بلدنا اليوم
رئيس مجلس الادارة
د/إلهام صلاح
رئيس التحرير
وليد الغمرى

حسين متولى يكتب: حرية الصحافة وأخلاقيات العمل الصحفي

حسين متولي
حسين متولي

قبل ثلاثين سنة، انتفضت الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين في مصر رفضا للقانون ٩٣ لسنة ١٩٩٥، واختارت العاشر من يونيو ليكون يوما للصحفي المصري، يؤرخ لمعركة ضد تقويض حرية التعبير، تلك الحرية المكفولة بالمادة ١٩ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ونفسها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حتى باتت الصحافة توصف في دساتير الدول الحرة بسلطة الرقابة الشعبية.
خلال ثلاثة عقود؛ تبدلت الأحوال في مصر والمنطقة والعالم، سقطت أنظمة سياسية، واقتصادية أيضا، وتبدلت ظروف بلدان وشعوب، وتغيرت دساتير وأشكال الحكم في عدد من الدول المهمة، ناهيك عن تصاعد وتيرة الإبادة والتطهير العرقي والتهجير بحق الشعب الفلسطيني، وسيطرت الرأسمالية بكافة أوجهها حتى تمكنت من ملكيات الصحف والمواقع الإلكترونية والفضائيات التي غابت ميزة تعددها يوما، فتقلصت قدرات سلطة الصحافة في دعم حق الجمهور.
في هذا المناخ؛ نعيد التذكير بمهمة الصحفي الأولى التي تحقق غاية ومبرر وجوده، وهي الوصول إلى معلومة غير معلومة للغير، ما يجعل لمهمته ومهنته أهمية، ولوسيلته طلبا لدى المواطنين، ومن ثم نجده كثير الحاجة إلى مناخ سياسي َتشريعي يضمن له عملا مستقلا يجعل من آلية محاسبته عند الخطأ مقبولة ومنطقية الحضور، كحرية الإصدار والملكية والتعبير، والحق في الوصول إلى المعلومات والحصول عليها وتداولها دون قيد، وتناول الشخصيات العامة في حدود دورها دون المساس بجوانبها الخاصة، ومن ثم دعم أركان الدولة ومؤسساتها في مكافحة الفساد وحماية كل ما هو عام.
بين يدي؛ وأنا احتفل مع زملائي بيوم الصحفي، كتاب "أخلاقيات العمل الصحفي" الصادر حديثا عن دار أم الدنيا للدراسات والنشر، وتمثل مقدمته المدونة بقلم الكاتب الصحفي الأستاذ علاء ثابت، رئيس تحرير جريدة الأهرام السابق وعضو الهيئة الوطنية للصحافة، ميثاق شرف أكثر تفسيرا لممارسي المهنة، ولم لا؛ وقد عاصرته قائما على لجنة القيد بنقابة الصحفيين منذ 17 سنة، شهدت الصحافة المصرية خلالها تحولات غير عادية مواكبة للتغيرات السياسية والتشريعية من ناحية، ومصاحبة للتطور التقني والمهاري من ناحية أخرى.
أما الكتاب؛ فهو لكاتب صحفي عراقي كبير من كردستان، له تاريخه في العمل الصحفي، ويملك أهم أدوات الصحفي المعاصر وهي الترجمة، ناهيك عن سعيه الدؤوب على كل الطرق المؤدية إلى المعلومات والوثائق، لتجد اغلب مؤلفاته مدعومة بالأرشيف الوطني البريطاني ومصادر لم يذهب إليها من الصحفيين المصريين إلا الأستاذ الراحل محمد حسنين هيكل، وهو الكاتب الصحفي شيركو حبيب، صاحب ورئيس تحرير صحيفة كردستان اليوم، ومجلة «رينو»، الصادرتين في لندن وأربيل باللغتين العربية والكردية. 
و فصول كتاب "أخلاقيات العمل الصحفي"، تستهدف في مجملها دعم مهارات وخبرات ومعارف ممارسي المهنة في إنتاج صحافة ناجحة، تحترم خصوصية الفرد والمجتمع، وتحقق غاية الجمهور في المعرفة والوعي، مرتكزة على الحق في وفرة المعلومات والوصول إليها وحرية التعبير وممارستها دون قيد مانع لوظيفة الصحفي الأساسية. 
في هذا الإطار؛ يمكن تفسير دور الصحافة المراد تحقيفه في أجواء سياسية كالتنافس الانتخابي وحق المواطن في الاطلاع على حقيقة ومحتوى برامج الأحزاب والمرشحين وتفنيد رؤى القوى السياسية، الإعلام والانتخابات، والتزام الصحافة ذاتها بالقانون طالما سعت لدعوة المجتمع لاحترامه، ما يجعل الصحفي على دراية تامه بواجبات مهنته مقابل حقوقه، لطالما كانت حرية التعبير مقترنة بالالتزام بالأسس المهنية كضمانة لمجتمع ديمقراطي مدني، وهي المسألة التي تحددها المعايير الدولية لحرية التعبير ويجب على التشريعات المحلية صونها وحمايتها. 
ومثلما انتقى الكاتب الصحفي علاء ثابت؛، كلمات مقدمته التي تمتع مسامع وأعين أبناء مهنته حين يقول "حين تفتح الصحيفة صباحًا... تطل على ضمائر الناس. فالصحافة هي قدر من يختار أن يكون صحفيًا، لا يختار وظيفة، بل يُوقع عهدًا خفيا مع الحقيقة. ومن يكتب، لا يُشبه من يُدوّن فقط، بل يشبه من يُشهد ويسأل ويُحاكم أمام نفسه أولاً. لذلك، فإن أخلاقيات الصحافة ليست «كتيبا» يُعلق على جدار غرفة التحرير، بل هي ضوء داخلي. إذا انطفأ، لم تنفع القوانين، ولم تغن المواثيق". 
يكتب المؤلف شيركو حبيب لأهل المهنة: " لابد أن يكون الصحفي على دراية بثقافة مجتمعه مما يجعله يراعي عند كتابته لأي تحقيق أو مقال أو أي حدث عمومي كان أو خاصا، ألا يخرج عن تقاليد ومقومات هذا الشعب، وأن يدعمها في كل كتاباته، ويجب أن يكون الصحفي ملما بالثقافات الأخرى، التي تساعده في فهم الآخر، وماذا يريد من طروحاته الصحفية والإعلامية بصفة عامة، ويستطيع بذلك مواجهة أي مخاطر قد تصادفه خلال عمله والتصدي لها بالأسلوب المناسب بمستوى الرد الحضاري الدبلوماسي، وإيصال خطابه للآخر بكل لباقة وأخلاق".
ويؤكد المؤلف" أن أخلاقيات المهنة الصحفية ترتبط في كثير من الدول بالتقاليد والأعراف أكثر من ارتباطها بالقوانين، لذا اهتمت أكثر بلدان العالم، بإصدار مواثيق شرف إعلامية للمعايير الأخلاقية التي يجب أن يسير على مضمونها العام الإعلاميين والصحفيين لتحقيق أكبر قدر من الأمانة والصدق في نقل المعلومات". 
ثم يذكرنا بظهور مواثيق الشرف على الصعيد الدولي عام 1913 لتحسين الأداء الإعلامي، مشيرا إلى أن أقدم هذه المواثيق أطلق عليه «قواعد الأخلاق الصحفية» صدر في واشنطن عام 1926، ونشأت في ذلك العام الفدرالية الدولية للصحفيين واتخذت عددًا من الإجراءات الهادفة إلى تنظيم المهنة ذاتيا بواسطة المهنيين والخبراء من رجال الصحافة.
يحاول المؤلف؛ التنبيه على ضرورة تمتع الصحفي بمهنية جامعة بين حقه في مناخ يمكنه من امتلاك واستخدام أدواته، وأولها حرية التعبير وحق الوصول إلى المعلومات، وبين ضميره الشخصي ومحركه المجتمعي والوطني، فغاية الصحفي النزيه هو الحقيقة، وحماية أمن بلده ومجتمعه على كافة المستويات. 
لذا؛ تجد الأستاذ علاء ثابت مشددا على أن هذا الكتاب "لا يجيء كمدرس خصوصي في القواعد المهنية، بل كصوت هادئ يُذكر وسط الزحام بأن الكلمة، إذا خرجت من غير قلب، لا تُضيء"، ويطرح التساؤلات : "في زمن أصبح الخبر سلعة، والعنوان سلاحًا، والسرد أداة في حرب المصالح كيف تعيد للصحفي مكانته؟ لا كصانع ضجة، بل كراو أمين الحقيقة لا يملكها، بل يقترب منها قدر طاقته و ضمیره؟". مطلقا تحذيره" الصحافة، إن نسيت إنسانيتها، فقدت شرفها، والسبق الصحفي إن لم يراع آثار ما يعلن، صار فضيحة لا فضيلة، والاستقلالية، إن لم تكن نابعة من احترام الذات، تحولت إلى مجرد شعار نعلقه ونمضي ". معززا فكرة أن الأخلاقيات تنشأ لا من نص بل من شعور بالمسؤولية، وأهم أوجهها حماية حق القارئ والمجتمع، والمصدر الصحفي أيضا.
في تقديري المتواضع، وقد تجاوز عمري المهني 26 سنة قضيتها بين الكتابة والمنع والإبلاغ، وقبلهم التعلم من أساتذة كبار عن قرب أو بعد، فإن لحظة تأمل بين مطالبات في ذكرى تاريخية للحظة هامة في حياة الصحفيين، ومسؤوليات جمة في رقبة أبناء مهنة حملة الأقلام، تقف سيرة الأخلاقيات محل استدعاء أمام أجيال جديدة من ممارسي المهنة مع تعدد وسائط الصحافة وتعقد أساليب استخدامها والتشريعات الحاكمة لها، فلا تجعل الحديث منزويا عند حقوق اقتصادية متأخرة، ولا تحوله إلى جمود وبهتان مع ذكر حربة التعبير مجردة من ظهير حماية اجتماعية واجبة، فالأسباب المكتملة لضمان صحافة حرة أخلاقية لا يجوز استبعاد أحدها أو استسهال غياب ركن منها، ولا أظن أن تبادل الخبرات والتجارب والتواصل بين أجيال صحفية بعيد المنال في هذه اللحظة.

تم نسخ الرابط