إبراهيم الدراوي يكتب: رئيس الشاباك الجديد.. هل يستطيع سد الفجوة داخل الجهاز الأهم في دولة الكيان؟

في خطوة مثيرة للجدل، عيّن رئيس حكومة الكيان "الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو الجنرال المتقاعد ديفيد زيني رئيسًا جديدًا لجهاز الأمن العام “الشاباك”، متجاوزًا بذلك الأعراف المتبعة في تعيين شخصية ذات باع طويل داخل الجهاز، ومثيرًا عاصفة من الانتقادات داخل المؤسسات الأمنية داخل الكيان.
لكنّ ما بدا للوهلة الأولى قرارًا أمنيًا اعتياديًا، سرعان ما انكشف عن أبعاد سياسية عميقة، لعل أبرزها ما كشفت عنه مصادر إسرائيلية مطّلعة بأن زوجة نتنياهو سارة ، كانت صاحبة الكلمة الفصل في اختيار زيني، في مشهد بات مألوفًا في أروقة صنع القرار الإسرائيلي خلال السنوات الأخيرة.
وتعكس المخاوف داخل الشاباك والمستوى العسكري الأوسع حجم الفجوة بين زيني وباقي قيادة الجهاز، لا سيما أنه لم ينحدر من داخله ولم يعمل في خطوطه العملياتية أو الاستخباراتية. وترى مصادر أمنية أن هذه الفجوة لن تكون مجرد تفصيل بيروقراطي، بل قد تتحول إلى تهديد مباشر لفعالية الجهاز، خصوصًا في بيئة أمنية متفجرة ومتغيرة بسرعة الصارخ في دولة الكيان.
و سيجد زيني صعوبة في اتخاذ قرارات سريعة وفعالة، نظرًا لعدم إلمامه ببنية الشاباك الداخلية، ولأنه سيعتمد في البداية على طاقم تنفيذي ليس من اختياره، ما قد يؤدي إلى بطء في التعامل مع التحديات الأمنية المستجدة، وفي مقدمتها نشاط الفصائل الفلسطينية في الضفة وغزة، والتصعيد المحتمل مع حزب الله والتصعيد القائم مع الحوثيين وحتي إيران.
ولأن التقليد الأمني في دولة الكيان "إسرائيل" كان ينص على التشاور مع رئيس هيئة الأركان، ومع المسؤولين في الأجهزة الأمنية، للتأكد من توافق التعيين مع مقتضيات الميدان. لكن نتنياهو اتخذ القرار منفردًا، دون تنسيق يذكر مع قيادة الجيش أو مجلس الأمن القومي للكيان.
وبات معروف للجميع أن نتنياهو لم يعين زيني فقط لاعتبارات مهنية، بل من أجل تأمين استمراره في السلطة، وضمان ولاء الجهاز خلال المرحلة المقبلة، التي يُحتمل أن تشهد تطورات قضائية حاسمة في ملفاته الشخصية. ويرى نتنياهو أن زيني الخيار “الآمن” سياسيًا، ولا يشكل تهديدًا عليه، ولن يبادر إلى تحدي قرارات الحكومة أو التسريبات القضائية المتعلقة بمحاكمته.
ليست هذه المرة الأولى التي يُشار فيها إلى تأثير سارة نتنياهو على قرارات التعيين داخل الدولة، لكن المفاجأة هذه المرة كانت في حجم الدور الذي لعبته في ترشيح وتثبيت اسم زيني لرئاسة الشاباك. فسارة ضغطت من أجل تعيين شخصية “لا تملك طموحًا سياسيًا”، ولا تُعرف بمواقف مستقلة، وهو ما ينطبق على زيني من وجهة نظرها.
هذا التدخل، الذي كان يُهمس به في الكواليس، بات الآن جزءًا من الجدل العلني حول مستقبل استقلالية الأجهزة الأمنية، في وقت تتزايد فيه الانتقادات لتسييس القضاء والجيش والشاباك، وتحويلها إلى أدوات بيد نتنياهو وعائلته.
لم يأت تعيين زيني في فراغ، بل تم بعد تجاهل توصيات قانونية بضرورة فتح الترشح أمام قيادات من داخل الشاباك نفسها، ووجود طعن داخلي على الآلية التي تم بها الاختيار. وبهذا المعنى، فإن قرار نتنياهو يُنظر إليه كتحدٍ مباشر للجهاز القضائي في الكيان "الإسرائيلي"، الذي لا يزال يلاحقه في قضايا الفساد والرشوة.
ولا يخفى أن هذه الخطوة تأتي ضمن سلسلة قرارات تهدف إلى خلق “درع بيروقراطي” حول نتنياهو، يمنع أي مؤسسات سيادية من التحرك ضده دون المرور عبر شبكة ولاءات شخصية وسياسية أنشأها خلال سنواته الطويلة في الحكم.
زيني اليوم في قلب العاصفة، وعليه أن يثبت أنه أكثر من مجرد خيار سياسي. سيواجه مقاومة داخلية صامتة، وربما نشطة، من قيادات داخل الشاباك تشعر بأنها تهمّشت، وسيتعين عليه كسب ثقة مؤسسات لا تنظر إليه كـ”واحد منها”.
لكن الأهم، أن عليه إثبات استقلاليته في مواجهة قرارات قد تُطلب منه تنفيذها خدمة لأجندة نتنياهو السياسية، خاصة في ملفات فلسطينية حساسة، أو في سياق مراقبة الداخل الإسرائيلي وخصوم رئيس الحكومة.
في النهاية ، يُعيد هذا التعيين طرح السؤال الجوهري في النظام السياسي للكيان "الإسرائيلي"
هل باتت المؤسسات الأمنية تعمل لحماية أمن الكيان أم لحماية استمرار نتنياهو ؟ وهل يمكن لجهاز حساس كالشاباك أن يستمر في أداء مهامه بكفاءة، إذا تحوّل رئيسه إلى مجرد موظف سياسي لدي نتنياهو؟
فأداء الشاباك في الشهور القادمة، ودرجة احتفاظه باستقلاليته في لحظة هي الأخطر على الإطلاق في تاريخ دولة الكيان العبرية من الممكن أن تكون البداية لنهاية دولة الكيان المحتل الغاصب.