أفلام فى قبضة السلطة.. «عهد السادات»

تناولنا فى الحلقات السابقة من سلسلة «أفلام فى قبضة السلطة» عهد الملك فاروق والأفلام التى أثارت تحفظات السرايا فتم منعها، ثم عهد ما بعد ثورة يوليو وبيان اللواء نجيب ثم عبد الناصر وعلاقتهما بالسينما سواء بقانون الرقابة الفنية الذى مرة تم تعديل القانون الموجود ومرة تم استبداله ليحل محل القديم واستخدام ذلك فى منع بعض الافلام التى أثارت حفيظة السلطة نظراً لما تثيره من جدل، وفى هذه الحلقة سنتناول عهد السادات وتحديدا علاقته بالسينما، والأفلام التى أثارت جدلا وقتها، أو تم منعها، وأصبحت فى قبضة السلطة.عام 1970 ، توفى جمال عبد الناصر وأصبح السادات رئيساً للجمهورية، وكانت السينما وقتها تنتج فى العام الواحد ما فوق الـ50 فيلماً بقليل، وكما هوعهد كل نظام حكم جديد فى بدايته يريد إضفاء بريق على شكل نظامه عن طريق إعطاء مساحة أكبر للحرية حتى ولو كانت شكلية، وبما أن السينما الطريق الأقصر لذلك، أصبح الإتجاه العام فى السينما التى تناولت الأوضاع السياسية مسلطاً الضوء على جرائم النظام السابق، تماماً كما حدث فى عهد عبد الناصر والأفلام التى تناولت الظلم الواقع على الشعب فى العهد الملكى، فعُرض فيلم العصفور الذى تم انتاجه 1972 للمخرج يوسف شاهين والذى كان ممنوعاً من العرض لتناوله شخصيات كانت ماتزال فى السلطة وقت عبد الناصر، لكن تم اقتطاع عدد من المشاهد من الفيلم ثم عُرض عام 1974 بقرار من السادات نفسه.وفي عام 1973 كان انتصار أكتوبر وكانت السينما لاعب أساسى لتأريخ الحدث فكان الاتجاه العام وقتها لأفلام تناولت النصركـ أبناء الصمت، الرصاصة لاتزال فى جيبى وغيرهما.وفي عام 1976 أصدر د. جمال العطيفى وزير الثقافة والإعلام حينها قرار رقم 220 لنفس السنة ليعيد بذلك أغلب البنود التى كانت موجودة بقانون الرقابة الفنية الذى صدر عام 1947 وهو قانون الرقابة الأول والذى كان قد تم تعديلة ثم ازالته فيما بعد ثورة يوليو واسُتبدل بالقانون الذى كتبه د عبد الرازاق السنهورى، وقد أزاح هذا القرار كثيراً من القيود التى كانت تكبل صناع السينما، ولكن هناك بعض الأفلام التى كسرت التابوه الموضوع من الدولة كخط لا يُسمح بتجاوزه هذه التابوهات هى الدين، الجنس، السياسة، وكان مصيرها المنع بل ووصل الأمر بأنه تم حبس 15 من موظفى الرقابة، فتعالوا ننبش سويا فى تلك الفترة المصنفة بأنها أكبر الفترات منعاً للأفلام من قبل السلطة والذريعة كالعادة تجاوزها تابوه الدين، السياسة، الجنس، والاخيرة هذه لها نصيب الأسد فى تلك الفترة.زائر الفجرفيلم أنتجته ماجدة الخطيب، وقامت بدور البطولة فيه هى وعزت العلايلى وتحياكاريوكا ويوسف شعبان وغيرهما، الفيلم كتب قصته رفيق الصبان بالإشتراك مع مخرج الفيلم ممدوح شكرى، والفيلم كان به العديد من الإسقاطات السياسية، فتم منع عرضه بعد نزوله مباشرة عام 1973بحجة أنه يسيئ لوزارة الداخلية، فأصاب الإحباط منتجته ماجدة الخطيب وحاولت مرات كثيرة مقابلة السادات ليوافق على الفيلم الإ أن طلبها تم رفضه.سيدة الأقمار السوداءإنتاج عام 1971، وهو فيلم مصرى لبنانى، أثار ضجة عارمة كانت على إثرها أن شكل السادات لجنة من نقابة الاتحادات الفنية لإبراء ساحة الفنانين المصرين من المشاهد الجنسية التى وردت بالفيلم، حيث قالت اللجنة أن الفيلم به حيل بالتصوير أظهرت الممثلين عرايا وهم بالأصل لم يكونوا هكذا، وهذا منافى للحقيقة بالطبع، فقد حقق نسب مشاهدة عالية جدا بلبنان رغم أن الرقابة هناك حصرته على البالغين فقط، الا أن ذلك لم يمنع انتشاره بين جيل المراهقين، وتم تداوله فى مصر بشرائط الفيديو كاسيت وقتها، الفيلم يناقش إحدى القضايا المجتمعية الهامة المتعلقة بالزواج، حيث عايدة الفتاة الفقيرة التى تريد أن تخرج من جعبة الفقر، فتتزوج سامى وهو رجل أعمال ثرى، الا أن قلبها مازال مرتبط بـ عمر الشاب الفقير التى أحبته فى السابق، تم منع عرض الفيلم فى مصر لأعتراض الجهاز الرقابى عليه والسادات نفسه كما أسلفنا الذكر، الفيلم بطولة ناهد يسرى، حسين فهمى، عادل أدهم، قصة وسيناريو وحوار وإخراج سمير خورى والذى يتمتع بقدر كبير من الجرأة فى أعماله عامتا. حمام الملاطيلىإنتاج عام 1973 ، تدور قصته حول شاب يأتى من الشرقية للقاهرة للحصول على عمل لكى يكمل تعليمه بكلية الحقوق ويفشل فى ذلك ويستمر به المطاف الى أن يسكن فى حمام الملاطيلى، فيرى فيه الشاذ جنسيًا الذى يقوم بدوره يوسف شعبان ويرى فتاة الليل التى تحاول التوبة فيقع فى حبها والتى تقوم بدورها شمس البارودى، تم منع عرض الفيلم وقتها معللين ذلك بالمشاهد الجنسية التى فيه، الفيلم من اخراج صلاح أبو سيف.غرباء فيلم انتاج عام 1973 وهو من الأفلام الهامة فى تاريخ السينما المصرية، ظهر وكان الصراع على أشده بين المعسكرين الشيوعى والأسلامى، والفيلم فلسفى بالدرجة الأولى، تدور أحداثه حول نادية وهى فتاه يافعة تعمل نادلة فى أحد الفنادق، التى يتردد عليها الشخصيات منها ما هو علمانى ويدعو للحداثة مفندا أفكاره بحجج يطرحها، ومنها من هو اسلامى متزمت ويمسل للتشدد فى تدينه، فتقع نادية فى حيرة تكاد تأكل خلاياها من جراء نزاعها الداخلى بين تلك الأراء وعكسها، تم منع الفيلم وقتها بحجة أنه سيسبب بلبلة فكرية فى المجتمع قد تؤدى الى موجة الحاد، الفيلم سيناريو وحوار العبقرى الراحل هذا العام رأفت الميهى،بطولة،سعاد حسنى، شكرى سرحان، عماد حمدى، عزت العلايلى، حسين فهمى، اخراج سعد عرفة.ذئاب لا تأكل اللحمفيلم إنتاج كويتى عام 1973، وكان قد سبق عصره وقتها بمشاهد الأكشن من انفجارات وتحطم سيارات بخلاف التصويرالجيد، يحكى الفيلم عن مراسل صحفى يسارى الهوى يعمل فى كذا دولة فيعاصر المآسى والجازر التى تحدث فى تلك الدول وقد تناول مدبحة دير ياسين وغيرها، مما يجعل المراسل مشوشا ومصابا بالتقزز من السلوك الانسانى فيتحول الى سفاح ضد المجتمع الذى كرهه بسبب تلك الاحداث، تم منع الفيلم لأسباب أخلاقية حيث أنه يحتوى على مشاهد عرى كاملة، الفيلم بطولة ناهد شريف، عزت العلايلى، محسن سرحان، والكويتى خالد الصقعبى، على المفيدى، واللبنانية سيلفانا بدرخان، اخراج سمير خورى.المذنبونإنتاج عام 1975، قصة وسيناريو وحوار نجيب محفوظ وممدوح الليثى، الفيلم تسبب فى أزمة من أكبر الأزمات فى السينما المصرية حيث تم حبس 15 من موظفى الرقابة بسبب موافقتهم على الفيلم، حيث أن من تقدم بالشكوى ضد مدير الرقابة كان الرئيس السادات نفسه ولم يلبث حتى أحُيل مدير الرقابة للتأديب، بعد أن تم عرض الفيلم ثم رفُع ثم حذفت بعض المشاهد ثم عُرض كاملا فى نهاية الأمر، وقد أوضحت النقابة فى تقريرها ذلك الوقت أن الفيلم استخدم الجنس نافذة لكشف فساد المجتمع فتم منع الفيلم بحجة أنه يسعى لتشويه المجتمع المصرى، يناقش الفيلم قضايا مجتمعية هامة ويتطرق من خلالها لقضايا أكبر، حيث تدور الاحداث بايجاد ممثلة مقتولة فى شقتها فيأتى المحقق ويبحث وراء الادلة فتظهر شيئا فشيئاً العلاقات الغير مشروعة والتى تطال رجال فى السلطة، وهكذا كلما تم تسليط الضوء على شخص تظهر له خطيئة بخلاف التى يتم التحقيق فيها، الفيلم بطولة سهير رمزى(التى تبرأت منه بعد ارتداءها الحجاب) وكمال الشناوى، حسين فهمى، زبيدة ثروت، عماد حمدى(الذى تم تكريمه كأحسن ممثل عن دوره بالفيلم فى مهرجان القاهرة الأول فيما بعد) وإخراج سعيد مرزوق."الكــــرنك"فيلم انتاج عام1975، مأخوذ عن رواية تحمل نفس الإسم للكاتب نجيب محفوظ، سيناريو وحوار ممدوح الليثى، الفيلم يعتبره البعض الأقرب للواقع عندما يكون هكذا، حيث تدور أحداث الفيلم فى إطار سياسى، حيث يتم رصد بعض الطلبة الرافضين للوضع الموجود وما به من ظلم وقمع للحريات، ويجمعهم مقهى الكرنك الذى يتباحثون فيه هذه الأمور، ويرصد الفيلم حالات عدة للقمع السياسى من تعذيب وظلم وابتزاز الاجهزة الامنية للطلبة لكتابة تقارير فى زملائهم وغير ذلك من أحداث، اتفق الكثير على أن شخصية الضابط خالد صفوان المقصود بها هو صلاح نصر، مدير المخابرات إبان فترة عبد الناصر والذى تمت محاكمته فيما بعد نكسة يونيو فى قضية سميت بـ " انحراف المخابرات" ، تم منع الفيلم من العرض لرفض الأجهزة الامنية لما يحتويه من تسليط للضوء على القمع السياسى والتعذيب، وعندما عُرض فيما بعد تم استبدال مشهد النهاية المختلف كلياً عن الذي تم تصويره، الفيلم بطولة سعاد حسنى، نور الشريف، محمد صبحى، كمال الشناوى، إخراج على بدرخان.إحنا بتوع الأتوبيسانتاج عام1979، مستوحى عن قصة حقيقة نشرت فى كتاب"حوار خلف الاسوار" لكاتبه جلال الدين الحمامصى ، قصة سيناريو وحوار فاروق صبرى، تدور أحداث الفيلم فى اطار سياسى، فتبدأ بمشاجرة فى اتوبيس يذهبون على أثرها الى قسم الشرطة فى وقت يستقبل فيه القسم عددا من المعتقلين السياسين، فيتم ضم الجميع وترحيلهم على السجن الحربى، وهناك يروا من العذاب ألوان على يد مأمور السجن، ورغم صراخ من أتوا بالخطأ بقول " احنا بتوع الاتوبيس" الا ان ذلك لم يمنع عنهم التعذيب والتنكيل بهم، الا أن يثور السجناء على المأمور الظالم، ويفهم الشاويش فيثور هو الآخر ويطلق النار على المأمور، الفيلم أثار ضجة كبيرة فى الاوساط الفنية والسياسية على حد سواء نظرا لما يحتويه من مشاهد تعذيب واهانة وسحل، وقد أحدث بللا داخل الرقابة لطلبهم حذف بعض المشاهد فرفض الكاتب، الفيلم بطولة عادل امام، عبدالمنعم مدبولى، سعيد عبد الغنى، اسعاد يونس، يونس شلبى، إخراج حسين كمال.انتهى تناولنا لأفلام فى قبضة السلطة فى عصر السادات ولم تنتهى حلقاتنا المستمرة والتى ستمتد المرة المقبلة لفترة مبارك بما فيها أحداث وأفلام ناطحت السلطة ...إلى ملتقى.لقراءة الحلقتين السابقتين (أضغط هنـــــــــــــــــــــا)