"حادث الطريق الإقليمي".. حكايات الضحايا ترويها الأسر المفجوعة في المنوفية

في ساعة مبكرة من صباح الجمعة، وقعت فاجعة جديدة على الطريق الإقليمي بمحافظة المنوفية، حادث مروع أودى بحياة عدد من الأبرياء، بينهم طالبات شابات في عمر الزهور، لحظات مأساوية، ووجوه حزينة، ودموع لا تتوقف عن وجوه الأمهات والأباء الذين فقدوا فلذات أكبادهم في حادث طريق لا يرحم.
" شيماء ".. حلم الهندسة الذي رحل قبل أوانه
لم تكن شيماء محمود، طالبة معهد الهندسة، تعلم أن صباح هذا اليوم سيكون الأخير في حياتها، كانت من المتفوقات، قررت منذ سنوات ألا تثقل كاهل والدها بمصاريف الثانوية العامة، فالتحقت بالتعليم الصناعي ثم بمعهد، حتى وصلت أخيرًا لهندسة، بعد مشوار طويل من التعب والاجتهاد.
تحكي والدتها بحرقة: " اشتغلت في العنب علشان تساعدنا في مصاريف الكلية، وقالتلي قبل الحادث بيوم: هشتغل الصيف ده عشان عندي مواد ومش عايزة أكون حمل على بابا، في يوم الحادث، كان المفروض أختها تروح معاها الشغل، لكن في اللحظة الأخيرة قالولها متيجيش، ياريتني ما صحيتك يا شيماء، ياريتني حبستك في البيت".
" ضحى وتقى وإسراء ".. بنات الشهادة الإعدادية ضحايا الغدر
في نفس الحادث، كانت ثلاث فتيات من أوائل الشهادة الإعدادية بمحافظة المنوفية من بين الضحايا، ضحى همام الحفناوي والتي حصلت على 202 درجة، وتقى محمد السيد الجوهري التي حصلت على 221 درجة وإسراء الحفناوي والتي حصلت على 269 درجة، كانت العائلات تحتفل بظهور النتيجة منذ أيام، تحولت الزغاريد في البيوت إلى صراخ وعويل في المستشفيات والمشرحة، ويقول عم "تقى": " كانت دايمًا تقولي لما أكبر عايزة أطلع دكتورة، يوم الحادث راحوا مع بعض علشان يجيبوا حاجات للبيت، محدش كان يعرف إن رجوعهم مستحيل".
" جنى ".. ضحية صغيرة ودرجات لم تُفرح أحدًا
جنى يحيى فوزي، حصلت على 250 درجة بالشهادة الإعدادية، يوم ظهور النتيجة كان بيتها مليئًا بالفرحة، جدتها ظلت توزع الحلوى في الشارع، بعدها بيومين، اختفت الضحكة، وجاء صوت الجنازات، ويقول والدها بصوت مخنوق : " أنا كنت بحلم أفرح بيها، كانت ضهري وسندي في الدنيا، ما صدقت إنها خلصت الإعدادية، لحد دلوقتي مش مصدق إنها راحت وما رجعتش".
الطريق الإقليمي.. مصيدة الأرواح
لم تكن هذه الحادثة الأولى، ولن تكون الأخيرة، على الطريق الإقليمي، خلال العام الأخير، شهد الطريق سلسلة من الحوادث الدامية، راح ضحيتها العشرات من الأبرياء، معظمهم من الأطفال والشباب، وسط مطالبات شعبية بتشديد الرقابة وإعادة تقييم معايير الأمان، ويقول أحد شهود العيان: "الحوادث هنا يومية، السواقين بتمشي بسرعات جنونية، والمطبات مش كفاية، والإنارة معدومة".
حلم مكسور في كل بيت
ما بين أمهات مكلومات، وأطفال فقدوا أحبتهم، ترك الحادث أثرًا موجعًا في قرى مركز منوف، وقرى الطريق الإقليمي، لا يخلو بيت إلا وفيه من فقد، أو جريح، أو مكلوم، أصبحت صور الطالبات على الحوائط، وكتبهن وحقائبهن المدرسية، شاهدة على أحلام بريئة، قتلها طريق جائر.
هذه ليست مجرد أسماء ودرجات في كشف نتيجة، هذه وجوه وقلوب وأحلام، أزهقتها عجلات الإسفلت، الطريق الإقليمي بالمنوفية بات يحتاج أكثر من إنارة ومطبات، يحتاج روح إنسانية وإدارة واعية، توقف نزيف الدماء المستمر.