رئيس استئناف القاهرة لـ«بلدنا اليوم»: الدعوى الجنائية يٌسيرها قاضيها إذا كان إنسان

تحدث المستشار الدكتور خيري الكباش، رئيس محكمة استئناف القاهرة، ورئيس لجنة السياسات والتشريعات بالاتحاد العربي للاقتصاد الرقمي، الأمين العام السابق للجنة العليا للإصلاح التشريعي، مع “بلدنا اليوم” على هامش مشاركته في مؤتمر العدالة الذكية بشأن المنظومة القانونية في ظل الذكاء الاصطناعي.
المؤتمر ترأسه الدكتور رابح رتيب، رئيس الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والاحصاء والتشريع، والدكتور فرج الخلفاوي، مقرر عام المؤتمر،والدكتور مصطفى كامل خليل أمين عام المؤتمر وسكرتير الجمعية، حيث أشاد المستشار “الكباش” باهتمام الدولة، مٌمثلة في رئيس الوزراء الذي حضر عنه، المستشار عدنان الفنجري، وزير العدل، وجميع القامات القضائية والعلمية والقانونية من المحامين وأساتذة الجامعات الذين شاركوا في فاعليات المؤتمر.
الكباش عن القاضي الإنسان
تحدث “الكباش” عن عنوان مؤتمر العدالة الذكية بشأن المنظومة القانونية في ظل الذكاء الاصطناعي ، قائلاً إن القاضي الإنسان يطلع على النصوص القانونية المنطبقة على الواقعة المعروضة عليه بمنظور أنها لإنسان بوصفه إنسان وبسبب إنسانيته.
كما أشار رئيس محكمة استئناف القاهرة إلى بعض الحقائق والثوابت والمبادئ القضائية والقانونية والتي تحمل في طياتها الإجابة على كافة التساؤلات حول موقف الذكاء الاصطناعي من القضاء.
الذكاء الاصطناعي له ضمير؟!
الحقيقة الأولى: إن القاضي الإنسان يستهل حكمه بـعبارات تحقق مقاصد ومعاني العدالة المنصفة والناجزة "وبعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة، ومن حيث إن واقعات الدعوى حسبما استقرت في يقين المحكمة، وارتاح إليها ضميرها مستخلصة من سائر أوراقها ومما دار بشأنها من تحقيقات وما أبداه الدفاع من طلبات ودفوع تخلص في.......، " وتسائل المستشار الكباش: "هذا هو الإنسان القاضي، فهل لآلة الذكاء الاصطناعي ضمير ويقين وعقيدة؟ ومع من يتداول ؟! ويناقش مَن؟!، مطالباً الجميع بالإجابة قائلاً: أجيبوا أنتم؟!
مَن سيٌسير مَن؟!
الحقيقة الثانية : أن الدعوى المدنية تسير أمام قاضيها، بينما الدعوى الجنائية يٌسيرها قاضيها، طالما قاضيها إنسان، فإذا كان قاضيها ألة الذكاء الاصطناعي، فمن سيٌسير من؟ الاجابة لديكم
مقاصد ومعاني وليست حروف ومباني
الحقيقة الثالثة: مبدأ أصل البراءة في الإنسان، والآثار القانونية الملزمة المترتبة عليه في المحاكمات الجنائية المنصفة والناجزة، فلا يلقى عليه عبء إثبات براءته، لانها الأصل فيه، سواء كان من مأموري الضبط القضائي أو المٌدعي بالحق المدني أو النيابة العامة، أو القاضي، وعلى من يدعي عكس ذلك عبء إثبات إدانته بأدلة قطعية الثبوت وقطعية الدلالة، وتصل إلى حق اليقين، ولها أصل في الأوراق، أي تدل بذاتها على معناها بأن الجريمة قد وقعت، وأن فاعلها هو المتهم الماثل بدرجة حق اليقين، فكيف ستفعل ألة الذكاء الاصطناعي ذلك؟
الحقيقة الرابعة: القاضي الانسان يطلع على النصوص القانونية المنطبقة على الواقعة المعروضة عليه بمنظور أنها مقاصد ومعاني وليست مجرد حروف ومباني، فهل ألة الذكاء الاصطناعي ستعرف هذا، وفقاً لظروف كل حالة وملابساتها؟!
تشابه الدعاوي
الحقيقة الخامسة: القضاء الجنائي له دور خلاّق وإبداعي في فهم وتفسير النصوص الجنائية، من خلال ظاهر النص وفحوى النص ودلالة النص، وهو ما يسمى بعلم أصول الفقه، وذلك وفقاً لظروف كل دعوى وملابساتها بالرغم من تشابه بعض الدعاوي الجنائية في التكييف القانوني للواقعة سواء كانت قتل أو تزوير أو ……..إلخ.
لذا أتمنى مراجعة الدراسة القيمة لأستاذنا المغفور له بإذن الله، الدكتور محمود نجيب حسني، تحت عنوان الدور الخلاق لمحكمة النقض في فهم وتفسير النصوص الجنائية .
المتهم يحاكمه قاضيه ولا يحاكمه ماضيه
الحقيقة السادسة: وهو ما تتحقق به العدالة وليس مجرد العدل، فهناك فارق كبير بين العدل والعدالة من جهة ، وبين الأمن والأمان من جهة أخرى، فهل يعرف الذكاء الاصطناعي هذه الفوراق ليميز بينها عند الحكم؟!
الحقيقة السابعة: إن المتهم يحاكمه قاضيه، ولا يحاكمه ماضيه، فاذا كانت الشرطة تبحث عن فاعل للجريمة، فإن القضاء يبحث عن فاعل الجريمة، فإذا كانت الدعوى المدنية تسير أمام قاضيها، فإن الدعوى الجنائية يٌسيرها قاضيها، ولا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحل محل هذا القاضي الإنسان،.
الحقيقة الثامنة: أن من سمات القاضي، البشاشة والحكمة والحٌلم والعلم والرحمة، فهو لين بغير ضعف، وقوي بغير عنف، فهل ستتسم ألة الذكاء الاصطناعي بكل هذه السمات أو بعضها؟؟؟!!!
واختتم المستشار “الكباش”، رئيس استئناف القاهرة، حديثه بالتركيز على تربية القاضي العادل لأنه هو المنوط به تحقيق العدالة التي ترجوها المجتمعات الإنسانية، حتى لو كانت تشريعاتها مهلهلة، انما يجوز أن يتم استخدام الذكاء الاصطناعي في تيسير سبل وإجراءات التقاضي، دون أن يكون له دور في تكوين عقيدة القاضي، ويقينه .