أحزاب سياسية تنتقد المشروع الحكومي وتطالب بتعديلات عادلة تحفظ حقوق الجميع
قانون الإيجار القديم.. أزمة متجددة تضع البرلمان والحكومة تحت المجهر| خاص

في مشهد سياسي واجتماعي معقّد، تتواصل تداعيات مشروع قانون الإيجار القديم تحت قبة مجلس النواب المصري، وسط حالة من الانقسام والجدل المتصاعد بين المؤيدين والمعارضين.
ويبدو أن المحاولات الحكومية لتمرير القانون في صورته الحالية لم تُقنع أطرافًا فاعلة في المشهد السياسي، ما دفع عدداً من رؤساء الأحزاب إلى توجيه انتقادات لاذعة ومطالبات بإعادة صياغة المشروع وفقًا لضوابط دستورية وإنسانية واجتماعية عادلة.
الإصلاح والنهضة: نرفض النقل الأعمى للتجارب.. ونطالب بحلول متوازنة
قال الدكتور هشام عبد العزيز، رئيس حزب الإصلاح والنهضة، إن المناقشات الدائرة حول مشروع القانون تمثل مؤشرًا على قيام البرلمان بدوره، لكنها تكشف في الوقت ذاته عن تعقيد الأبعاد المتشابكة لهذا الملف.

وأكد أن الحزب سبق أن دعا إلى نقاش مجتمعي جاد يُبنى على قاعدة التوازن بين حقوق المالك وظروف المستأجر، بعيدًا عن المعالجات الأحادية أو استنساخ تجارب لا تناسب الواقع المصري.
وأشار عبد العزيز إلى أن التحفظ الأبرز على المشروع يكمن في غياب قاعدة بيانات عقارية دقيقة، مما يعيق تطبيق معايير منصفة.
وأكد على أهمية التمييز بين الحالات الاجتماعية، مشددًا على أن العدالة تقتضي عدم المساواة بين من يشغل وحدة مغلقة في حي راقٍ ومن يقيم في شقة متواضعة تمثل له الأمان المعيشي.
العدل: رفع الإيجارات المفاجئ خطر على أكثر من 12 مليون مواطن
أما الكاتب الصحفي معتز الشناوي، المتحدث باسم حزب العدل، فقد عبّر عن قلق الحزب الشديد من مشروع تعديل قانون الإيجار القديم، مؤكدًا أن أي زيادة مفاجئة في الإيجارات قد تُعرّض أكثر من 12 مليون مواطن للخطر، خصوصًا كبار السن وأصحاب المعاشات وذوي الدخول الضعيفة.

وأوضح الشناوي لموقع “بلدنا اليوم”، أن المقترحات المطروحة لا تواكب الظروف الاقتصادية الراهنة، خاصة في ظل ارتفاع نسبة التضخم إلى نحو 30%، وغلاء المعيشة المتصاعد.
وطالب بضرورة وضع خارطة طريق عادلة تتضمن:
زيادة تدريجية في القيمة الإيجارية على مدى 5 إلى 10 سنوات.
توفير وحدات بديلة أو دعم مالي للفئات الأشد فقرًا.
تعويض عادل لصغار الملاك الذين يعتمدون على الإيجارات كدخل رئيسي.
وأكد الشناوي أن السكن حق إنساني يجب أن يتم احترامه، داعيًا إلى عقد حوار مجتمعي حقيقي تشارك فيه جميع الأطراف.
الجيل الديمقراطي: الحكومة مرتبكة والمشروع يخدم فئة الأثرياء
من جهته، اعتبر ناجي الشهابي، رئيس حزب الجيل الديمقراطي، أن تأجيل مناقشة القانون للمرة الثانية يؤكد ارتباك الحكومة، وعجزها عن تقديم رؤية متكاملة تعالج الملف بشكل عادل.
واتهم الحكومة بأنها تسعى لحل الأزمة عبر "الطرد"، رغم أن حكم المحكمة الدستورية لم يوصِ بالطرد وإنما دعا إلى تحقيق التوازن في العلاقة القانونية.

وشدد الشهابي على أن مشروع الحكومة يخدم أصحاب العقارات الكبرى في المناطق الراقية الذين سيحققون أرباحًا ضخمة حال تمريره، فيما يُعرض ملايين المستأجرين للطرد والتشرد.
وأعلن تمسك الحزب بمطلبه في أن تكون المعالجة التشريعية متدرجة وعادلة، تراعي الظروف الاجتماعية والاقتصادية وتنفذ حكم المحكمة فقط من خلال زيادة تدريجية للإيجارات دون المساس بالعلاقة التعاقدية القائمة.
بيانات صادمة: 2.9 مليون وحدة و12 مليون مواطن مهددون
تشير تقديرات مستقلة إلى أن عدد الوحدات السكنية الخاضعة لقانون الإيجار القديم يبلغ نحو 2.9 مليون وحدة، يقطنها ما لا يقل عن 12 مليون مواطن، أغلبهم من كبار السن، وأصحاب المعاشات، والفئات الأشد فقرًا.
ويعتمد أكثر من 60% من هؤلاء على دخل شهري لا يتجاوز 4000 جنيه، ما يجعل أي زيادات مفاجئة في القيمة الإيجارية عبئًا كارثيًا قد يدفع الآلاف إلى الإخلاء القسري.
دعوات لحوار وطني شامل.. والحكومة مطالبة بالشفافية
طالب رؤساء الأحزاب الحكومة بضرورة فتح قنوات حوار حقيقية مع جميع الأطراف المتأثرة بالقانون، بما يشمل ممثلين عن المستأجرين والملاك، وخبراء قانونيين واقتصاديين واجتماعيين.
وأكدوا أن أي حل لا ينبثق من التوافق المجتمعي سيكون مصيره الفشل أو التصعيد الشعبي، في ظل ما تمثله هذه القضية من أبعاد إنسانية شديدة الحساسية.
هل يمكن التوصل لحل وسط؟ الطريق إلى قانون متوازن
تبدو المطالب الموحدة واضحة في كافة التصريحات الحزبية:
تعديل تدريجي للقانون يراعي الواقع الاقتصادي.
عدم الإضرار بكبار السن ومحدودي الدخل.
حفظ كرامة المواطن وحقه في السكن.
دعم الملاك الحقيقيين وخصوصًا صغارهم.
ضمان تنفيذ حكم المحكمة الدستورية دون اجتزاء أو تحريف.
وتؤكد الأزمة المتصاعدة حول قانون الإيجار القديم أن الدولة بحاجة إلى تشريعات رشيدة تُبنى على أسس العدالة الاجتماعية والتدرج في الإصلاح.
وبينما يطالب الملاك بحقوقهم، يتمسك المستأجرون بحقوقهم التاريخية في السكن، وبين هذا وذاك، تبقى المسؤولية على عاتق البرلمان والحكومة في تحقيق التوازن وحماية النسيج المجتمعي من التمزق.