خاص| والدة الشهيد إسلام مشهور: "اسمه هو لقبه".. وكان يستعد لحفل الزفاف

الاحد 30 مايو 2021 | 09:43 مساءً
كتب : دينا سليمان

في إحدى شوارع القطامية توجد عمارة سكنية راقية بعد دخولك مباشرة وقبل الصعود ريسبشن الاستقبال تجد فيه صورة كبيرة لشخص يرتدي بدلة العمليات الخاصة التابعة للشرطة المصرية مغلفة بعلم مصر وتحمل اسم الشهيد النقيب إسلام مشهور، لمن لا يعرفه فهو أحد ضباط العمليات الخاصة الذي استشهد في الهجوم الإرهابي على قوات الشرطة بطريق الواحات، يوم الجمعة الموافق 20 أكتوبر 2017 والتي استشهد خلالها 16 بطل من أبطالنا حماة الوطن والذي كان من بينهم «المدرعة» كما كان يصفه أصدقاءه أو «مشهور» كما كان يناديه الجميع.

حوار شهيد الواحات اسلام مشهور

للبطل قصص وحكايات يعلمها كل من كان على علاقة به، ولكن حقه أن تدون بطولاته من أحرف من ذهب داخل مجلدات التاريخ، فقررنا الذهاب لأسرة الشهيد لكي تروى لنا من هو شهيد الواجب الوطنى إسلام مشهور.

حوار شهيد الواحات اسلام مشهور

واجب عزاء

بعد وقوفي بضعة الدقائق أمام الصورة التي أحزنتني على خيرة شباب بلدى الحبيبة، صعدت للدور الأول وأمام إحدى الشقق استقبلتني سيدة بملامح شاحبة تبدو عليها كل أثار الوجع والألم ترتدى الأسود، أثناء الاستقبال استشعرت للحظة الأولى أنني ذاهبة لقضاء واجب عزاء في شخص لم يمر على وفاته سوى ساعات، وليست 4 سنوات، وقفت صامتة أثناء السلام عليها مترددة ماذا أقول ارحب باستقبالها أم أقول لها «البقاء لله».. مشاعر عدة انتابتني وأنا أمام السيدة سوزان مشهور، والدة الشهيد.

حوار شهيد الواحات اسلام مشهور

لحظات واستعدت ذاكرتي أننا في لقاء صحفي لإحياء ذكرى مر عليها 4 سنوات، دخلت للمنزل الذي وجدته عبارة عن استديو يضم مجموعة من الصور لشخص واحد في أماكن مختلفة، وكأن سكانه يريدون أن يكون أمام أعينهم في كل نظرة عين، أو استشعار أنه مازال حيا لم يفارق الحياة ومتواجد معهم في كل لحظة.

حوار شهيد الواحات اسلام مشهور

مشهور المدرعة

بدأت تداول الحديث عن الشهيد البطل إسلام مشهور، التي روت لي الأم الموجوعة التي لم تجف دموعها لحظة في كل حديثها عنه، أن الشهيد هو أصغر أبنائها الذي التحق بكلية الشرطة وتخرج منها عام 2012، عمل بالأمن العام ضابط نظامي بقسم شرطة الزاوية الحمراء، ثم انتقل للمكان الذي كان يحلم الألتحاق به وهو قطاع العمليات الخاصة اقتداء بشقيقه الأكبر، واستطاع مشهور تحقيق بطولات كبيرة من خلال مشاركته الدائمة في العمليات القتاليه ضد أعداء الوطن، والذي لقب بـ«المدرعة» بسبب قوته وجراءته المعهود عنه في عمله.

حوار شهيد الواحات اسلام مشهور

بدأنا نسترجع ذكريات اليوم المؤلم الذي فقدت فيه الأم ضناها، فلذة كبدها، من خلال استرجاع أخر لقاء بينهم، فقالت : «أنه أخر يوم تراه كان صباح يوم الأربعاء الموافق 18 أكتوبر2017، وهو ذاهب لعمله في القطاع الذي كان من المفترض يقضي فيه الشهيد يوما كاملا حتى الخميس حسب خطة العمل، استيقظ من نوعه واستعد للخروج وبعد أداء الصلاة وهو خارج وجد والده ضابط قوات مسلحة على المعاش جالس في الصالة فسأله إذا كان يريد أن يعمل له شيء قبل أن يذهب لعمله، فرد والده بأنه لا يريد شيئًا، وبعد أن تركه الابن وذهب لباب الشقة رجع وقال له: «أنا عاوزك معايا في مشوار عاوز اشتري بدله أحضر فيها فرح واحد صحبي»، واتفقوا على ذلك بعد عودته من القطاع، وخرج الشهيد وعاد مرة أخرى وطلب والده أن يذهب هو لشرائها بشرط أن تكون سوداء اللون، الأمر الذي استغربه الأب، فما هي حالة الارتباك الذي فيها ابنه ولكنه لم يستوعبها في وقتها.

حوار شهيد الواحات اسلام مشهور

المكالمة الأخيرة

ذهب لعمله وانتهى يوم الأربعاء، وانتظرت الأم عودته يوم الخميس لبعد الظهر لم يعد، وبالإتصال به لمعرفة سبب تأخره علمت أنه في مأمورية خارج القاهرة وسيعود منها في اليوم التالي، وكانت هذه هي المكالمة الأخيرة بينهم.

حوار شهيد الواحات اسلام مشهور

المكالمة لم تطمئن الأم كعادتها ولأول مرة ينتابها احساس القلق والتوتر والخنقة والضيق بهذا الشكل الذي جعلها لم تستطع النوم في هذا اليوم وفي صلاة الفجر دعت كثيرًا لأبنائها ولكن كان نصيب الشهيد كبيرًا من الدعاء هذه المرة، ومن شدة القلق لم تستطع الدخول لغرفة نومها وظلت في انتظاره في الصالة حتى استيقظ والده لصلاة الجمعة.

حوار شهيد الواحات اسلام مشهور

قلب الأم

وبصوت خافض بدأت تخرج الكلمات مهتزة قالت السيدة سوزان: «طبعا قلب الأم بقا قولت غايب بقاله يومين أما أقوم أعمله أكله حلوة وبدأت في اعدادها مع ملاحظة إنها الجمعة الوحيدة اللي مفتحتش التلفزيون على صلاة الجمعة ولا استخدمت هاتفي وكأن ربنا لم يريد أن أخذ الصدمة في بدايتها، ومن بعد الصلاة بدأت أتلقى مكالمات هاتفية كثيرة استغربتها جدًا ماسبب تلك الاتصالات».

حوار شهيد الواحات اسلام مشهور

وتابعت: «انتابني حالة من الشك والقلق الكبير خاصة بعد اتصال صديقة لي لم تتعود محادثتي نهارا أبدا بل كل اتصالاتنا تكون ليلا، وبدأت الدموع تتساقط من عيني وقولت لصحبتي هو إسلام حصله حاجة لم أكمل الكلمة فسمعت جرس الباب فقمت مسرعة وفتحت وجدت ولاد الجيران بيبلغوني استشهاد إسلام».

حوار شهيد الواحات اسلام مشهور

خبر كالصاعقة

واستطردت: «الكلمات التي تلقيتها كانت كالصاعقة التي أفقدتني الوعي وبعد إفاقتي رفضت أن أصدق الخبر ».

ومع استمرار تساقط الدموع بغزارة والصوت المتحشرج بالكلام أكدت أنها حتى الأن لم تستطيع تصديق ماحدث.

حوار شهيد الواحات اسلام مشهور

زغروطة الوداع

لحظة صمت غارقة بالدموع ذكرت «أم الشهيد» أنه عقب وصول الجثمان لمستشفى الشرطة يوم السبت صممت على مشاهدته للمرة الأخيرة مع وعود كثيرة بأن تتماسك ورغم كمية المهدءات التي تناولتها قبل رؤيته دخلت وتمت عملية الغسل ولم يتركوا لها سوى وجهه التي أقسمت إنها رأته أبيض ودائر كالبدر رغم أنه كان صاحب بشرة سمراء اللون، ولا يوجد في وجهه أي اصابات وكل ما يبدو عليه أنه شخص نائم فقط، قامت بتقبيله ولم تشعر بنفسها إلا وهي «تزغرط» وبعدها فقدت الوعي.

حوار شهيد الواحات اسلام مشهور

وبعد افاقتها ذهبوا بالسيارات لدفنه في مثواه الأخير في مقابر العائلة بمدينة طنطا التابعة لمحافظة الغربية، والتي قبل استشهاد نجلها طالبت جدته من والده شراء مقابر جديدة لأنها لا تريد بعد موتها دفنها في مقابر العائلة وبالفعل تم عمل المقبرة الجديدة التي يشاء القدر أن يكون أول ساكينيها هو الشهيد إسلام مشهور.

حوار شهيد الواحات اسلام مشهور

ضربة أربي جي

وذكرت «أم الشهيد» كلمات قائد الشهيد الذي ذكر أنه كان بطولي ودائمًا يطلب الشهادة وصاحب مقولة شهيرة «أنا اسمي مشهور وهبقى مشهور» وكأنه يعلم أنه سوف يسجل مشهد بطولي يذكره التاريخ، وحكى لها لحظات الاستشهاد، أن الشهيد استقل أول مدرعة وهنا نسترجع لقب «مدرعة» الذي لقبه به أصدقاءه، وكان يجلس بجواره قائده الذي ينتابه القلق وشدة الأعصاب على عكس الشهيد الذي كان هادئ جدًا ووجهه مرسوم عليه ابتسامة جميلة، ومع هذه الابتسامة تلقى مشهور طلقة من «أربي جي» لم يشعر بها نهائي في جانبه، فنظر لقائده وجد على وجهه بعد الرزاز فقال له «إنت اتصابت يافندم» رد قائده: «لاء يا إسلام مش أنا قول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله» فرددها الشهيد مع ابتسامة غير عادية ولفظ أنفاسه الأخيرة.

حوار شهيد الواحات اسلام مشهور

وبعد استعادة تلك الذكريات المؤلمة انتهى حديثنا مع أم الشهيد التي ذكرت أنه كان خاطب وكان يستعد للزواج، متابعة: «الموت اخططف فرحة قلبي به وحرمني اشوفه وهو عريس أزفة لكوشة الفرح، ولكن قمت بزفته لمثواه الأخير عريس مخلد في الجنة تركنا في حسرة وقهر على فراق الابن البار بأمه وأبوه وأخوته صاحب القلب الطيب الذي كان يحظى بحب الجميع من الجيران والأقارب وأصدقائه وزملاء عمله، فاعل الخير الذي لم تستطيع الحياة الشرطية والتربية العسكرية تفقده حنية القلب فقد كان مخصص جزء من راتبه ويجمع هو وأصدقاءه مبلغ مخصص للصدقات الجارية كل ذلك لا نعلمه إلا بعد وفاته، مواقفة كثير مهما حاولت ذكرها سوف أخذ الساعات والساعات لرويها».

حوار شهيد الواحات اسلام مشهور

رؤية في المنام

واختتمت حديثها بكلمة للشهيد أوجت قلبي جدًا عبرت فيها عن اشتياقها الرهيب له وطالبته أن يأتيها في منامها فهي مشتاقة لرؤيته جدًا، رحم الله الشهيد الذي ضحى بحياته من أجل فداء وطنه من الإرهاب الغاشم الذي أخذ كل عزيز وغالي.

حوار شهيد الواحات اسلام مشهور

- اقرأ ايضا ...لقاء خاص يكشف.. قصة الشهيد البطل أحمد فايز الرجل "القوي" في جهاز الأمن الوطني