إسميك: سوريا وأوكرانيا تتشاركان نكبة التردد الغربي وسوء التقدير

الثلاثاء 08 مارس 2022 | 05:41 صباحاً
كتب : بلدنا اليوم

قال الكاتب والمفكر حسن إسميك، إن روسيا قد لا تتمكن من حسم النهاية كما حسمت أمرها في البداية، وربما تترك الأمور معلقة في أوكرانيا مثلما هي متروكة اليوم في سوريا، فلا روسيا التي دعمت الحكومة السورية بكل الوسائل العسكرية واللوجستية والأمنية قادرة بمفردها على اتخاذ قرار لتسوية سياسية للأزمة السورية ولا أمريكا المترددة -ومعها أوروبا- تهتم بالإسهام في حل الأزمة السورية والسماح بإعادة الإعمار، إذ يتمترس كل من الفريقين وراء الشروط والمطالب التي تصب في مصلحته، أو على الأقل تضر بمصالح وحسابات الطرف الآخر، وهكذا يأكل الزمن القضية السورية وسكّانها، وكلما طال الوقت واستمرت الأزمة السورية ازدادت معاناة الشعب السوري، الأمر الذي سيدفع بالكثير من السوريين إلى هجرة سوريا وتكرار تجربة زوارق الموت ثانية.

تابع: في أوكرانيا بالمقابل.. بدأ الحديث عن إعادة إعمار بالتزامن مع التعامل مع موجات اللجوء المتصاعد، حيث أن عدد اللاجئين الأوكرانيين تجاوز المليون، ومع أن أوروبا أعلنت في أكثر من دولة استعدادها للتعامل مع هذا الملف بأقصى طاقاتها، إلا أن ذلك -وكما جرت العادة- لن يخفف كثيراً مما سيعانيه شعب لا ناقة له ولا جمل في الصراع الدولي المستفحل.

وأشار إسميك، إلى أن هناك احتمالات ضبابية وسيناريوهات متعددة؛ فإن الأخطر على سوريا يتأتّى من أن سيرورة تصعيد الأحداث التي نشهدها في أوكرانيا توحي بأن التصعيد في سوريا آت أيضاً ولا بد منه، سواء حققت روسيا أهدافها في أوكرانيا أو لم تحققها، سواء خرجت قوية منتصرة أو منيت بهزيمة كبيرة. إذ يكشف تطور التداعيات العالمية للملف الأوكراني أن الانتصار الروسي لن يكون سهلاً في حال حدوثه، بل سيكون قد حتّم على موسكو بأن تركز جهودها على حدودها بشكل مضاعف، وليس مستبعداً أبداً أن يسعى الغرب للضغط حثيثاً حينها لإخراج روسيا من سوريا كمقدمة لإنهاء نفوذها في الشرق الأوسط، وبذلك فإن انتصاراً هنا وهزيمة هناك لن تحقق لبوتين انتصاراً كاملاً.

أضاف إسميك، أنه في حال هزيمة روسيا في أوكرانيا، فعلى الرغم من أنه لا يمكن حتى الآن التنبؤ جدياً بتحققها، ناهيك عن إمكانية توقع الشكل الذي ستكون عليه هذه الهزيمة، لكن مجرد خروج روسيا من أوكرانيا دون تحقيق ما أعلنته من أهداف سيكسر شوكة قوتها الصاعدة عالمياً، وسيغري الغرب بالإقدام على الإمعان في معاقبتها عبر مواجهتها في سوريا بعد أن تكون القوات الروسية المتواجدة فيها قد أصبحت مجرد فلول لانكسار مشروع روسيا في البر الأوروبي.

أما بالنسبة لثالث الاحتمالات، قال إسميك، إن أي وقوع للعملية العسكرية الروسية على أوكرانيا في معضلة الزمن المفتوح وعدم قدرة موسكو على الحسم، فأغلب الظن أن تتطور الأمور في هذه الحالة إلى صدام عسكري بينها وبين الغرب، صدام سيكون مفتوحاً على احتمالات عدة أيضاً، وسيكون مُتوقعاً في سوريا أكثر منه في أوكرانيا. يأتي هذا التخمين في ظل الاعتبارات التي تدفع الولايات المتحدة -وخلفها الناتو- لتتوخى الحذر من الصدام المباشر مع روسيا في أوكرانيا على اعتبار أن الأخيرة خط أحمر روسي بسبب قربها الجغرافي من روسيا، كما تعتبرها موسكو في المقابل عمقاً استراتيجياً ومجالاً حيوياً لها، ولذلك ليس مستبعداً أن تحط المواجهة رحالها في سوريا، حيث تتواجد فيها قوات الطرفين، خاصة مع وجود القرار الدولي /2254/ وتفسيراته المتباينة، والتي يمكن للروس أو للأمريكيين أن يستخدموها على هواهم.

ونوه بأن الروس قد أعدوا عدتهم لكل هذه الاحتمالات رغم الثقة التي يُظهرونها بتحقيق مرادهم، يشير إلى ذلك ما ورد في تقرير لصحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية، من أن انعكاسات الأزمة الأوكرانية ربما تظهر في سوريا، حيث تتواجد قوات عسكرية لكل من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. وأشارت الصحيفة إلى أن مكتب المفتش العام في وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) اتهم القوات الروسية المتواجدة في سوريا، بخرق بروتوكولات التفاهم بين الجانبين، تلك البروتوكولات التي جهدت موسكو وواشنطن في وضعها والاتفاق عليها لمنع حدوث أي مواجهة بينهما على الأراضي السورية. ومع أن اختراقاً خفيفاً لهذه البروتوكولات يمكن أن يحدث من قبل الطرفين بين فينة وأخرى ثم سرعان ما تعود المياه إلى مجاريها، إلا أن الموقف العالمي الآن شديد الحرج لدرجة تستدعي التوقف ملياً عند هذا التصريح الأمريكي.

وفي السياق ذاته، رأى البعض في زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو لدمشق، والتي تزامنت مع بدء ارتفاع مستوى التصعيد في أوكرانيا، رسالة تحذير أرادت روسيا إيصالها للولايات المتحدة وحلف الناتو مفادها أن موسكو لن تتردد في استخدم منشآتها الاستراتيجية في سوريا، إذا ما حدثت مواجهة عسكرية مع حلف شمال الأطلسي.

تؤكد هذه المعطيات إذن أن اشتعال المعركة الرئيسية في أوكرانيا لا يلغي أن تكون المعركة الاحتياطية في سوريا عندما يضطر الطرفان -الروس أو الغرب وأمريكا تحديداً- إلى اللجوء إليها، أحدهما أو كلاهما. وسيكون من غير المستبعد أيضاً أن يتجاوز التصعيد هناك القوتين الروسية والأمريكية، فصراعاتهما المتعددة والمعقّدة قد تشمل أيضاً إيران وتركيا وإسرائيل وأوروبا، ولا تُستثنى من ذلك عودة التصعيد بين الحكومة السورية والمعارضة سواء من جهة التشكيلات الجهادية المدعومة من تركيا في الشمال الغربي من البلاد، أو من جهة القوات الكردية المدعومة من أمريكا في الشمال والشمال الشرقي. والثابت الوحيد في كل ذلك أن سوريا ستكون المتضرر الأكبر في ظل جميع هذه الاحتمالات.

أما على المستوى ما دون العسكري، قال إسميك، قد نشهد فرض المزيد من العقوبات على سوريا، بعد أن شعرنا ببعض التفاؤل حيال إزالة بعضها الأمر الذي يعني مزيداً من تفاقم الأزمة الإنسانية، وإمعاناً محتملاً في تدهور الوضع المأساوي الذي يعيشه غالبية الشعب السوري في ظل حالة من الموت الجماعي البطيء نتيجة المعاناة على كافة المستويات، وغياب الخدمات الأساسية، وازدياد مستوى الفقر وغلاء أسعار المواد الأساسية.

اقرأ أيضا