خطبة الجمعة اليوم.. الفطرة السليمة في حسن الخلق مع الناس

نستعرض خلال السطور التالية خطبة الجمعة اليوم 11-7-2025- بعنوان الفطرة السليمة في حسن الخلق مع الناس.
الخطبة الأولى:
الحمد لله حمداً طيباً كثيراً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، أحمده وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجهم، واقتفى أثرهم، إلى يوم الدين.
أما بعد:
مكانة حسن الخلق من الدين
إن الفطرة السليمة و ظاهرها الأخلاق في الإسلام عظيمة الشأن، سامية القدر، عالية المكانة، هي أحد الأصول الأربعة التي يقوم عليها الدين الحنيف: الإيمان والأخلاق، والعبادات، والمعاملات، ولذا نالت العناية الفائقة والمنزلة العالية، في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
بل إن الأخلاق الكريمة تدعو إليها الفِطر السليمة، والقلوب الرحيمة، والشرائع المستقيمة،
صلاحُ أمرك للأخلاق مرجعُه
فقوِّم النفس بالأخلاق تَستقمِ
النفسُ من خيرِها في خير عافية
والنفسُ من شرها في مرتعٍ وخمِ
قال الفيرُوز آبادي رحمَهُ اللهُ: “اعلمْ أنَّ الدينَ كلَّهُ خُلقٌ، فمَن زادَ عليكَ في الخُلقِ، زادَ عليكَ في الدينِ”.
بل إنَّ حسنَ الخُلقِ مِن كمالِ الإيمانِ،عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:” أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا؛ وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا.” أبو داود والترمذي وصححه.
وكان الفضيل يرى أن من ساء خُلقه ساء دينه، ومن حَسُن خُلُقه حَسُنَ دينه، مما يؤكد على غياب الفطرة السليمة ، كما عدَّ الأحنف بن قيس دناءة الخلق، وبذاءة اللسان، شرُّ داءٍ يُصاب به الإنسان، وعبَّر بعض البلغاء عن سيئ الخلق بأنه في عناءٍ من نفسه، كما أن الناس حوله في بلاءٍ منه.
وحسن الخلق ، ومكارم الأخلاق بما تؤكده الفطرة السليمة هي إحدي مقاصد رسالة الإسلام، ففي سنن البيهقي وغيره : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ » وفي مسند أحمد : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاَقِ »
وقد جعل الله تزكية النفوس وإصلاحها بالفضائل والمكرمات إحدى وظائف النبي صلى الله عليه وسلم بشأن الفطرة السليمة، فقال الله تعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ) (164) آل عمران، فمهمته صلى الله عليه وسلم هي تربية هذه الأمة ، فأحسن تربيتها في حياته، حتى صارت حياته وهديه فيها أسوة للذين يأتون من بعده، فصنع أمته على عينه، وقادها من الظلمات إلى النور، وتحولت العرب على يديه ﷺ إلى أمة واحدة ، كأنها على قلب رجل واحد، متحابة في الله، ساعية إلى نشر دينه في أرضه، وبزغت في سماء الإسلام نجوم تدل على الحق ، وتهتدي بهدي رسولها الكريم ﷺ .
وكل العبادات في الإسلام هدفها الأسمى. تهذيب الأخلاق وتذكيتها ، بما يتوافق مع الفطرة السليمة.
. الصلاة: يقول الله عز وجل ” وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ” .
. والصدقة: يقول الله عز وجل ” خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ” . هدف الصدقة والزكاة هو التزكية وهي التربية العميقة على حسن الخُلق ، أين يكمن معنى التزكية إذا تصدقت ؟
إذا تصدقت ستتعلم الرحمة بالضعفاء، ستتعلم الكرم وترك البخل ، ستكره الكــبْر، وتتعلم التواضع، وهذه هي أمثلة الفطرة السليمة.
والنبي ﷺ أيضاً يعلمنا أن هناك صدقات أخلاقية تفوق صدقات الأموال . يقول النبي صلى الله عليه وسلم :- تبسمك في وجه أخيك صدقة ” الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صدقة ، وإرشادك الرجل في أرض الضلال صدقة ، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك صدقة ، وإماطتك الأذى والشوك والعظم عن الطريق صدقة ، وإرشادك للرجل الضرير صدقة .
. والصيام : يقول النبي صلى الله عليه وسلم ” فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ، ولا يفسق ، ولا يجهل ، وإن شاتمه أحدكم أو قاتله فليقل : إني امرؤ صائم إني امرؤ صائم ” .
. والحج : يقول تعالى :- ” الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ” . الحج تدريب قاس على انضباط الأخلاق فلا معاص ولا جدال
ماذا يعني حسن الخلق؟
ويلخص الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته كل خصال البر في حسن الخلق .
ففي الحديث الذي يرويه مسلم : (عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ : « الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ».
ومن أقوال الصالحين في حسن الخلق:
قال عبد الله بن المبارك هو : بسط الوجه، وبذل المعروف، وكفُّ الأذى،
وقال ابن حجر رحمه الله: هو انتقاء الفضائل من الأمور، وترك رذائلها، وهذا تمام الفطرة السليمة.
وقال الحسن بن مبارك -رحمه الله-: "حسن الخلق طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى".
وقال الواسطي -رحمه الله تعالى-: "هو أن لا يخاصِم ولا يخاصَم، من شدة معرفته بالله".
وقال الماوردي في تعريف حسن الخلق، ووصف حَسَنِ الخُلق: أن يكون سهل العريكة، ليِّن الجانب، طليق الوجه، قليل النفور، طيب الكلمة].
وقال السعدي: حُسْنُ الْخُلُقِ: احتمال الجنايات، والعفو عن الزلات، ومقابلة السيئات بالحسنات، وقد جمع الله ذلك في آية واحدة وهي قوله: ﴿ خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ ﴾ [الأعراف: 199][8].
أَلا إِنَّ أَخْلاقَ الرِّجَالِ وَإِنْ نَمَتْ
فَأَرْبَعَةٌ مِنْهَا تَفُوقُ عَلَى الْكُلِّ
وَقَارٌ بِلا كِبْرٍ وَصَفْحٌ بِلا أَذَى
وَجُودٌ بِلا مَنٍّ وَحِلْمٌ بِلا ذُلِّ
ونقل الحافظ ابن رجب عن بعض أهل العلم قوله: "حسنُ الخلق: كظم الغيظ لله، وإظهارُ الطلاقة والبِشْر إلا للمبتدع والفاجر، والعفوُ عن الزالين إلا تأديباً أو إقامة حدِّ، وكف الأذى عن كل مسلم أو مُعاهَد، إلا تغييراً منكراً، أو أخذاً بمظلمة لمظلوم، من غير تعدَّ".
وقال السفاريني: "وهذا في غاية التحقيق... ثم ذكر أن من حسن الخلق: أن يحبّ للمسلمين ما يحب لنفسه، وأن يتواضع لهم، ولا يفخر عليهم، ولا يختال... ولا يتكبر ولا يعجب، وإن تكبر عليه غيره فليحمل منه ذلك، ويعامله باللين، ويغض الطرف عن أهل الرقاعة من المتكبرين، وأن يوقر الشيخ الكبير، ويرحم الطفل الصغير، ويعرف لكل ذي حق حقه، مع طلاقة الوجه، وحسن التلقي، وداوم البشر، ولين الجانب، وحسن المصاحبه، وسهولة الكلمة، مع إصلاح ذات بين إخوانه، وتفقد أقرانه وأخدانه، وأن لا يسمع كلام الناس بعضهم في بعض، وأن يبذل معروفه لهم لوجه الله، لا لأجل غرض، مع ستر عوراتهم، وإقالة عثراتهم، وإجابة دعواتهم، وأن لا يقف موقف التُّهَم، وأن يحلم عمن جهل عليه، ويعفو عمن ظلم..." اهـ.
قال الأشعث بن قيس يوماً لقومه – وكان سيدهم-: "إنما أنا رجل منكم، ليس فيَّ فضلٌ عليكم؛ ولكني أبسط لكم وجهي، وأبذلُ لكم مالي، وأقضي حقوقكم، وأحوطُ حريمكم، فمن فعل مثل فعلي فهو مثلي، ومن زاد عليَّ فهو خير مني، ومن زدت عليه فأنا خير منه"، قيل له: يا أبا محمد، ما يدعوك إلى هذا الكلام؟ قال: "أحضُّهم على مكارم الأخلاق".
والخلق الحسن ينحصر في فعل المرء ما يجمله ويزينه، واجتناب ما يدنسه ويشينه. قال بعض السلف: "هو فعل الفرائض والفضائل، واجتناب منكرات الأخلاق والرذائل".
النبي ﷺ أحسن الناس خلقاً
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- قدوة لأصحابه وللأمة في حسن الخلق، ووصفه ربنا -عز وجل- بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم: 4].
ولقد بينت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها خلقه العظيم، وفسرته حينما سئلت عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كان خلقه القرآن". أي يتأدب بآدابه، ويأتمر بأوامره، وينتهي عن نواهيه، ثم قرأت: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف:199]. فأمره ربه بأن يعطي من حرمه وأن يصل من قطعه، وأن يعفو عمن ظلمه. ومن حسن خلقه صلى الله عليه وسلم أنه يصل الرحم، ويحمل الكَلَّ، ويكسب المعدوم، ويقري الضيف، ويعين على نوائب الدهر، ويغيث ذا الحاجة الملهوف.
وتقول رضي الله عنها :عن خلقِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ : لم يَكُن فاحِشًا ولا مُتفَحِّشًا ولا صخَّابًا في الأسواقِ ، ولا يَجزي بالسَّيِّئةِ السَّيِّئةَ ، ولَكِن يَعفو ويَصفَحُ "
صحيح الترمذي
وعن عطاء بن يسار رضي الله عنه قال : لقيتُ عبدَ اللهِ بنَ عمرو بنَ العاصِ فقلتُ أخبرني عن صفةِ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في التوراةِ قال فقال أجل واللهِ إنَّهُ لموصوفٌ في التوراةِ ببعضِ صفتِه في القرآنِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وحِرزًا للأُمِّيِّينَ أنت عبدي ورسولي سمَّيتُك المتوكلُ ليس بفظٍّ ولا غليظٍ ولا صخَّابٍ في الأسواقِ ولا يدفعُ بالسيئةِ السيئةَ ولكن يعفو ويغفرُ ولن يقبضَه اللهُ تعالَى حتى يُقيمَ به المِلَّةَ العوجاءَ بأن يقولوا لا إلهَ إلا اللهُ ويفتحوا بها أعيُنًا عُمْيًا وآذانًا صُمًّا وقلوبًا غُلفًا " صحيح الأدب المفرد
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " كان النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وكانَ لي أخٌ يُقَالُ له: أبو عُمَيْرٍ -قالَ: أحْسِبُهُ- فَطِيمًا، وكانَ إذَا جَاءَ قالَ: يا أبَا عُمَيْرٍ، ما فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ نُغَرٌ كانَ يَلْعَبُ به، فَرُبَّما حَضَرَ الصَّلَاةَ وهو في بَيْتِنَا، فَيَأْمُرُ بالبِسَاطِ الذي تَحْتَهُ فيُكْنَسُ ويُنْضَحُ، ثُمَّ يَقُومُ ونَقُومُ خَلْفَهُ، فيُصَلِّي بنَا. " صحيح البخاري
وجاء في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كان يسير يوما في الطريق فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، وإذا تلك الجبذة قد أثرت في عاتق النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه وضحك، وأمر له بعطاء".
إن الرجل العظيم كلما ارتفع إلى آفاق الكمال اتسع صدره، وامتد حلمه، وتطلب للناس الأعذار، والتمس لأغلاطهم ومسوغات، وأخذهم بالأرفق من حالهم،
أخرج البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: بال أعرابي في المسجد، فقام الناس إليه ليقعوا فيه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "دعوه، وأريقوا على بوله سجلا من ماء، أو قال: ذنوبا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين"، وجاء في رواية: "أنه بعدما فرغ هذا الأعرابي من بوله، دعاه النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا القذر، إنما هي للتسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن"
وكان صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بحسن الخلق ، أوصي أبا هريرة بوصية عظيمة فقال: يا أبا هريرة! عليك بحسن الخلق، قال أبو هريرة رضي اللّه عنه: وما حسن الخلق يا رسول الله؟ قال: تصل مَنْ قطعك، وتعفو عمن ظلمك، وتُعطي من حرمك؛ رواه البيهقي.
وأوصى معاذاً رضي الله عنه، فقال: "اعبد الله ولا تشرك به شيئاً قال: يا رسول الله! زدني، قال: "استقم ولتحسن خلقك".
وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: "أوصيك بتقوى الله في سرك وعلانيتك، وإذا أسأت فأحسن" الحديث.
وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن".
تطبيقات ومظاهر حسن الخلق
إفشاء السلام: فذلك مما يزيل الحواجز النفسية ويقرب القلوب. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم ، أفشوا السلام بينكم))؛
[رواه مسلم].
- المصافحة : ففي الحديث: ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يتفرقا. رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه. وصححه الأرناؤوط والألباني.
- الكلمة الطيبة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل سُلَامَى من الناس عليه صدقة، كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين الاثنين صدقةٌ، وتعين الرجلَ في دابته، فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعَه صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وبكل خطوة يمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقة))؛ رواه البخاري ومسلم.
قال ابن عثيمين رحمه الله: "الصدقةُ لا تختص بالمال، بل كلُّ ما يقرب إلى الله فهو صدقة بالمعنى العام؛ لأن فعلَه يدل على صدق صاحبه في طلب رضوان الله عز وجل"؛ شرح رياض الصالحين 1/ 290.
فهي تؤلف بين القلوب، وتصلح النفوس، وتذهب الحزن، وتزيل الغضب، وتشعر بالرضا والسعادة، لا سيما إذا رافقتها البشاشة والابتسامة: فهي مما يعطي شعورًا بالرضا لكلا الطرفين ، فعن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تبسُّمُك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيُك عن المنكر صدقة...))؛ السلسلة الصحيحة.
وقال جرير -رضي الله عنه- ما حجبني رسول الله منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي.
- عدم الخوض فيما لا يعني الإنسان: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه).
- حب الخير للآخرين وعدم الحسد، و عدم احتقار الآخرين: فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يُسلم على الكبير والصغير ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم "
رواه مسلم .
- الكف عن ذكر عيوب الناس: فذلك مما يجعل الآخرين يكفون عن تصيد عيوبك كما قال الإمام الشافعى ، رحمه الله ،:
إذا شئت أن تحيا سليما من الأذى ***
وحظك موفور وعرضك صيـّن
لسانك لا تذكر به عورة أمـــريء ***
فكلك عورات وللناس ألســن
وعينك إن أبـدت إليك معايبـا ***
فصنها وقل يا عين للناس أعين وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى *** و. فــارق ولكن بالتي هي أحسـن
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صفوة الخلق أجمعين، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين.
أما بعد:
فَضَائِلُ حُسْنِ الْخُلُقِ
عباد الله : لِحُسْنِ الْخُلُقِ فَضَائِلُ عَدِيدَةٌ، وَثَمَرَاتٌ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ لَا الْحَصْرِ:
أَوَّلًا: أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَبْلُغُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ: قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ»، فَهَنِيئًا، ثُمَّ هَنِيئًا، لَكَ يَا صَاحِبَ الْخُلُقِ الرَّفِيعِ هَذَا الْأَجْرُ الْعَظِيمُ.
ثَانِيًا: مِنْ ثَمَرَاتِ حُسْنِ الْخُلُقِ: أَنَّهُ يُثَقِّلُ مِيزَانَ الْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيء»، وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَقِيَ أَبَا ذَرٍّ، فَقَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى خَصْلَتَيْنِ هُمَا أَخَفُّ عَلَى الظَّهْرِ، وَأَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ غَيْرِهِمَا؟» قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «عَلَيْكَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ، وَطُولِ الصَّمْتِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا عَمِلَ الْخَلَائِقُ بِمِثْلِهِمَا».
ثَالِثًا: مِنْ ثَمَرَاتِ حُسْنِ الْخُلُقِ حُصُولُ الْبَرَكَةِ فِي الدِّيَارِ وَالْأَعْمَارِ، فَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا»:إِنَّهُ مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ فِي الْأَعْمَارِ».
رَابِعًا: أَنَّ صَاحِب الْخُلُقِ يَحْصُلُ عَلَى كَمَالِ الْإِيمَانِ وَمَحَبَّةِ الرَّحْمَنِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا». وَفِي الْحَدِيثِ: «أَحَبُّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا».
وروى الطبراني عن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم كأنما على رؤوسنا الطير ما يتكلم منا متكلم إذ جاءه أناس فقالوا من أحب عباد الله إلى الله تعالى؟، قال: (أحسنهم خلقاً)،
خَامِسًا: أَنَّ صَاحِبَ الْخُلُقِ الْحَسَنِ يَسْتَحِقُّ بِهَذَا الْعَمَلِ الْجَنَّةَ، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ»، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ: مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ، قَالَ: «تَقْوَى اللَّهِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ».
سَادِسًا: مِنْ فَضَائِلِ حُسْنِ الْخُلُقِ: أَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْقُرْبِ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْقِيَامَةِ: قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟» فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَأَعَادَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، قَالَ الْقَوْمُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَحْسَنُكُمْ خُلُقًا». وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا، الْمُوَطَّؤُونَ أَكْنَافًا الَّذِينَ يَأْلَفُونَ وَيُؤْلَفُونَ».
ومن أهم الأسباب والوسائلِ التي ينال بها المسلم حسن الخلق أن يتوجه إلي الله - عز وجل - ويتضرع إليه بالدعاء الصادق أن يحسن الله خلقه ، ولقد كان من دعائه - صلى الله عليه وسلم - " اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خلقِي فَأَحْسِنْ خلُقِي".
و من دعائه صلى الله عليه وسلم أيضا"اللَّهُمَّ اهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَعْمَالِ وَأَحْسَنِ الأَخْلاقِ، فَإِنَّهُ لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلا أَنْتَ، وَقِنِي سَيِّءَ الأَعْمَالِ وَسَيِّءَ الأَخْلاقِ، فَإِنَّهُ لا يَقِي سَيِّئَهَا إِلا أَنْتَ".
وكان يدعو " اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها "
و كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ من سوء الخلق فيقول: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ وَسُوءِ الْأَخْلَاقِ" (أبو داود والنسائي)
فَاحْرِصُوا -رَعَاكُمُ اللَّهُ- عَلَى تَقْوَى اللَّهِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ، فَهُمَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ،
هذا وصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الرَّحْمَةِ الْمُهْدَاةِ، وَالنِّعْمَةِ الْمُسْدَاةِ، عَلَى إِمَامِ الْخَلْقِ وَسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمٍ: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الْأَحْزَابِ: 56]
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمُسلمين، اللهم انصر الإسلامَ والمُسلمين، اللهم واخذُل الكفرةَ والمشركين اللهم امين يا رب العالمين.