" رحلة في مدن كفر الشيخ" مطوبس.. مزيج بين التاريخ والمستقبل

الآن قد وصل بنا قطار " بلدنا اليوم" إلى ثالث محطاته بمحافظة كفر الشيخ, حيث أقصى شمال المحافظة وتحديدًا في مركز ومدينة مطوبس.

تلك المدينة حين تدخلها فإنك تلامس جزءًا من البحر, وعمقًا من التاريخ, ومزيجًا خاصًا من نوعه يجمع بين أجواء الريف والمدينة معًا, وبين القديم الذي لا ينسى والمستقبل المشرق.

مركز مطوبس يحده من الشمال مياه البحر الأبيض المتوسط, ومن ناحية الشرق مركز فوة, ومن الجنوب مركز دسوق, ومن الغرب مركز رشيد بمحافظة البحيرة, تبلغ مساحتها نحو 346 كيلو متر مربع, ويعيش فيها أكثر من 300 ألف نسمة، موزعين على المدينة الرئيسية وعدد كبير من القرى، أبرزها: بر بحري، الروس، الجدية، بني بكار، خليج بحري، منية المرشد، الجمالية.

الحلويات الشرقية صناعة الآباء والأجداد

في البداية وقبل أن نتجول في شوارعها نسلط الضوء على صناعة الحلويات الشرقية التي اشتهرت بها مدينة مطوبس على مدار قرن من الزمن, فلم تكد تخلو موائد الاحتفالات والمناسبات من صناعتها للحلويات البلدي, وقبل أن تصل شبكات التوزيع الكبرى ومحلات الحلويات الحديثة، كانت تُعرف في كفر الشيخ وما حولها بأنها مدينة الحلويات الشرقية, الهريسة، البسيمة، الكنافة، البسبوسة، القطايف، جميعها كانت يتم تحضيرها في محال متواضعة، لكن بنكهة لا تخطئها الذاكرة,  كثير من هذه المحال لا تزال قائمة، وبعضها يعود تاريخه لقرن ، ولا يزال يُقدّم المنتجات بطريقة يدوية خالصة, لها مذاق خاص ومتفرد.

سوق الأحد.. إكتفاء شبه ذاتي

كل أحد صباحًا، تتحوّل مطوبس إلى مسرح حي للحياة تكاد تشعر أن جميع البيوت خالية من الناس, الناس جميعًا في السوق الأسبوعي, سوقٌ تقصده القرى والعزب والدينة القائم على أرضها, حيث كل السلع أمام عينيك, اللخضروات طازجة من بر بحري, والفواكه من مزارع بني بكار والأسماك من شاطىء الجمالية, إضافة للعطارة والأدوات المنزلية وكافة المستلزمات الحياتية, كل هذا بالتزامن مع سوق المواشي قبلة الفلاح في هذا اليوم ليبيع ويشتري ويبرم صفقات تجارية مع تجار المواشي الذين يأتون إليه من كل مكان.

الجمالية وبرج مغيزل.. قرى تعيش على الصيد

في الشمال، وعلى أطراف بحيرة إدكو، تقع قرى مثل الجمالية وبرج مغيزل، وهما من المراكز البحرية الأهم في مطوبس..

الصيد هنا ليس وظيفة، بل نمط حياة. الأطفال ينشأون وسط شباك الغزل، والنساء يساعدن في ترتيب "العدة"، والمراكب تخرج فجرًا لتعود مع أول ضوء، محمّلة بالبلطي والبوري والقراميط وأصناف أخرى.

في "برج مغيزل"، تنشط كذلك تجارة الأسماك المجففة والمدخنة، خصوصًا في أعياد الفطر وأعياد شم النسيم، حيث تشتهر القرية بمنتجاتها من الفسيخ والرنجة.

طرابيش مطوبس.. حرفة تاريخية اندثرت من الذاكرة

ورغم أن مدينة فوة هي الأشهر في صناعة الطرابيش، إلا أن بعض قرى مطوبس شهدت في الماضي وجود ورش صغيرة تصنع اللباد الأحمر، وتُجهّز الخامات التي تُستخدم في حياكة الطربوش, رغم أن هذه الصناعة اختفت مع تغير الزمن، لكن كبار السن لا يزالون يروون حكايات "السبل" و"المكانس" التي كانت تُستخدم في تجهيز الصوف، قبل أن يرسل إلى الورش الأكبر في مدن مطوبس وفوة.

شارع البحر.. شريان المدينة التجاري

يُعد شارع البحر في قلب مطوبس واحدًا من أهم شرايينها الحيوية, يبدأ من وسط المدينة ويمتد شمالًا حتى مناطق الساحل، وتمر عبره الحركة اليومية للمدينة: من طلاب المدارس إلى التجار، ومن سيارات الأجرة إلى دراجات الصيادين.

على جانبيه تتناثر المحال التجارية، والمخابز البلدية، والمقاهي الشعبية، وصيدليات وعيادات، ومساجد عريقة، وورش حرفية لا تزال تقاوم تغير الزمن. هو ليس مجرد شارع، بل محور حياة, وإذا واصلت السير شمالًا على نفس الشارع، تجد نفسك تتجه نحو قرى مثل الروس وبني بكار، وكلتاهما شهيرتان بارتباطهما بالبحر والصيد, في هذه المناطق، تتغير الرائحة والنبرة الهواء أكثر ملوحة، والبيوت أكثر ارتباطًا بمراكب الصيد، والناس يعرفون البحر كما يعرفون بيوتهم.

شارع المركز.. قلب مطوبس النابض

أما إذا كنت تريد أن تذهب لقضاء عمل في مصلحة حكومية أو ترغب في زيارة مستشفى مطوبس فإنك تتجه مباشرة جنوب شارع البحر إلى شارع المركز أقدم شوارع المدينة وعاصمتها الإدارية, به مجلس المدينة, ومستشفى مطوبس, والشهر العقاري, والسجل المدني, ومركز الشرطة, والبنوك, والمدارس, والشركات, والمكاتب الإدارية.

وفي هذا الشارع تقام أغلب الفعاليات الرسمية, والمؤتمرات السياسية, والندوات الثقافية, ويمتد الشارع في خط مستقيم تقريبًا، يربط أطراف المدينة بعضها ببعض، ويُعد نقطة الوصل بين السوق، والمستشفى، وشارع البحر, فهو شارع المركز ليس لوجود مركز الشرطة, وإنما لأنه مركز الحياة هنا في مطوبس.

تطور ملحوظ للبنية التحتية بمطوبس

من الناحية الخدمية فقد حظت مطوبس نصيب الأسد في مبادرة حياة كريمة لتطوير البنية التحتية, بما في ذلك تجديد المستشفى, وإنشاء محطات لرفع مياه الصرف وتحلية المياة, ورصف طرقها الرئيسية, في إطار جهود مبذولة لتطوير البنية التحتية التي تعاني منها محافظة كفر الشيخ.

في محطتنا القادمة يتجدد اللقاء مع “ رحلة في مدن كفر الشيخ” نغوص في أعماق مدينة جديدة من مدنها…