهذا يعني أن مقابل توريد الفدان وفقًا للسعر الحالي، يبلغ 34 ألف جنيه، متابعًا: "اللي الفدان بينتج عنده أقل من 25 طنًا ده فشل، لأن هناك من ينتج أكثر من 45 طنًا للفدان الواحد".

وأضاف الوزير، أنه يتم منح المزارعين قروض ميسرة بنسبة فائدة 5%، بالإضافة لتحمل الوزارة تكاليف المكافحة، وهذا بدوره يساهم في دعم الفلاح بشكل كبير.

ذلك الأمر يستدعي النظر في آلية تسعير المحاصيل، وضمان ذلك في تحقيق هامش ربح للفلاح، وتأثير ذلك على المستهلك.

تسعير المحاصيل

وقال الدكتور عباس الشناوي، رئيس قطاع الخدمات بوزارة الزراعة، إن الوزارة تقوم بتسعير المحاصيل، من خلال احتساب التكاليف الكلية للإنتاج بداية من الزراعة إلى الحصاد، ويتم تحديد متوسط الإنتاج للفدان، بحيث أن هذا المتوسط يضاف في السعر، بحيث يمكن لهذا السعر أن يحقق للفلاح عائد ربح من الإنتاج الخاص به.

تداول السلعة

وأشار، إلى أنه يتم احتساب خدمة الأرض بالكامل من رعاية وري والأسمدة وتكاليف الحصاد، حتى يقوم بتجهيز الأرض ورعاية المحصول إلى أن يتم تعبئته في الأجوالة أو الأشياء الخاصة به، وبعد ذلك يتم إرساله للجهات المختصة والتي ستكون مسؤولة عن التسعير والذي يكون له علاقة بوزارة التموين أو الشركات القابضة لمحاصيل القصب والسكر أو القمح أو خلافه من الوزارات المختلفة، بحيث أن هذا السعر يكون مجزياً لا مغالاة فيه، لا يتعرض فيه المزارع للخسارة، أو أن يكون فيه مجاملة للمشتري، بحيث أن كل ذلك يصب في مصلحة المواطن المصري في هيئة أشياء مصنعة، إذا تم المغالاة فيها سيتم المغالاة في المادة المصنعة التي سيشتريها المواطن المصري، فيجب أن يتم التسعير بدقة بحيث أنه يحقق هامش ربح للمزارع والمصنع، وفي النهاية تداول السلعة داخل الدولة المصرية لا يحقق شرود في الأسعار بالنسبة للمستهلك المصري.

من جانبه، علق حسين أبو صدام نقيب الفلاحين، بأ ن تسعير المحاصيل، يتم بتضافر جهود ثلاث وزارات الزراعة والتموين والمالية، لكن وزارة الزراعة طرف أصيل في تحصيل المحاصيل؛ لأنها التي تضع فرق السعر بين تكلفة الإنتاج والبيع، فيجب أن يكون هناك هامش ربح، فترسل تقريراً مفصلاً بتكلفة الطن للمحصول، لكن الاتجاه السائد هو الارتباط بالسعر العالمي.

خطأ فادح

وأكد، أن الارتباط بالسعر العالمي يعتبر خطئاً فادحاً؛ لأن السعر العالمي يمكن أن يؤدي إلى ضرر بعض المزارعين، بسبب اضطراب السعر وتقلبه من آن لأخر في ارتفاع وانخفاض مستمر، مما يؤثر على الزراعة بصفة عامة، لكن يفترض الاعتماد على المادة 29 من الدستور كمعيار للتسعير، والتي تنص على أن تلتزم الدولة بشراء المحاصيل الأساسية بهامش ربح، ووزارة الزراعة هي المسؤول الأول عن هامش الربح باعتبارها التي تعطي تقريراً عن تكلفة المحصول وإنتاجه والسعر الذي يمكن أن يكون فيه هامش ربح بالنسبة للمزارع.

وطالب نقيب الفلاحين، وزارة الزراعة، بأن تطلع بدورها بأن تكون محامياً للمنتجين الزراعيين، باعتبارها ممثل للمزارعين في هذه اللجنة، لأن اللجنة لن تتخذ قرارها بدون موافقة وزارة الزراعة.

تملص من المسؤولية

وأكد، أن قول وزير الزراعة تحديد أسعار المحاصيل الزراعية، ليس مهمة وزارة الزراعة فقط، هو تملص من المسؤولية الملقاة على عاتق وزير الزراعة وهو خروج السعر فيه هامش ربح للفلاحين، وقد يضع الفلاحون هامش ربح كبير، لكن وزارة الزراعة عليها أن تضع هامش ربح مناسب بحيث يرضي المزارعين بقدر ما تنظر وزارة التموين للسعر للمستهلك بيحيث يكون مُخفض.

وأشار إلى أن وزير الزراعة، ينظر في تسعير المحاصيل من اتجاه واحد وهو الإنتاجية، لكن هناك معايير أخرى غير إنتاج المحصول، وهي معايير ارتفاع أسعار المستلزمات الزراعية من أسمدة وتقاوي وخلافه،

وتابع:" ووزير الزراعة يقيس على أن الفلاح يحصل على السماد بسعر مدعم إلى أن الفلاحين معظمهم يلجأ للسوق السوداء، ويشترون الأسمدة بأسعار مضاعفة؛ نظراً لأن الأسمدة المدعمة لا تكفي حاجته، فحسابات وزير الزراعة غير دقيقة بالمرة، مع التغيرات المناخية التي قد تؤدي في بعض الأحيان لنقص الإنتاجية، بدون أن يكون للفلاح يد في الموضوع، وكذلك انتشار الآفات مثل وقلة الدعم لها فهذا يشكل عاملاً آخر، فوزير الزراعة يجب أن يسمع للفلاحين على أرض الواقع، ولا يكتفي بقراءة التقارير التي تجور على المزراعين".

اقتصاد السوق

فيما قال الدكتور جمال صيام خبير الاقتصاد الزراعي، إن الاقتصاد المصري يسير وفقاً لما يسمى باقتصاد السوق الذي يعتمد على العرض والطلب، مما يعني أنه يتأثر بالظروف المحلية والأسعار العالمية، لكن هناك بعض المحاصيل الاستراتيجية هي التي كانت الحكومة تقوم بتسعيرها كمحصولي قصب و بنجر السكر اللذان تحدد سعرهما شركات قطاع الأعمال الحكومية، وكذلك محصولي القطن والقمح ولكن الحكومة تخلت عن تسعيرهما، اللذان كانا يتم تسعيرهما بسعر التوريد.

وأوضح "صيام"، أن هذه المحاصيل الأربعة كانت الحكومة تتداخل في تسعيرهم ومازل الأمر جارياً حتى الآن فيما يخص محصولي القصب والبنجر باعتبارها المشتري الوحيد لهما من خلال الشركات وسعرهما يتوقف على المؤشرات العالمية، أما محصول القطن فقد تخلت الحكومة عن تسعيره وفقاً لما يسمى بـ"الضمان"، وهو ما تسبب في انهيار زراعة القطن ليصل إلى مساحة أقل ما يمكن وصلت إلى 200 ألف فدان في الموسم، متوقعاً بأنه طالماً لم يتم الإعلان عن سعر الضمان، فسيعزف الفلاحين عن زراعة القطن في الموسم القادم وسينتهي تماماً.

وأشار خبير الاقتصاد الزراعي، إلى أن الفلاحين اضطروا لبيع محصول العام الماضي بحوالي 2100 جنيه، وهذا في ظل إنتاجية منخفضة تصل إلى 7 قناطير بحد أقصى، فهذا لا يغطي أي هامش ربح قد ينافس أي محصول آخر.

وتابع: " أما القمح، فالحكومة كانت مستمرة في دعم السعر الخاص به، فكان يتم دعم سعره بحوالي 20% كنوع من التحفيز لزراع القمح للتوسع في زراعته، ولكن منذ ثلاث سنوات لم توفر الحكومة أي زيادة في السعر، وأصبحت تضع تكلفة القمح وفقاً للسعر العالمي "الروسي".

تحديد الأسعار

وعن حديث وزير الزراعة السيد القصير، إن تحديد أسعار المحاصيل الزراعية، ليس مهمة وزارة الزراعة فقط، لكن هناك أكثر من وزارة معنية بالأمر، وأن هناك اعتبارات كثيرة في الأمر، أكد أن الوزير لم يخطئ في ذلك، لكنه يقع على عاتقه التوضيح للحكومة الخطورة التي ستنجم عندما ينتهي أحد المحاصيل كالقطن، متسائلا:" هل نحن مستعدون لاختفاء القطن المصري بأسطورته العظيمة؟"، كما أن المساحة المزروعة من القمح هذا العام قلت عن العام الماضي مما سيتسبب في الاستيراد من الخارج لتعويض النقص في الإنتاج المحلي، مشيراً إلى أن وزارة الزراعة كانت تعلن عن سعر القمح قبل بداية نوفمبر، ولكن بعد مرور شهرين وحتى الآن لم يتم الإعلان عن سعر استلام القمح من الفلاحين، ويتم فقط تحديد السعر عن الاستلام وفقاً للسعر العالمي.

وأكد أنه لا يمكن الاعتماد على العرض والطلب في ظل وجود الأسواق الموجودة حالياً بطابعها الاحتكاري، متسائلاً:" هل يحترم التاجر السوق؟"، فما يحدث هو ترك المزارع ضحية للتجار، فيجب في البداية العمل على ضبط السوق قبل الحديث عن العرض والطلب، مشيراً إلى أن المزارع مظلوم بالفعل في قضية العرض والطلب، فهناك 85% من المزراعين لا يمتلكون أقصى من 3 فدادين "غلابة جداً"، فكيف يمكن تركهم فريسة للعرض والطلب؟، كما أن محصول مثل القمح بمثابة أمن غذائي، فمع قلة المساحة فسيتم الاضطرار للاعتماد على القمح المستورد.

محامي الفلاح

وشدد على أن وزير الزراعة، يعتبر بمثابة محامي عن الفلاح، وعليه أن يدافع عن قضيته في اجتماع مجلس الوزراء، خصوصاً أن الفلاح هو أضعف الحلقات في المنتجين، فالتاجر له من يدافع عنه في الغرفة التجارية، كما أن الفلاح قطاع مهم جداً فنصف الدولة من الفلاحين، تشكل أكثر من 56% من سكان الدولة وفقاً للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.

وأشار إلى أن الوزارة لا توفر إرشاد زراعي أو بحوث زراعية، وكذلك وجود جمعية تعاونية قوية تدافع عن الفلاح، ثم نستطيع من خلال هذه العوامل أن نقول بعدها يمكن للفلاح مواجهة سوق العرض والطلب.

اقرأ أيضا