بلدنا اليوم
رئيس مجلس الادارة
د/إلهام صلاح
رئيس التحرير
وليد الغمرى

أرسلان: أوجلان أطلق 5 مبادرات للسلام.. والميدان لم يعد يحتمل الكفاح المسلح

المحلل السياسي الكردي
المحلل السياسي الكردي محمد أرسلان

بين واقع سياسي مأزوم وتغيرات جيواستراتيجية كبرى في الشرق الأوسط، عادت القضية الكردية إلى واجهة النقاش مجددًا، لكن هذه المرة من بوابة اللاعنف. 


إعلان الزعيم الكردي المعتقل عبد الله أوجلان عن مبادرة جديدة تنص على إنهاء الكفاح المسلح والدعوة إلى مرحلة انتقال ديمقراطي، فتح باب التساؤلات حول توقيت الإعلان، وأبعاده السياسية، ومدى جدّيته، وما إذا كانت هذه المبادرة كسابقاتها مصيرها الإجهاض، أم أنها تحمل في طياتها بداية حقيقية لتحول جذري في المشهد الكردي داخل تركيا وخارجها. 


في هذا السياق، أجرينا حوارًا مع الكاتب والمحلل السياسي الكردي محمد أرسلان، الذي يتابع عن كثب تطورات الملف الكردي منذ عقود، وكان من بين القلائل الذين حذّروا مرارًا من أن تجاهل الحل السلمي ستكون كلفته باهظة على الجميع. وفيما يلي نص الحوار:

كيف تقرأ مبادرة عبد الله أوجلان الأخيرة؟ وهل تختلف عن المبادرات السابقة؟


أعتقد من المهم أولًا أن نؤكد أن هذه ليست المرة الأولى التي يدعو فيها السيد أوجلان إلى إنهاء الكفاح المسلح، فهناك على الأقل خمس مبادرات سابقة أطلقها منذ عام 1993، وجميعها حملت نفس الجوهر تقريبًا وقف العنف، والدخول في حوار سياسي، وإيجاد حل سلمي للقضية الكردية داخل تركيا، لكن التوازنات الإقليمية آنذاك – سواء على المستوى الدولي أو في الداخل التركي – لم تكن تسمح بتمرير تلك المبادرات. كانت هناك حالة من الإنكار الكامل لحقوق الشعب الكردي، حتى مجرد الاعتراف بوجودهم كان أمرًا مرفوضًا رسميًا وشعبيًا.

 

إذًا ما الذي تغيّر اليوم؟ لماذا يتحدث أوجلان الآن عن إنهاء الكفاح المسلح؟


ما تغيّر هو البيئة الإقليمية بالكامل. الأحداث الكبرى التي عصفت بالمنطقة – من حرب غزة، إلى ما يجري في سوريا ولبنان، وتداعيات ما بعد الاحتلال الأمريكي في العراق – كلها أوجدت نوعًا من الاستقطاب الحاد، وأعادت ترتيب الأولويات والتحالفات. 
 

العديد من الحركات الثورية أو القومية بدأت تعيد تقييم أدواتها في العمل السياسي، والكرد ليسوا استثناءً. 
 

في ظل هذا المناخ، أصبح من الضروري – وربما من الذكاء السياسي – أن يعيد حزب العمال الكردستاني وحركات مشابهة النظر في جدوى العمل المسلح، الذي استُنزف لسنوات طويلة دون أن يحقق الأهداف المرجوة.

 

هل يعني هذا أن حزب العمال الكردستاني يعترف ضمنيًا بأن مرحلة الكفاح المسلح قد انتهت؟

 


نعم، هذه هي الرسالة الأهم في تقديري. السيد أوجلان – حتى من داخل سجنه – يوجّه رسالة واضحة: المهمة التي كانت موكلة لحزب العمال منذ تأسيسه قد أُنجزت. 
 

تاريخيًا، تأسس الحزب في سبعينيات القرن الماضي، وهي مرحلة كانت حركات التحرر اليسارية في أوجها، والشعوب كانت تخوض نضالًا من أجل تقرير المصير باستخدام أدوات الثورة والكفاح المسلح. 
 

لكن الزمن تغيّر، والمعركة الآن لم تعد عسكرية فقط، بل سياسية وثقافية واجتماعية. 
 

ولذلك، فإن الحزب يُقرّ – ضمنيًا على الأقل – بأن الكفاح المسلح أداة استُخدمت في وقتها، لكن لم تعد مجدية في الظروف الحالية.

كيف تصف وضع الكرد في تركيا الآن؟ وهل تغير شيء فعليًا؟


لنكن واقعيين، الوضع لا يزال معقدًا. حتى وقت قريب، لم يكن هناك أي اعتراف رسمي أو حتى اجتماعي بوجود شعب كردي في تركيا. 
 

كان الكرد يُطلق عليهم “أتراك الجبال”، وكانت اللغة الكردية ممنوعة تمامًا، حتى تسمية الأبناء بأسماء كردية كانت تعرض العائلات للعقوبات. 
 

لكن في السنوات الأخيرة حدث بعض التغيير – محدود نعم، لكنه مهم – على مستوى الاعتراف بالهوية، وفتح قنوات إعلامية كردية، والتحدث عن حقوق ثقافية، لكن هذا لم يصل بعد إلى مستوى الاعتراف الدستوري أو السياسي الحقيقي.

 

هل تعتقد أن هذه المبادرة ستلقى صدى لدى الدولة التركية؟


الأمر مرهون بحسابات معقدة إذا رأت الدولة التركية أن الأوضاع الإقليمية تستدعي فتح قنوات تفاوضية لتخفيف الضغوط الداخلية والخارجية، فقد تنظر بجدية لهذه المبادرة. 
 

لكن إن استمرت الحسابات الأمنية والعسكرية هي المهيمنة، فسوف تكرر أنقرة نفس الأخطاء السابقة، وستخسر فرصة تاريخية. 
 

بالمقابل، الكرة أيضًا في ملعب الحركة الكردية، التي يجب أن تثبت صدق نواياها، وتوحد صفوفها، وتطرح خطابًا سياسيًا جامعًا.

هل يمكن أن تكون هذه آخر مبادرة من أوجلان؟


ربما. لأن الظروف اليوم مهيأة بدرجة أكبر من أي وقت مضى، وإذا لم تُستثمر هذه اللحظة، قد لا تتكرر قريبًا. 
 

 

أوجلان الآن يرسل رسائل عقلانية، لا تحمل استعراضًا، بل دعوة للسلام الحقيقي. إذا تم تجاهلها كما حدث في السابق، فذلك سيُفهم أنه لا مجال للحل السلمي، وهذه ستكون خسارة للجميع، للكرد، ولتركيا، وللمنطقة بأسرها.

تم نسخ الرابط