بلدنا اليوم
رئيس مجلس الادارة
د/إلهام صلاح
رئيس التحرير
وليد الغمرى

أكثر من 100 حزب في مصر.. هل يبقى منها ما يعرفه الشارع؟

صورة معبرة
صورة معبرة

رغم أن عدد الأحزاب السياسية المسجلة رسميًا في مصر يتجاوز 100 حزب وفقًا لآخر الإحصاءات حتى منتصف عام 2025، فإن الواقع السياسي يكشف عن مفارقة لافتة: لا يُعرف من هذه الأحزاب في المشهد العام سوى عدد محدود، بينما يغيب الباقي عن الشارع المصري دون تأثير فعلي يُذكر.

ومع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، سواء لمجلس النواب أو مجلس الشيوخ، بدأت أسماء بعض هذه الأحزاب في الظهور مجددًا على السطح، رغم غيابها الطويل عن العمل الجماهيري والمشاركة الفعالة في الحياة السياسية.

هذا الحضور المفاجئ لأحزاب غير معروفة يطرح تساؤلات مشروعة حول مدى جديتها واستمراريتها، وهل سيكون ظهورها مرتبطًا فقط بالمواسم الانتخابية، أم أن بعضها يسعى بالفعل لتثبيت أقدامه وتقديم بدائل حقيقية تعبر عن طموحات الناخبين؟

المشهد لا يزال مفتوحًا، لكن المؤكد أن الشارع المصري أصبح أكثر وعيًا، ولم يعد يقبل سوى بالأحزاب ذات الرؤية والبرامج الواضحة والتواصل المستمر مع المواطنين، وهو ما سيحسم بقاء من يستحق ويُقصي من لا أثر له.

الأحزاب فقدت ثقة الشارع

وأوضح الدكتور مختار غباشي، الخبير السياسي ونائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية، أن التشتت الحزبي يعود لتأسيس معظم الأحزاب بطابع نخبوّي أو عائلي أو وفق منطق “الشللية”، ما أدى إلى كثرة الأحزاب المتشابهة فكريًا، مع هيمنة قلة قليلة فقط على المشهد السياسي بآليات عمل مميزة.

 

وأضاف أن الأزمة لا تقتصر على ضعف التنظيم، بل تشمل الأداء الحزبي العام وغياب التواصل مع الشارع، مما جعل الرأي العام يعتبر هذه الأحزاب مصطنعة وتخدم أهدافًا ضيقة.

 

وأشار إلى أن الكتلة التأسيسية تسيطر على الأحزاب، ما يعيق الديمقراطية الداخلية وتجديد الكوادر، وبالتالي فقدت ثقة الشارع، خاصة أن تمويلها غالبًا مرتبط بمؤسسها، الذي يضعف الحزب بزواله.

 

وأوضح أن بعض الأحزاب لا تظهر إلا قبيل الانتخابات، وتفتقر كوادرها للفهم السياسي والقدرة على تقديم بدائل، كما أن غالبيتها تغيب عن المشهد بين الاستحقاقات. وضرب مثالًا بحزب الجبهة الوطنية، مشككًا في توجهاته ودوره الحقيقي.

 

واختتم بالتأكيد على أن قوة الأحزاب في مصر ترتبط بقربها من السلطة، في حين أن الوضع الطبيعي أن تكون مستقلة وتعبر عن مصالح الشعب بصدق.

تسهيل الإجراءات وتعدد الأحزاب

أكد النائب حسام الخولي، عضو مجلس الشيوخ ورئيس الهيئة البرلمانية لحزب مستقبل وطن، أن تعدد الأحزاب بعد ثورة يناير نتج عن سهولة إجراءات التأسيس، لكن البقاء مرهون بقدرة الحزب على التفاعل مع الواقع. وأشار إلى أن ظهور بعض الأحزاب قبيل الانتخابات أمر طبيعي، لكن التقييم الحقيقي يتم عبر الشارع وصوت الناخب.

وأوضح أن الحزب الذي يتميز في نظر المواطنين هو من يثبت وجوده عبر النشاط والمقرات، مستشهدًا بحزب مستقبل وطن الذي لديه أمانات في كل قرية. ونفى اتهام نظام القوائم المغلقة بخدمة الأحزاب الكبرى، مؤكدًا أن حزبه لم يحصل على أكثر من 50% من القوائم، وأن الأغلبية جاءت من المقاعد الفردية

الحياة الحزبية تحتاج قانونا مرنا يعالج التحديات الحالية

وقال النائب أحمد القناوي، الأمين العام لحزب العدل وعضو مجلس الشيوخ، أن عددًا كبيرًا من الأحزاب المسجلة غير فاعل سياسيًا، بسبب توقف النشاط أو صراعات داخلية وقضائية، مشيرًا إلى أن القانون الحالي لا يُيسر إغلاق الأحزاب أو دمجها، إذ يكفي اعتراض عضو واحد لتعطيل عملية الدمج، وهو ما وصفه بالمأساة.

 

وأضاف القناوي، أن معظم الأحزاب تفتقر للتمويل اللازم لتسيير أنشطتها الأساسية وتشغيل مقراتها، مؤكدًا أن حزب العدل تقدم بمشروع قانون لتنظيم الحياة الحزبية يتيح الدمج أو الإغلاق بقرارات داخلية، إلى جانب مقترحات لتطوير العمل الحزبي.

 

وبشأن الأحزاب التي تنشط قبيل الانتخابات، أوضح أن التقييم يتوقف على طبيعة تواجدها، سواء كان حقيقيًا من خلال كوادر منتشرة، أو مجرد نشاط انتخابي مؤقت، مشيرًا إلى أن بعض هذه الأحزاب يسعى للدخول في تحالفات، أو يضم عناصر جديدة تبحث عن مظلة سياسية.

واختتم بأن تقييم الأحزاب يعتمد على وضوح رؤيتها، قدرتها على التواصل المجتمعي، تقديم خدمات، والحضور الإعلامي والميداني، وهي العوامل التي تمنح الحزب وجودًا حقيقيًا في الشارع.

غياب التنظيم والرؤية.. لا القوانين

قالت النائبة ميرال الهريدي، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب، إن تعدد الأحزاب ليس مشكلة بحد ذاته، بل يعكس التنوع، لكن الأزمة تكمن في ضعف حضور معظم الأحزاب وغياب التمايز في الرؤية والبرامج.

وأضافت أن كثيرًا من هذه الأحزاب تأسس دون قواعد شعبية أو تنظيم قوي، مما جعلها غير فاعلة، مشيرة إلى أن القوانين لا تعيق العمل الحزبي، بل التحدي الحقيقي هو ضعف الموارد وغياب الخطط طويلة المدى، وعدم تأهيل الكوادر.

وأوضحت أن ظهور أحزاب جديدة قبيل الانتخابات أمر طبيعي، فبعضها يستغل الانتخابات للانتشار، بينما أخرى موسمية تختفي بعد انتهاء الاستحقاق، مؤكدة أن الحزب الجاد هو من يواصل العمل والتفاعل مع المواطنين بعد الانتخابات، على عكس الكيانات المؤقتة التي تفتقد لمشروع سياسي مستدام.

الأزمة ليست في العدد ..التحول إلى فاعل حقيقي

في نفس السياق قال الدكتور هشام عبدالعزيز، رئيس حزب الإصلاح والنهضة، إن وجود أكثر من 100 حزب في مصر ليس مشكلة، مؤكدًا أن التعدد يعكس حجم السكان، والمواطن هو من يفرز الأحزاب وبرامجها.

وأوضح أن التشتت الحزبي ناتج عن ضعف التنظيم، والإطار القانوني، والسياق السياسي بعد 2011، حيث تأسست أحزاب كثيرة دون قواعد جماهيرية أو مشروع فكري واضح، ما جعلها بلا تأثير فعلي.

وأشار إلى أن ضعف الهياكل التنظيمية وغياب الكوادر يمنع أي حزب من التحول إلى فاعل حقيقي، لافتًا إلى أن النشاط الحزبي يجب أن يكون مستمرًا على الأرض، لا مجرد حضور في المؤتمرات.

كما شدد على أن القيود القانونية، وصعوبة التمويل، وندرة التغطية الإعلامية، تُعيق تطور الحياة الحزبية، داعيًا لمراجعة التشريعات بما يحقق مزيدًا من الشفافية والتنافسية.

واختتم بأن النهوض الحزبي يبدأ من القاعدة، والحزب الذي لا يتواجد بين الناس لا يحق له السعي لتمثيلهم في البرلمان.

تم نسخ الرابط