لا نرى جندي المشاة الإسرائيلي إلا وهو ميت.. العميد محمد عبد المنعم يروي تفاصيل العبور (خاص)

الاحد 10 أكتوبر 2021 | 07:13 مساءً
كتب : عمر يوسف

العميد محمد عبد المنعم: الجيش المصري الأفضل في العالم بجنوده

لا نرى جندي المشاة الإسرائيلي إلا وهو ميت

شباب الجامعات كانوا يلتحقون بالكليات العسكرية بالرغم من قرب تخرجهم في كلياتهم المدنية

يحتفل الشعب المصري والعربي، بحلول الذكرى 48 لانتصارات حرب السادس من أكتوبر 1973، تلك الحرب التي إسترد بها الجندي المصري كرامته وأرضه، ولقن العدو الإسرائيلي دروس قتالية لن ينساها طيلة حياته.

وبمناسبة تلك الذكرى العزيزة، الغالية على قلوبنا، يسر جريدة "بلدنا اليوم"، أن تقدم لحضراتكم سلسلة من الحوارات الشيقة، مع أبطال من قلب المعركة، عاشوا حلاوة الانتصار ومرارة الهزيمة.

كل ما عليك، هو الجلوس في مكانك، وربط الأحزمة، والاستعداد للقيام برحلة عبر الزمن، يقودها العميد مقاتل محمد عبد المنعم، أحد أبطال الفرقة 16 مشاة، التي شاركت في حرب أكتوبر المجيدة.

بدأ الحوار، مع العميد محمد عبد المنعم، بسؤاله عن فترة النكسة، وما يتذكره بشأن تلك الفترة، وأجاب:

"كنت في الصف الأول الثانوي، بالتزامن مع وقوع نكسة 1967، كنت واعيًا بما يحدث حولي، مثلي مثل جيلي، كنا نستمع إلى خطابات الانتصارات، خطابًا تلو الآخر يحكي عن الانتصارات التي يحققها الجيش، كنا نتلقى تدريبات على حماية الجبهة الداخلية، أثناء حصص التربية العسكرية، كنا واثقين من أن القتال آتٍ لا محالة، كنا نعلم أن هذه اللحظة ستأتي، ولمَ لا، فنحن الجيش الذي ينتصر انتصارًا تلو الآخر، إلى أن حدثت الفاجعة، الفاجعة التي على إثرها سيطر الحزن على جميع أرجاء البلاد، الأوجه العابثة هي المسيطرة على الموقف في كل مكان نذهب إليه، الشعور بالعار والخزيان يلاحق المدني والعسكري، وتسألنا، كيف للجيش المصري أن ينهزم بمثل هذه الطريقة؟ أصبحنا شاردي الذهن، نحن الآن مغتصبون، أرضنا سُرِقت أمام أعيننا.

وتابع عبد المنعم: "فاز الإسرائيليون، فاز الأعداء، أخذوا الأرض، سلبوا العرض، أسروا البعض، وقتلوا آخرين، وانسحب البعض، انسحب تاركًا خلفه أرضًا بكت دماءً؛ حزنًا على اختطافها، لكن، رغم آثار الهزيمة وشعور العار والخزيان المسيطر على الأجواء، ورغم قلة الحيلة والإمكانيات، يبقى المصري مصريًا، شامخًا رافضًا أن تسلب أرضه أمام عينه".

وأضاف: "كان هناك أملًا ضئيلا يشجعنا ويحثنا على بذل كل ما بوسعنا لاستعادة الكرامة، وكعادة شعبنا على مر العصور، التففنا حول القوات المسسلحة، طامعين في هدفين لا ثالث لهم، إما النصر، وإما الشهادة".

وأكمل مؤكدًا: "الجيل بأكمله، يريد أن يذهب إلى الجبهة، أمس قبل الغد، حتى يلاقي العدو المغتصب، ويلقنه درسًا في القتال، ويُطلعه على الحروب كما يجب أن تكون".

وبعد ذلك، انتقل العميد محمد عبد المنعم، للحديث عن فترة التحاقه بالكلية الحربية، والروح المسيطرة على الطلاب آنذاك، حيث قال:

"كان للهزيمة أثرًا كبيرًا في التحاقي بالكلية الحربية، بدأت دراستي في الكلية الحربية في الثاني من مايو عام 1970، وفي هذه الفترة، كانت الكلية الحربية مستهدفة، لذا عملت القيادة على توفير مكان آمن لنا، حيث قسمت الفرق الدراسية إلى جزءين، الفرق الأولى والثانية كانت تتلقى دراستها في السودان، والفرق الثالثة والرابعة كانت في نادي الشمس".

"طوال فترة دراستي، كانت الرغبة المسيطرة على جميع الطلاب، هي التخرج والخدمة على الجبهة، من أجل مواجهة العدو، واسترجاع الأرض، كنا نسعى إلى هدفين، إما النصر، وإما الشهادة".

"تخرجت في الكلية الحربية، في 30 مايو عام 1972، على رتبة ملازم ضمن قوات المشاة".

مكان الخدمة

يواصل عبد المنعم حديثه قائلًا: "بعد تخرجي، خدمت بمنطقة جبل مريم، والتي كانت واقعة على طول خط قناة السويس مباشرة، وبحيرة التمساح".

فترة ما بين الاستنزاف وأكتوبر

يتحدث عبد المنعم عن فترة ما بين حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، قائلًا: "في الفترة ما بين حرب الاستنزاف وأكتوبر، (فترة وقف إطلاق النار)، كنا نتدرب ونستعد للحظة الفارقة، كنا نتدرب إعمالا بمبدأ العرق في التدريب يوفر الدماء في المعركة، كل ضابط وصف ضابط وجندي، يبذل أقصى ما بوسعه، حتى يكون على استعداد للمواجهة".

"كان كل شخص في القوات المسلحة، لديه الروح القتالية التي تحثه على الذهاب إلى الجبهة، وتدفعه إلى عبور القناة والقتال لاسترداد الأرض".

"لم تقتصر الروح القتالية على أبناء القوات المسلحة فقط، بل كانت تنتشر بين الشباب الجامعيين، فمنهم من ترك كليته المدنية، وهو في السنة الأخيرة بها، والتحق بالكلية الحربية، ليساهم بروحه وجسده في معركة استرداد الأرض، لعودة الكرامة المصرية من جديد".

وانتقل بنا سيادة العميد، إلى الحديث عن سلاح فرد المشاة المصري في تلك الآونة، حيث قال: "كنا مسلحين بأسلحة منذ الحرب العالمية الثانية، كالبازوكة وسلاح rbj2، وغيرها من الأسلحة القديمة منها والحديثة، ولكن الجندي المصري يستطيع تحقيق أعلى النتائج بأقل الإمكانيات، مِن الصعب أن تجد جنديا حول العالم كالجندي المصري، حيث إنه يتميز بسرعة الاستيعاب والتعلم، والتدريب على السلاح، واستخدامه بأمثل الطرق، فالجندي المصري لا تعنيه المُعدّة أو السلاح الذي بيده، بل بإيمانه وعقيدته يستطيع تحقيق المستحيل".

وبشأن الحديث عن قيام عبد المنعم بأي عمليات قبل حرب أكتوبر قال: "لم أقم بأي عمليات قبل حرب السادس من أكتوبر، كنا في حالة تدريب مستمر، وكنا نقوم بتغيير مواقعنا على القناة كل 6 أشهر، حيث كانت تقوم القوات الموجودة بمنطقة التدريب بالتقدم، وأخذ مواقعنا على القناة، ونعود نحن إلى الخلف، ونأخذ مواقعها، التي كانت بمناطق الخطاطبة وأبو صوير وبحيرة الملاح، حيث كان يتم التدريب على العبور هناك، في مناطق مشابهة لخط بارليف".

الخامس من أكتوبر 1973

وأخيرًا، بعد فترة من التدريبات الشاقة، والخداع الإستراتيجي، حانت اللحظة التي كنا ننتظرها، ولكن قبل البداية في أحداث يوم السادس من أكتوبر، أردنا التعرف على ما حدث مع الأبطال قبيل الحرب بساعات، وفي هذا السياق أوضح عبد المنعم قائلا: "مر يوم الخامس من أكتوبر، 1973، كسابقه من الأيام، حيث كنا نقوم بتدريباتنا الاعتيادية اليومية، وفي ليلة السادس من أكتوبر، قمنا بتجهيز مركباتنا البرمائية، وأسلحتنا، في إجراءٍ اعتدنا فعله، حتى يعتقد العدو بأننا سنعبر، فكان يقوم بحشد الدبابات والقوات الاحتياطية، تحسبًا لأي عبور".

السادس من أكتوبر 1973

"لم نعلم بموعد العبور، إلا بدقات الساعة 12 ظهرًا، إذ قاما قادة السرايا، بتجميع الضباط وقادة الفصائل، وأخبرونا بأننا سنعبر في تمام الساعة الثانية و20 دقيقة ظهرًا".

"جميع الكلمات التي تعبر عن الشعور بالفرحة والسعادة، لا تكفي للتعبير عما كان بداخلنا من مشاعر؛ فاللحظة التي انتظرناها طويلا ها قد أتت، عمت الفرحة والسعادة في أرجاء الكتيبة، ولكن لم يتركنا شعور كانت تأباه حواسنا في هذا الوقت، ألا وهو أنه كان مجرد تدريب، مثلما كان يحدث في السابق، ولم نتأكد من حقيقة ما أخبرنا به قائد السرية، إلا بعد رؤية أسراب الطائرات المقاتلة والقاذفات المصرية وهي تحلق في سماء قناة السويس، ثم تتبعها قذائف المدفعية المصرية".

لحظة العبور

"كنا نقف على الجانب الآخر من القناة، ونرى من فوقنا المقاتلات المصرية، والمقاتلات القاذفة تحلق في السماء، عابرة لخط بارليف، ذاهبة نحو أهدافها، التي سمعنا دوي انفجاراتها، ثم رأينا الطائرات تعود مرة أخرى، بعد أن نفذت المطلوب منها بدقة شديدة، لتتبعها قذائف المدفعية المصرية، ومن فرط الفرحة، كان هناك من يحاول العبور قبل الوقت المحدد، حتى أن هناك البعض قاموا بإلقاء قواربهم في المياه".

"عبرنا إلى الجانب الآخر، وقمنا بتسلق خط بارليف، لتأمين طريق القوات والمركبات التي ستعبر خلفنا، بالتزامن مع قيام سلاح المهندسين بفتح الثغرات والممرات في خط بارليف، لإمكانية عبور الدبابات والمدرعات المصرية".

"تمكنت القوات من عبور القناة، والروح المعنوية للجنود والضباط مرتفعة إلى أقصى درجة، وضرب الجندي المصري أروع الأمثال في التضحية من أجل زملائه وبلده، حيث كان يقوم بإلقاء نفسه أمام دبابات العدو، منفردًا دون أي حماية أو قوة مرافقة، أذكر أن الجنود في تلك الفترة، عندما كانت تقترب عليهم إحدى دبابات العدو، كان يقوم أحدهم بالعدو نحو الدبابة، وبحوزته إما حزام ناسف وإما قنبلة يدوية، إذ كان يقوم الجندي بتفجير نفسه في الدبابة، حتى لا تصل إلى موقع زملائه".

العمليات

بعد عبور القوات، واجتياحها خط بارليف المنيع، انتقل العميد محمد عبد المنعم، إلى الحديث عن تفاصيل العملية التي قام بها، حيث قال: "عقب العبور، كان مكان خدمتي بمنطقة أبو وقفة في القطاع الأوسط، وعلى بعد 700 متر، كان هناك تمركز لقوات إسرائيلية".

"صدرت إلينا الأوامر من اللواء بكير محمد، بالهجوم على تجمع القوات الإسرائيلية، وتدميره، وجلب أسير أو أسيرين".

"على مدار 5 أيام متواصلة، كنا نراقب هذا التمركز، ونرصد كل حركة فيه بكل ضفة، ومواقع تمركزات الجنود ليلا ونهارا، حتى حُفِر في عقل كل منا، خريطة للموقع".

"وبحلول الليل، قمنا بالهجوم على القوات المعادية، وتمكنا من السيطرة على الموقع، وتدميره بكل من فيه، والعودة إلى مواقعنا وبصحبتنا أسيرين إسرائيليين".

ثغرة الدفرسوار وتأثيرها النفسي

"لم تؤثر مزاعم العدو بمحاصرة القوات من خلال ثغرة الدفرسوار علينا سواء على الجانب المعنوي أو القتالي، فجميع القوات كانت لديها ثقة في رجال المظلات والصاعقة في الخلف،، بإنهم سيتولون أمر الإسرائيليين في الثغرة، مؤكدًا على أنها لم تؤثر على القوات في الشرق بأي شكل".

التسليح الشخصي المصري والإسرائيلي

سألنا سيادة العميد، عن قدرات السلاح الذي كان بحوزة جندي المشاه المصري، ونظيره الإسرائيلي، فيرد علينا قائلا: "بدون الدخول في مقارنات، أبسط شيء يمكن قوله هو أن جندي المشاة الإسرائيلي، لم نره يسير علىى قدمه طوال المعارك، كنا لا نراه سوى في حالة واحدة فقط وهي موته".

وأضح عبد المنعم: "كانوا دائمي استقلال المركبات من طراز m113، المزودة برشاش، بالإضافة إلى بعض الإمكانيات الهجومية والدفاعية الأخرى، بالإضافة إلى تسليحه الشخصي المكون من بندقية آلية ورشاش آلي، بينما كنا نحن نسير على الأقدام، مسلحين برشاشات ومدافع آلية، وسلاح rbj".

العقيدة القتالية للجيش المصري

وبسؤاله عن السبب الذي وراء التضحيات الباسلة من قِبَل الجندي المصري دون خوف أو تردد، أجاب: "سبب روح الفدائية والتضحية المتأصلة داخل الجندي المصري علىى مر العصور، يرجع إلى عقيدته الإيمانية، التي جعلت منه جيشًا مدافعًا عنن أرضه، لا يحارب إلا لفرض السلام".

اقرأ أيضا