في ذكرى ثورة يوليو.. مصر تخلع عباءة الاستعمار وتعلن جمهوريتها

في مثل هذا اليوم من عام 1952، استيقظ المصريون على حدث سيغير ملامح دولتهم للأبد، ويضع حدًا لحقبة الملكية والاستعمار، ويدشن مرحلة جديدة من الحكم الوطني المستقل، في ما يعرف بثورة 23 يوليو بقيادة مجموعة من ضباط الجيش الشبان تحت اسم "الضباط الأحرار".
قاد الثورة اللواء محمد نجيب، والزعيم الشاب آنذاك جمال عبد الناصر، رفقة رموز بارزة مثل عبد الحكيم عامر، صلاح سالم، وأنور السادات، حيث تمكنوا من الإطاحة بالملك فاروق الأول، الذي غادر مصر إلى المنفى في إيطاليا، لتعلن نهاية حكم أسرة محمد علي، ويتم إعلان مصر جمهورية في يونيو 1953، لتُفتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد.
نهاية الملكية وبداية الجمهورية
جاءت الثورة في وقت كانت فيه مصر ترزح تحت وطأة الاحتلال البريطاني، والفساد السياسي، والفوارق الاجتماعية والاقتصادية الصارخة، مما ولد حالة من الاحتقان الشعبي والرغبة في التغيير، فاستهدف الضباط الأحرار تطهير البلاد من النفوذ الأجنبي، وإنهاء سيطرة الإقطاع والاحتكار، وتحرير القرار الوطني، وكان أول قراراتهم حل الأحزاب السياسية، وتعليق العمل بدستور 1923، تمهيدًا لإعادة هيكلة النظام السياسي.
أهداف وتحديات كبرى
لم تقتصر طموحات الثورة على التغيير الداخلي فقط، بل سرعان ما تبنت مشروعا قوميا مناهضا للاستعمار والإمبريالية في المنطقة، ورفعت راية التضامن العربي، ودعمت حركات التحرر في بلدان مثل الجزائر واليمن والسودان، ففي عام 1954، تم توقيع اتفاقية الجلاء مع بريطانيا، لتغادر آخر القوات البريطانية مصر في عام 1956، بعد 74 عامًا من الاحتلال.
العدوان الثلاثي.. معركة السيادة
بلغت التحديات ذروتها عام 1956، حين قرر الرئيس جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس، ما أدى إلى شن عدوان ثلاثي على مصر من قبل بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، ورغم التفوق العسكري للعدو، أثبت الشعب المصري صلابته، وتحول الهجوم إلى نصر سياسي عزز من مكانة مصر إقليمياً ودوليا، ورسخ سيادتها على قناة السويس للمرة الأولى منذ عام 1875.
إصلاحات شاملة
أطلقت الثورة مشروعًا طموحًا للإصلاح الزراعي، تم بموجبه توزيع الأراضي على الفلاحين، والحد من سطوة كبار الملاك، مع توسع في برامج التعليم والتصنيع، وتحويل مصر تدريجيًا إلى اقتصاد مركزي مخطط وفق التوجهات الاشتراكية، حيث أصبحت الصناعة ركيزة أساسية للتنمية، ودشنت مئات المصانع في عهد الرئيس عبد الناصر.
قيود سياسية وصراع بقاء
مع تصاعد التهديدات الداخلية والخارجية، فرض النظام الثوري قيودًا صارمة على العمل السياسي، ألغي بموجبها النظام الحزبي، وتم تقييد الحريات السياسية والإعلامية، خوفًا من الثورة المضادة أو اختراقات خارجية، استمرت تلك القيود حتى وصول الرئيس أنور السادات إلى السلطة عام 1970، حيث بدأت بعض السياسات في التراجع أو التعديل، وفق ما عرف بسياسة "الانفتاح".
تأثير عربي واسع
ألهمت ثورة 23 يوليو العديد من حركات التحرر الوطني في العالم العربي وأفريقيا، وكانت نموذجًا للثورة الشعبية ضد الاحتلال والنظم الملكية الحليفة للغرب، ولم تكن الجزائر، وسوريا، واليمن، والمغرب، وليبيا بعيدة عن هذا التأثير، إذ تبنت شعوبها حراكًا تحرريًا اقتدت فيه بالتجربة المصرية.
اليوم، وبعد أكثر من سبعة عقود، لا تزال ثورة 23 يوليو تمثل علامة فارقة في التاريخ المصري والعربي، وذكرى لإرادة شعب قرر أن ينتزع حريته بيده، وأن يكتب مستقبله خارج قيد الاستعمار والاستغلال.
وتبقى الثورة، بكل ما لها وما عليها، نقطة تحول غيرت مجرى التاريخ المصري، وأطلقت شرارة الحلم العربي الكبير بالتحرر والوحدة.