من يخلف "ميركل" في ألمانيا؟.. مركز رع للدراسات يوضح

الاحد 26 سبتمبر 2021 | 08:08 مساءً
كتب : مدحت بدران

في يوم السادس والعشرين من سبتمبر الجاري تطوي ألمانيا والاتحاد الأوروبي صفحة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بعد مسيرة استغرقت ١٦ عاما في الحكم، وحاليا. فوفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا حول الشخصية الأوفر حظا لخلافة ميركل، فمن المحتمل وفقاً لها – الاستطلاعات – يفقد الحزب المسيحي الديمقراطي "حزب ميركل" لمنصب المستشار الألماني، ومن ثم تشكيل الحكومة، لصالح مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي.

وعلى الرغم من ترجيحات بعض استطلاعات الرأي لمن يحكم ألمانيا، إلا أنه وبسبب اختلاف هذه الانتخابات التشريعية عما سبقها في السنوات الماضية، يبدو الغموض هو سيد الموقف في الغالب الأعم، بل المسيطر على مستقبل ونتيجة الانتخابات الألمانية، وهو الغموض الذي يثير حاليا التكهنات حول شكل الحكومة الألمانية وسياستها نحو الاتحاد الأوروبي، يذكر أن الانتخابات الألمانية تجرى كل أربع سنوات، وقد جرت العادة على أن يفوز الحزب المسيحي الديمقراطي، ثم يأتي من بعده الحزب الاشتراكي الديمقراطي، غير أن صعود نجم أولاف شولاس في المشهد الألماني قد يقلب الطاولة في هذه المرة.

وفي هذا الصدد نشر مركز "رع" للدراسات الاستراتيجية، تقريرًا للباحثة وردة عبد الرازق، بعنوان من يخلف "ميركل" في ألمانيا؟ وفي هذا الإطار؛ يُلقي هذا التحليل في البداية الضوء على طبيعة النظام الانتخابي في ألمانيا، وأهم ملامح الخريطة الحزبية للمتنافسين في هذه الانتخابات، وكذلك النتيجة المحتملة لها وفقا لاستطلاعات الرأي والسيناريوهات المتاحة.

ملامح الخريطة الحزبية للمتنافسين:

رغم تواجد مجموعة من الأحزاب العريقة على المسرح السياسي في ألمانيا، إلا أن ذلك لم يمنع ظهور أحزاب جديدة استجابة للقضايا الدولية الملحة، مثل الطاقة والهجرة والمناخ، وبناءا على ذلك فإن أبرز الأحزاب السياسيةالمتنافسة، هي :

(1) الحزب المسيحي الديمقراطي: تأسس هذا الحزب في غرب ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية برئاسة المستشار كونراد أديناور، ومرشحه في الانتخابات حاليا أرمين لاشيت، كما أنه يضم ٤٠٥٨١٦ عضوا، في العادة يستحوذ الحزب على أصوات الناخبين من المسيحيين المحافظين، بالإضافة إلى عدد كبير من كبار السن والمزارعين وأصحاب الأعمال الحرة، ورغم كون الحزب المسيحي صديقا للهجرة، غير أنه تبني في الانتخابات الحالية برنامجا متحفظا، وذلك بعد ظهور أحزاب وحركات مناهضة لسياسات الهجرة، خاصة بعد أزمة اللاجئين في عام ٢٠١٥.

(2) الحزب الاشتراكي الديمقراطي: هو أقدم حزب ألماني، تأسس عام ١٨٧٥، ويتشارك رئاسته حاليا ساسكيا أسكين ونوربرت بوريانس، ومرشحه في الانتخابات أولاف شولتس، كما أن عدد أعضائه ٤٠٤٣٠٥، ويستحوذ عادة على أصوات الناخبين من النقابات العمالية وعمال المصانع، أي تتركز أصوات الناخبين ضمن الطبقة الوسطي.

(3) حزب الخضر: انبثق عن مجموعة من الحركات الاحتجاجية في ثمانينيات القرن الماضي، المناهضة لاستخدام الطاقة النووية للحفاظ على البيئة، ويشغل رئاسة الحزب حاليا روبرت هابيك وأنالينا بيربوك، والأخيرة هي المرشحة في الانتخابات عن الحزب، ويبلغ عدد أعضاء الحزب ١٢٠ ألف عضوا، وأغلب الناخبين ممن يعملون في مجال التعليم والخدمات ممن يتركزون في المدن الكبيرة والمدن الجامعية، وممن يملكون دخولا كبيرة أو متوسطة.

(4) حزب اليسار: يعتبر وريث الحزب الشيوعي الحاكم في ألمانيا الشرقية سابقا، ويشارك في حكومات بعض الولايات الشرقية، غير أنه لم يمثل أي حكومة اتحادية، ورئاسته حاليا مشتركة بين سوزانة هننج فيسلو وجانين فيسلر، وتعتبر الأخيرة مرشحة عن الحزب في الانتخابات مع دتمار بارتش، ويشمل الحزب ٦٠٣٥٠ عضوا، وغالبية ناخبيه من الطبقة العاملة ومحدودي الدخل وذوي مستوي التعليم المنخفض، فضلا عن دعم شريحة من الشباب له، ومن أهم برامجه عدم مشاركة الجيش الألماني في الخارج ، كما وصل إلى حد المطالبة بحل حلف الناتو.

(5) الحزب الديمقراطي الليبرالي الحر: شغل الحزب مناصب في أعلب الحكومات السابقة وحتى ٢٠١٣، ولكن بدأ في التراجع، ثم بدأ يكتسب زخما مرة أخرى على يد رئيسه الحالي كريستيان ليندنر وهو مرشحه في الانتخابات، وعدد أعضائه ٧٣ ألف عضوا، وأغلب ناخبيه من المهن الحرة، خاصة الأطباء والصيادلة والمحامين وغيرهم.

(6) الحزب البديل من أجل ألمانيا: هو حزب يميني شعبوي مناهض للإسلام والهجرة، تأسس في عام ٢٠١٣، واكتسب مكانة بعد أزمة اللاجئين، ورئيسه الحالي تينو كروبالا ويورج مويتن، ومرشحه للانتخابات أليس فايدل وكروبالا، كما أنه يضم ٣٢ ألف عضوا، ويعتبر الرجال الذين في مقتبل العمر وذي المستوي التعليمي المحدود هم أكثر ناخبيه.

نظام انتخابي معقد:

تعد ألمانيا دولة فيدرالية، أي أن كل ولاية من الولايات الـ ١٦ لها شخصية قانونية مستقلة ) دستور خاص – مجلس تشريعي -حكومة منتخبة (لضمان أن تكون الدوائر الانتخابية الألمانية وعددها ٢٩٩ ممثلة جميعها في البرلمان. كما أن النظام الانتخابي الألماني، هو نظام معقد، حيث يجمع بين نظام الانتخاب الشخصي الذي يحصل فيه الفائز على كل شئ، ونظام التمثيل النسبي، لضمان تمثيل الأحزاب الصغيرة، في بلد وصل عدد الناخبين بها ٦٠.٤ مليون ناخبا.

ويتكون البرلمان الاتحادي الألماني من مجلسين، الأول: يسمي البوندسرات، وعضويته ليست بالانتخاب، وإنما بحكم المنصب، فكل ولاية يمثلها عدد من الأعضاء بما يتناسب مع عدد سكانها، وهم وفقا للمصب رؤساء حكومات وبعض الوزراء ممن ترى حكومة الولاية إرسالهم لتمثيلها في البرلمان، ووظيفة هذا المجلس ما بين استشارية وإقرارية، لذلك يطلق عليه مجلس الولايات، كونه يختص بمصالح الولايات.

أما الثاني يسمي البوندستاغ، وتكون عضريته من خلال الانتخاب، وهو المختص بالتشريع الاتحادي، ونظام الانتخاب فيه مزيج بين الانتخاب الشخصي والتمثيل النسبي كما ذكرنا، وحدد القانون الاتحادي عدد الأعضاء في البوندستاغ بـ ٥٩٨ عضوا هذا العام ) يزداد العدد غالبا في كل مرة وفقا لعدد الناخبين، ووفقا للنظام الانتخابي الألماني؛ يعطي للناخب صوتان، الأول يحق له إعطائه للمرشح الذي يراه مناسبا ومستحقا لصوته ) انتخاب شخصي(، والثاني فهو للقائمة التي تمثل كل حزب ) تمثيل نسبي).

يتم نشر النتيجة النهائية بعد أسبوعين من الانتخابات من قبل لجنة الانتخابات الاتحادية، وفي حالة حصول أحد الأحزاب على الأغلبية في البوندستاغ فإنه يستطيع تشكيل الحكومة، ولكن هذا صعب من الناحية العملية، لذا سيكون من المفترض تشكيل تحالفات وشراكات، وهو ما يكون معد له قبل الانتخابات من الأساس، ثم ينتخب النواب بالأغلبية المطلقة رئيس الحكومة، وفي حالة لو تتوفر الأغلبية المطلقة، يحق للرئيس الألماني إما تعيين المرشح الذي حصل على أعلى الأصوات أو حل البوندستاغ.

مؤشرات محتملة:

تشير استطلاعات الرأي حول نتائج الانتخابات الألمانية إلى ظاهرة نادرة الحدوث، ألا وهي تراجع شعبية الحزب المسيحي الديمقراطي، مقابل تقدم الحزب الاشتراكي الديمقراطي في كل الاستطلاعات التي أجريت مؤخرا في هذا الصدد، فقد أكد معهد ” فورسا ” المتخصص في قياس مؤشرات الرأي، والذي تقارب في نتائجه مع معهد ” كانتار ” حفاظ الحزب الاشتراكي الديمقراطي على تفوقه على الحزب المسيحي، وفي استطلاع آخر نشرته محطة ” آر تي إل ” حصد الحزب الاشتراكي الديمقراطي ٢٥%من الأصوات، مقابل استقرار الحزب المسيحي عند ٢٢% من الأصوات، بعد أن كان يتخطي حاجز ال ٣٠% في السابق، كما حصل حزب الخضر على ١٧%من الأصوات، و ١٢ % لصالح الحزب الديمقراطي الحر، و ٦% لصالح حزب اليسار، أما حزب البديل فقد استحوذ على ١٠ % من أصوات الناخبين.

كذلك فيما يخص شعبية المرشحين لمنصب المستشار الألماني خلفا لميركل، فقد ازدادت شعبية مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي أولاف شولتس إلى حوالي 28%، بينما حصل أرمين لاشيت مرشح الحزب المسيحي الديمقراطي على ١٣ %،في مقابل ١٦% لمرشحة حزب الخضر أنالينا بيربوك.

السيناريوهات الأقرب:

نتيجة لعدم ترجيح قيام أحد التحالفات الكبيرة التي تجمع بين الحزب المسيحي الديمقراطي والحزب الاشتراكي الديمقراطي مع اختيار البقية من الأحزاب الأخرى، ونظرا لأن أنصار الأحزاب الكبيرة يرونه مخالفا للعقيدة، فضلا عن عدم التحقق مما إذا كان المسيحيون المحافظون سيقبلون بدورا ثانويا في الحكومة في حالة فوز شولتس، يمكن وضع هذا السيناريو الذي نعتبره الأقرب، وهو:

(1) السيناريو الأول: في حالة فوز لاشيت؛ ستكون هناك فرصة كبيرة للنجاح في تشكيل الحكومة، نظرا لأن الحزب المسيحي الديمقراطي يقود تحالفا يجمعه بحزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، وذلك بالطبع مرهون بنجاحه في تحقيق خلاف ما تعكسه استطلاعات الراي حتى الآن.

(2) السيناريو الثاني: إذا نجح مرشح الحزب الاشتراكي الديمقراطي في الحفاظ على تقدمه في الاستطلاعات؛ سيكلف من قبل الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير بتشكيل حكومة، فمن المتوقع أن يكون التحالف الذي يقوده الحزب الاشتراكي الديمقراطي بالاشتراك مع حزب الخضر والحزب الديمقراطي الحر، هو السيناريو الأقرب، رغم إعلان الحزب الديمقراطي الحر أنه بعيد عن التحالف، لكنه أيضا لم يرفضه نهائيا صراحة، في هذه الحالة، وإذا رفض الانضمام للاتحاد سيكون أمام شولتس خيار وحيد، وهو التحالف مع حزب اليسار، الذي لديه توجهات لحل حلف الناتو ومنع انتشار الجيش الألماني خارج حدود البلاد، لكن أشار بعض المحللين إلى أن نتائج هذا التحالف ستكون غير مرضية للمستثمرين في برلين بسبب توجهات بعض الأحزاب، كما أنه من المتوقع إذا نجح هذا التحالف ستتوافق رؤاه مع الرؤية الفرنسية الحالية حول إعادة النظر في تحالفات وسياسات الاتحاد الأوروبي وعضوية حلف الناتو.

وفي الختام؛ بغض النظر عن التحالف الذي سيحكم في النهاية أو يشكل الحكومة، إلا أنه لا تزال هناك حقيقة أكيدة، وهي أن المفاوضات والنقاشات حول التحالف أو الائتلاف ستستغرق مدة طويلة على غرار انتخابات ٢٠١٧ السابقة، حيث استمرت المحادثات زهاء خمسة أشهر، وعندها تولت الحكومة الجديدة، وبالتالي وفقا للدستور الألماني؛ ستظل ميركل ترأس الحكومة ) حكومة تصريف أعمال ( حتي يوافق البوندستاغ على الحكومة الجديدة.

اقرأ أيضا