سوريا وإسرائيل.. بين تحولات المصالح وسقوط الأقنعة| خاص

أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع خلال مقابلة مع المجلة اليهودية أن "لدى سوريا وإسرائيل أعداء مشتركين، ويمكن للبلدين لعب دور رئيسي في الأمن الإقليمي"، مشددًا على ضرورة إنهاء "عصر القصف المتبادل"، ومعتبرًا أن "الازدهار لن يتحقق في ظل الخوف".
وبينما رفض الحديث عن تطبيع فوري، فقد أبدى انفتاحًا مشروطًا على مفاوضات مستقبلية، وفقًا للقانون الدولي واحترام السيادة السورية، معتبرًا أن “السلام لا يُبنى بالخوف، بل بالاحترام المتبادل”.
كما كشف عن تفاصيل اللقاء الذي جمعه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرياض منتصف مايو 2025، فناقش خلاله إمكانية انضمام سوريا لاتفاقيات "أبراهام"، بشرط استقرار الداخل السوري.
هذه التصريحات فتحت الباب لسؤال جوهري: من هم الأعداء المشتركون الذين يقصدهم الشرع؟ وهل نحن أمام تحوّل استراتيجي في التموضع السوري أم مجرد مناورة سياسية لامتصاص الضغوط؟
من هم الأعداء المشتركون؟
اعتبر الدكتور رفعت سيد أحمد، مدير مركز يافا للدراسات، أن المقصود بالأعداء المشتركين هم "محور المقاومة"، قائلًا: "الشرع أداة منفذة لترتيبات بين إسرائيل وتركيا، والعدو المشترك الحقيقي هو إيران وأذرعها: حزب الله، حماس، والجهاد الإسلامي، والحشد الشعبي، والفصائل الموالية لإيران في سوريا والعراق واليمن".
وأشار أحمد، في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم"، إلى أن هذا التفسير يعزز من فرضية أن سوريا الجديدة – تحت قيادة الشرع – تنأى بنفسها عن خطاب "الممانعة" التقليدي، وتتجه نحو تموضع جديد يضع الأولوية في تحجيم النفوذ الإيراني، ولو كان ذلك عبر تقارب ضمني أو مباشر مع تل أبيب.
وأكد أحمد أن الشرع بات أداة بين يدي إسرائيل، خصوصًا بعد احتلال 40% من مساحة سوريا، وسيقوم بمساعدة إسرائيل على إقامة ممر لنهر الفرات وصولًا لمناطق نفوذ الأكراد تحت مسمى "ممر داوود"، وبالتالي هو لا يهتم بأرضه، واصفًا الشرع بـ"العميل الصغير في يد إسرائيل".
إسرائيل ليست أولولية
في ذات السياق، يرى اللواء عبد الحميد خيرت، وكيل جهاز أمن الدولة الأسبق، أن تفكك سوريا وتحولها إلى ساحة للفصائل المسلحة المتطرفة جعل من التنظيمات الإرهابية التهديد الأبرز لسوريا وجوارها.
ويضيف: "الفصائل المسلحة لم تعد تضع إسرائيل كأولوية، بل تسعى لقتال الأنظمة العربية وإقامة الخلافة، وهو ما تستغله إسرائيل وأمريكا لدعم تلك الفصائل طالما تهديدها موجه للعرب وليس لتل أبيب".
وبالتالي، فإن مقولة "العدو المشترك" تصبح في هذا السياق أقرب إلى معادلة أمنية جديدة تضع التنظيمات المسلحة – لا إسرائيل – على رأس أولويات الصراع السوري.
3 سياقات استراتيجية رئيسية
ويعلق الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور محمد وازن بقوله: "لا يمكننا قراءة هذا التصريح بسطحية، فنحن أمام سياسي محنّك يدرك تمامًا خطورة ربط اسمه بإسرائيل في الوعي الجمعي العربي، ولذلك، فالتصريح محمّل برسائل متعددة ومركبة، ويجب تفكيكه ضمن ثلاث سياقات استراتيجية رئيسية."
ويشرح وازن، في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم"، أن الشرّع ربما كان يقصد جماعات مثل داعش أو هيئة تحرير الشام، أو حتى بعض الفصائل المسلحة الخارجة عن سلطة الدولة، والتي تعتبرها إسرائيل تهديدًا محتملًا على حدودها الشمالية مع سوريا ولبنان.
ويضيف: "الشرّع هنا يحاول أن يقدّم نفسه كرجل أمن، رجل دولة، لديه تقاطع مصلحي – ولو مؤقت – مع إسرائيل في مواجهة عدو مشترك. هذا لا يُفهم كتحالف، بل كرسالة طمأنة للغرب بأن النظام القادم لن يكون فوضويًا أو مفتوحًا على الجماعات المتطرفة."
ويرى وازن أن الشرّع قد يكون يلمّح إلى إيران باعتبارها العدو المشترك، من خلال الإشارة إلى الميليشيات التابعة للحرس الثوري المنتشرة في سوريا، مضيفًا: "في هذه الحالة، هو لا يغازل إسرائيل مباشرة، بل يرسل إشارات إلى واشنطن وتل أبيب مفادها: أنا بديل محلي يمكن التفاهم معه، لا أتبنى الأجندة الإيرانية ولا أحتاج دعمًا يثير قلقكم. إنها محاولة لإعادة التوازن داخل سوريا، سياسيًا وعسكريًا."
وأوضح الخبير في الشؤون الإسرائيلية وازن أن التصريح يتماشى مع الرؤية الغربية التي تروج لسوريا منزوعة السلاح والمقاومة، ويبدو أن الشرّع يحاول تقديم نفسه في هذا الإطار، مؤكدًا إنه يريد أن يقول: أنا لست راديكاليًا، أستطيع ضمان حدود مستقرة، بلا تهديدات عابرة. وهذا الخطاب يتماشى مع ما تبحث عنه واشنطن وبروكسل وليس مع ما ينتظره الشارع العربي.
وعن الجهة التي قد يكون الشرّع قصدها بـ"الأعداء المشتركين"، يقول وازن: "استهداف حزب الله – عبر الإشارة إلى لبنان – مستبعد، لأن ذلك يدخل في عداء مباشر مع قوة إقليمية كبرى، وأما الفصائل الفلسطينية، فقد يقصد بها جماعات مثل حماس، ولكن هذا أيضًا سيناريو ضعيف"، مستبعدًا أن يكون قاصدًا لأي من الدول العربية؛ لأن الرسالة موجهة للغرب وليس لفتح صراع مع المحيط العربي.
وختم الدكتور وازن تصريحه بالتأكيد على أن الشرّع لا يعلن تحالفًا مع إسرائيل، بل يستخدم تعبير "أعداء مشتركين" كأداة لإعادة تسويق نفسه كمرشح مقبول للمرحلة الانتقالية في سوريا، فهي لعبة سياسية بامتياز هدفها الوحيد هو بعث صورة رجل الدولة الذي يمكن الوثوق به، لا أكثر.