من أرض الحكمة إلى آفاق النهضة.. ندوة فكرية في السفارة اليمنية بالقاهرة

احتضنت السفارة اليمنية في العاصمة المصرية القاهرة ندوة نوعية حملت عنوانًا لافتًا: "من أرض الحكمة إلى آفاق النهضة: القيم الدينية كمدخل لبناء الأوطان"، شارك فيها كوكبة من المفكرين والدبلوماسيين، يتقدمهم الحبيب علي الجفري، رئيس مجلس أمناء مؤسسة طابة، وسعادة السفير خالد بحاح، الذي فتح باب الحوار حول دور القيم الروحية في مواجهة أزمات الحاضر، وسط مشهد ثقافي استثنائي جمع الفكر بالدبلوماسية.
القيم أولًا لا بناء بلا إنسان
وأطلق السفير خالد بحاح، في كلمته الافتتاحية، رؤية عميقة بشأن أهمية إعادة تشكيل الخطاب الثقافي والديني في عالم مأزوم، مؤكدًا أن المرحلة الحالية تستدعي تحالفات معرفية تسعى لبناء الإنسان قبل الحجر، لافتًا إلى أن الخطر الفكري بات يفوق الحروب التقليدية، ما يتطلب توحيد الجهود بين المؤسسات الرسمية والكيانات الفكرية لتقديم خطاب عقلاني ينطلق من أرض الحكمة اليمنية.

من الذكاء الاصطناعي إلى الذكاء القيمي
من جانبه، تحدّث الحبيب علي الجفري عن التحديات التي تواجه الأجيال الناشئة، مشيرًا إلى أن الكم الهائل من المعلومات المتاحة بفعل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، يجب ألا يُغني عن جوهر القيم والمبادئ، مؤكدًا أن "الجيل الجديد بحاجة إلى مرجعية إنسانية، لا مرجعية آلية"، داعيًا إلى إعادة تعريف الحكمة باعتبارها حالة توازن بين الإيمان والفهم، بين الماضي والمستقبل، بين التأمل والفعل.

مواجهة التطرف أزمة وعي لا أزمة عقيدة
في تحليل جرئ ومباشر، ذهب الحبيب علي الجفري إلى أن جذور التطرف ليست دينية بقدر ما هي نفسية، تُلبّس نفسها رداء العقيدة لتبرير سلوكها الإقصائي، داعيًا إلى مراجعة شجاعة للخطاب الديني، مُطالبًا جميع التيارات والمذاهب بأن تتبرأ من تطرف أبنائها قبل أن تُدين الآخر.

الشباب من التلقين إلى الحوار الحقيقي
محور الشباب كان حاضراً بقوة، حيث أقرّ الحبيب علي الجفري بأن الحديث عنهم لا يُغني عن الاستماع إليهم، موضحًا أنه قضى سنوات يخاطبهم دون أن يحاورهم فعلاً، مؤكدًا أن النهضة الحقيقية تبدأ عندما ننتقل من الحديث عن الأجيال إلى الحوار معها، ومن التنظير حولهم إلى مشاركتهم في صياغة المستقبل.
بناء مجتمعي من الجذور
واختُتمت الندوة بتوصية ملهمة من الحبيب علي الجفري، دعا فيها الجالية اليمنية بالقاهرة إلى أن تكون نواة للتغيير المجتمعي من الداخل، بتأسيس نموذج حي يحتضن التعدد، ويعلي قيم التفاهم والرحمة والعدالة، مطالبًا بإطلاق مبادرات معرفية يقودها الشباب اليمني، بعيدة عن الحزبية والانقسام، تساهم في نشر الوعي وبناء خطاب ديني متزن.
توقيع شراكة من أجل المستقبل
تخلل اللقاء توقيع بروتوكول تعاون بين السفارة اليمنية ومؤسسة طابة، يهدف إلى تطوير مشاريع فكرية وتربوية مشتركة ترسخ لقيم الحوار والتعايش، وتنقل الحكمة من خانة الذاكرة إلى ساحة الفعل.