بلدنا اليوم
رئيس مجلس الادارة
د/إلهام صلاح
رئيس التحرير
وليد الغمرى

" رحلة في مدن كفر الشيخ" فوة.. وثيقة حية من وثائق التاريخ

" رحلة في مدن كفر الشيخ" فوة.. وثيقة حية من وثائق التاريخ

فوة
فوة

نستأنف اليوم عزيزي المتابع رابع جولاتنا ضمن سلسلة " رحلة في مدن كفر الشيخ" حيث أودى بنا قطار " بلدنا اليوم" إلى مدينة من أعرق مدن المحافظة تراثيًا وتاريخيًا, تشعر أنها مدينة رغم ما وصلنا إليه إلا أنها لا تزال تحمل أصالة الماضي, وتاريخ عظيم.. إنها مدينة "فوة".

رغم أنها لا تتجاوز 131.1 كيلومتر مربع، تقف مدينة فوة شامخة في التاريخ كواحدة من أغنى مدن مصر بالتراث الإسلامي، وعاصمة منسية للحِرف التقليدية والصناعات اليدوية، وعلى رأسها صناعة الطرابيش, والكليم, والموكيت المزخرف, وعدد من الحرف,  تقع المدينة على الضفة الغربية لفرع رشيد، وتضم ما يزيد عن 200 ألف نسمة، يتوزعون بين المدينة والمناطق الريفية المحيطة.

 

من أين جاءت التسمية؟

يرجّح المؤرخون أن اسم "فوة" اشتُق من الكلمة القبطية ( Paou)  تعني الفم, موقعها عند نقطة تفرّع مائي, وارتبطت لاحقًا بالفوة النباتية (نبتة تُستخدم لصبغ الأقمشة)، ما يعكس جذور المدينة الصناعية, ورجّح آخرون أنها سميت بذلك نسبة إلى أحد أحفاد يعقوب.

وأطلق عليها مدينة المساجد, نظرًا لكثرة المساجد التاريخية بها, والتي يبلغ عددها 365 مسجدًا, ويطلق عليها أيضًا قبلة المتصوفين, فكان يأتي المتصوفون إليها من كل مكان لطلب العلم.

 

المدينة الثالثة في الآثار الإسلامية

ليست القاهرة وحدها من تحمل مجد العمارة الإسلامية، ولا رشيد فقط من تروي قصص الحملة الفرنسية, فـ فوة، رغم تواضع مساحتها، تحتل المركز الثالث في عدد المباني الإسلامية المسجلة كآثار على مستوى الجمهورية، وتزخر بمساجد وزوايا وسبل وبيوت ذات طراز مملوكي وعثماني فريد.

 

رصد بعض مزارارات فوة التاريخية

مسجد القنائي الكبير, الذي يعد تحفة معمارية من العصر العثماني، بزخارف نباتية وهندسية، ومئذنة شاهقة تعكس جمال العمارة التقليدية.

مسجد الشيخ أبو شعرة, ويضم ضريحًا شهيرًا ومكانًا روحيًا يحج إليه الأهالي في المناسبات.

زاوية أبو المكارم, التي تبقى نموذجًا صوفيًا متكاملًا، بمحراب وقبة وسكن للفقراء وطلاب العلم.

مسجد المغربي, يحتفظ بمحرابه ومنبره الأصلي، وكان مركزًا علميًا وروحيًا للطريقة الشاذلية.

 

سبيل فوة الأثري, الذي كان يوزع الماء على المارة، وهو مزخرفًا برخام ونقوش عثمانية.

 

بيت القنائبي, منزل من القرن الـ 18، بطراز مدني عثماني، ومشربيات خشبية فاخرة.

 

مصنع الطرابيش, تم تأُسيسه في عهد محمد علي، وهو شاهد على ازدهار المدينة كعاصمة للزي الرسمي المصري.

 

هذا ما استطعنا سرده كمجرد ذكر دون دخول في تفاصيل تحتاج كل واحدة منها تقريرًا خاصًا بها, ولم نحصر كل معالمها, حتى يتسع بنا المجال لنتعرف عليها أكثر من الناحية الاجتماعية والجغرافية.

ورغم هذه الكنوز، فإن معظمها يعاني الإهمال، وتغيب عنها أعمال الترميم والترويج السياحي، ما دفع نشطاء محليين للمطالبة بإدراجها ضمن المسارات السياحية الرسمية.

 

قلب فوة النابض.. شارع السوق الكبير

 

 

لعل الشارع الأشهر في المدينة بلا منازع هو شارع السوق, الذي يمتد من ميدان الجامع الكبير، ويضم محلات العطارة والأقمشة والخردوات، والملابس الجاهزة, فهو يعكس الحركة النشطة للتجارة التقليدية التي ما زالت حية رغم العصر الحديث.

وهناك أيضًا عدد من الشوارع أخرى لها أهمية تجارية تتواجد بها محلات تجارية وورش للصناعات اليدوية التي تتميز بها مدينة فوة, كـ شارع القنائبي الذي يؤدي إلى المسجد والبيت الأثري, وشارع المصنع نسبة إلى مصنع " الطربوش" وبه عدد من الورش, وشارع زاوية أبو المكارم, وشارع البحر الذي يطل على النيل مباشرة, إضافة إلى شوارع أخرى كثيرة تحمل عبقًا تاريخيًا وأثرًا حضاريًا.. لم لا وهي المدينة التي تقبع التاريخ!.

 

فوة والصناعة.. الطربوش الذي لا يموت ذكره

منذ القرن التاسع عشر، ارتبط اسم فوة بـصناعة الطرابيش. كان المصنع الرسمي للطرابيش يدار بأوامر من محمد علي، ويعد من أوائل المصانع في مصر الحديثة حتى الستينات، وظلت المدينة تنتج الطرابيش لطلبة الأزهر والشرطة والجيش، قبل أن تنطفئ الصناعة تدريجيًا, ومع ذلك، تحتفظ المدينة باسمها في الذاكرة الجمعية للمصريين.

كما عُرفت فوة بصناعات النسيج، خاصة الكليم اليدوي والمشغولات الصوفية، وما زالت بعض الورش التقليدية تعمل حتى اليوم، وإن كانت قد واجهت خطر الانقراض في لعقود ماضية, فإنها بدت تستعيد قوتها من جديد بعد اهتمام الدولة في الآونة الأخيرة بالصناعات اليدوية, وعادت فوة من جديد لتغزو صناعاتها التي تعبر عن التراث المصري, ليغزو الأسواق المحلية والعالمية, وأصبحت مرشحة للانضمام إلى منظمة اليونسكو في هذا المجال.

 

فوة المدينة المنسية سياحيًا 

على الرغم من جمالها وتفردها، ما زالت فوة بعيدة عن الضوء الرسمي والإعلامي, وتحتاج بنيتها التحتية  لتطوير، والآثار فيها تحتاج ترميمًا عاجلًا، والأسواق بحاجة لتخطيط وتنظيم, ومع ذلك، تظل روح المدينة في ناسها، وفي طابعها الهادئ المتشبث بالجذور, وتحتاج لمن يضعها على خريطة السياحة العالمية فما تملكه من تراث يؤهلها لذلك.

 

رحلة مصحوبة بالمشاعر

في نهاية جولتنا داخل مدينة فوة, فإن جملة مشاعر تتحسسها حين تمشي في شوارعها، فتسمع صدى أقدام الدراويش، وتشم رائحة الطربوش المصبوغ يدويًا، وتلمح مآذن ما زالت تحرس الزمان, لعل الالتفات إليها لا يكون من باب الحنين فقط، بل من باب العدالة الثقافية، والحق في أن تكون المدن الصغيرة على خريطة الذاكرة الحية للمعنيين.

 

 إلى أن نلتقيكم في رحلة جديدة داخل مدن كفر الشيخ حسب توقيت قطار " بلدنا اليوم"…

تم نسخ الرابط