بلدنا اليوم
رئيس مجلس الادارة
د/إلهام صلاح
رئيس التحرير
وليد الغمرى

دخول الصحفيين الأجانب لغزة تزامنًا مع الاحتلال.. ماذا يخطط نتنياهو؟ (خاص)

بلدنا اليوم

تشهد الأوضاع في غزة تطورًا لافتًا بعد تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي أبدى فيها موافقته على دخول صحفيين أجانب إلى قطاع غزة، في خطوة اعتبرها مراقبون مفاجئة بالنظر إلى تاريخ إسرائيل في منع التغطية الإعلامية المستقلة، خاصة في أوقات التصعيد العسكري.

هذه الموافقة تزامنت مع إعلانه احتلاله قطاع غزة بشكل غير مباشر، حيث أعلن أنه لن يضم غزة رسميًا، لكنه سيجعلها تحت "قوة مسلحة"، وهي عبارة أثارت جدلًا واسعًا حول مقاصدها، وإن كانت تشير إلى قوات دولية، أو إلى سيطرة أمنية إسرائيلية غير مباشرة، أو ربما مناورة سياسية أمريكية-إسرائيلية تهدف للضغط على مصر واستثمار الوضع إقليميًا.

يأتي هذا التطور في وقت يشهد فيه القطاع حصارًا خانقًا، وتصعيدًا ميدانيًا مستمرًا منذ أحداث "طوفان الأقصى"، حيث تشن إسرائيل هجمات جوية وبرية تحت مبرر القضاء على بنية المقاومة.

دخول الصحفيين الأجانب، رغم ما قد يتيحه من نقل معاناة المدنيين للعالم، يثير أيضًا تساؤلات حول ما إذا كان نتنياهو يسعى لاستخدام هذا الانفتاح الإعلامي كوسيلة ضغط على حماس عبر التأثير في الرأي العام الدولي، أو حتى كمحاولة لإظهار انفتاح شكلي أمام الحلفاء الغربيين.

سجل طويل من تقييد الإعلام

تؤكد الدكتورة سارة فوزي، الأستاذة المساعدة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، أن منع إسرائيل للصحفيين ليس بالأمر الجديد، بل هو نهج متكرر قبل كل عملية عسكرية واسعة أو مجزرة، بدءًا من صبرا وشاتيلا وصولًا إلى الأحداث الجارية.

وتشير فوزي، في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم"، إلى أن الاحتلال لا يكتفي بمنع الصحفيين الأجانب، بل يستهدف أيضًا الفلسطينيين الحاملين للكاميرات أو الهواتف، بل ويعتقلهم وينكل بهم وبأسرهم لمنع توثيق الانتهاكات.

وتضيف أن كسر الحصار الإعلامي أمر بالغ الصعوبة، إذ تتحكم إسرائيل في منح التصاريح وتستخدمها كأداة للانتقاء والاستهداف، وتوضح أنه حتى في حال دخول صحفيين من الغرب، فإن جزءًا كبيرًا من المؤسسات الكبرى مثل BBC وCNN يتبنى الرواية الإسرائيلية، بينما يعمل بعض المراسلين المستقلين على نشر حقائق ميدانية عبر حساباتهم الشخصية، ما قد يخدم الفلسطينيين ولو جزئيًا.

وتلفت فوزي إلى أن وسائل الإعلام البريطانية والأمريكية، رغم فقدانها مصداقية كبيرة لدى الرأي العام، ما زالت تركز على قضايا مثل الرهائن الإسرائيليين، وتقدم المقاومة الفلسطينية في صورة "إرهاب"، متبنية المبررات الإسرائيلية للهجمات، وفي المقابل، تحاول بعض الوسائل الفرنسية والإسبانية إظهار معاناة الفلسطينيين بعد مواقف سياسية مثل اعتراف ماكرون بالدولة الفلسطينية، وإن كانت تتجنب تبني خطاب المقاومة بشكل صريح.

وترى أن التركيز الدولي الحالي على "المساعدات الإنسانية" بدلًا من الانتهاكات الإسرائيلية يسهم في تفريغ القضية من بعدها الوطني والسياسي، ويحصرها في إطار إنساني بحت، وهو ما يتسق مع أهداف الاحتلال في تسهيل التهجير وإضعاف الزخم الشعبي الدولي.

سيطرة كاملة أم ضغط تكتيكي؟

من جانبه، يرى الدكتور رفعت سيد أحمد، رئيس مركز يافا للبحوث والدراسات، أن قرار نتنياهو بشأن غزة يحتمل سيناريوهين رئيسيين: الأول، ممارسة الضغط على حركة حماس للقبول بصفقة تنهي ملف الأسرى الإسرائيليين والجثث المحتجزة، والثاني، السعي لاحتلال القطاع بالكامل، وهو ما تصفه الأوساط الإسرائيلية بـ"السيطرة" كحل نهائي لمعضلة غزة بعد "طوفان الأقصى".

ويشير أحمد، في تصريح خاص لـ"بلدنا اليوم"، إلى أن الاحتلال الكامل محفوف بالمخاطر، خاصة مع احتمالات استنزاف الجيش الإسرائيلي في بيئة حضرية معقدة، ما قد يجعل الحرب طويلة الأمد تصل إلى خمس سنوات، لأن أي احتلال سيقابله بالضرورة مقاومة، حتى إن ضعفت أو تبدلت فصائلها، لأن "حيث يوجد احتلال، توجد مقاومة"، مستشهدًا بتجارب تاريخية عالمية.

ويوضح أحمد أنه حتى لو انتهت أو ضعفت المقاومة الحالية، ستنشأ مقاومة جديدة، فهذا ما حدث مع منظمة التحرير الفلسطينية، ثم حركة حماس، ثم حركة الجهاد الإسلامي، فالفلسطينيون لن يتخلوا عن أرضهم أبدًا.

ويشير رئيس مركز يافا إلى أن الذي يشجع إسرائيل على المضي في هذا النهج وانتهاك القرارات الدولية هو ضعف العرب، فلو كانت الجيوش العربية تمتلك القوة وساعدت المقاومة الفلسطينية دعمًا حقيقيًا، مثل الطيران والإمداد الجوي، ولم تتخلَّ عن القضية الفلسطينية، لخشيت إسرائيل الأمة العربية، لكنها الآن أمة "من ورق"، تخاف شكلًا من المقاومة الفلسطينية، لكنها لا تخشاها فعليًا بسبب تخلي العرب.

ويختتم أحمد بان هذا الواقع يعطي إسرائيل ثقة ويقوي موقفها، رغم أنها دولة ضعيفة في جوهرها، فعدم مواجهة الجيوش العربية لها تركها تعيث في الأرض، متوقعًا أنه إذا سقطت المقاومة فإن العدو سيستهدف الجيوش العربية المتبقية في المرحلة المقبلة.

 

تم نسخ الرابط