بلدنا اليوم
رئيس مجلس الادارة
د/إلهام صلاح
رئيس التحرير
وليد الغمرى

بين سرعة الآلة وبراعة البشر.. كيف تغيّر الروبوتات شكل الصناعات الحديثة؟

تعاون الروبوتات مع
تعاون الروبوتات مع البشر

في مشهد أشبه بمصنع سيارات يضج بالطاقة، يعمل روبوت بسرعة على تجميع أبواب السيارات بينما يتولى الإنسان فحص جودة كل باب بدقة. مشهد يعكس تناغمًا واضحًا بين الآلة والبشر، الروبوت يجسد السرعة والقوة، بينما يضيف الإنسان حكمه وبراعته.

روبوتات وبشر يتعاونون في صناعة السيارات
روبوتات وبشر يتعاونون في صناعة السيارات

هذا المشهد ليس خيالًا، بل صورة متنامية في العديد من الصناعات حول العالم، حيث يزداد الاعتماد على الروبوتات إلى جانب العمالة البشرية في خطوط الإنتاج. غير أن هذا التعاون، على الرغم من مزاياه، يفتح الباب أيضًا أمام تحديات جديدة.
فالخطأ البشري، وعدم القدرة على التنبؤ بسلوك الأفراد، وسوء الفهم بين الإنسان والآلة، قد تؤدي جميعها إلى مواقف معقدة لا تكون الروبوتات مهيأة للتعامل معها. وفي بعض الحالات، قد تكون لهذه المواقف عواقب وخيمة على السلامة والإنتاج.
ومع استمرار توسع هذا التكامل، يظل التوازن بين الاستفادة من قدرات الروبوتات وتقليل المخاطر المرتبطة بها تحديًا رئيسيًا أمام الصناعات الحديثة.


جهود الباحثون في حل هذه التحديات

يسعى الباحثون حاليًا إلى مواجهة التحديات المرتبطة بتعاون الإنسان والروبوت، من خلال تطوير تقنيات تمكن الآلات من اتخاذ قرارات أكثر أمانًا وفاعلية.
في جامعة كولورادو بولدر، يعمل البروفيسور مرتضى لاهيجانيان وفريقه البحثي على تصميم عمليات جديدة تساعد الروبوتات على إدارة المخاطر أثناء أداء المهام في بيئات مشتركة مع البشر.
وفي دراسة حديثة، قدم لاهيجانيان بالتعاون مع الطالبين الخريجين كاران موفالا وتشي هنغ هو، خوارزميات مبتكرة تمكن الروبوتات من تقييم المواقف غير المتوقعة والتعامل معها بمرونة، دون الإخلال بعوامل الأمان.

روبوت يطمئن البشر: لا داعى للقلق.. نحن هنا لخدمة البشرية
روبوتات تتفاعل مع البشر


الروبوتات تتعلم التنبؤ بأفعال البشر باستخدام نظرية الألعاب


لم تعد الروبوتات مجرد آلات تنفذ الأوامر بدقة، بل باتت تعتمد ، مثل البشر، على نماذج ذهنية تساعدها على اتخاذ القرارات والتكيف مع بيئات العمل المشتركة. فعند التعاون مع شخص ما، يسعى الروبوت إلى التنبؤ بخطواته المحتملة وتعديل سلوكه وفقًا لذلك.
ويشرح البروفيسور مرتضى لاهيجانيان من جامعة كولورادو بولدر الأمر قائلاً: "إذا كنت روبوت، فيجب أن تكون قادرًا على التفاعل مع الآخرين. عليك أن تضع نفسك في الموقف، تخاطر، وترى ما سيحدث. لكن السؤال هو: كيف تتخذ هذا القرار؟ وما مقدار المخاطرة التي ترغب في تحملها؟"
وللإجابة على هذا التحدي، استلهم فريق لاهيجانيان من نظرية الألعاب، وهي إطار رياضي نشأ في علم الاقتصاد لدراسة القرارات التفاعلية. في علم الروبوتات، يتم التعامل مع كل روبوت باعتباره "لاعبًا" في لعبة، حيث يكمن "الفوز" في إكمال المهمة. لكن مع دخول البشر في المعادلة، تصبح اللعبة أكثر تعقيدًا وغير متوقعة، ما يجعل الروبوتات بحاجة إلى مرونة وقدرة أعلى على التكيف.


 تطوير نهج مبتكر


يعمل الباحثون على تطوير نهج مبتكر في برمجة الروبوتات، يركز على ما يُسمى بـ "الاستراتيجيات المقبولة" بدلاً من ضمان تحقيق الفوز في كل مهمة. يقوم هذا النهج على مبدأ أن الهدف ليس التفوق المطلق، بل إنجاز المهمة مع تقليل الضرر إلى أدنى مستوى ممكن، مع إبقاء السلامة أولوية قصوى.
بهذا النهج، يسعى الفريق البحثي إلى تصميم روبوتات أكثر مرونة وإنسانية في تعاملها مع المواقف، بحيث لا تركز فقط على الإنجاز الفوري، بل تأخذ في الاعتبار العواقب المستقبلية لقراراتها.

اليابان تختبر روبوت AIREC لنقل المرضى وتخفيف تحديات رعاية المسنين 
روبوتات ترعى المسنين - تصوير آخرين


الروبوتات تخفف من أزمة نقص العمالة وتدعم سلامة بيئات العمل


مع تزايد الأبحاث حول تعزيز التعاون بين البشر والروبوتات، بات واضحًا أن هذه الشراكة قادرة على تقديم حلول عملية لتحديات يواجهها سوق العمل اليوم. فعندما تعمل الروبوتات بأمان جنبًا إلى جنب مع البشر، يمكن أن تساهم في سد النقص في قطاعات حيوية مثل رعاية المسنين، إضافة إلى جعل الوظائف التي تتطلب مجهودًا بدنيًا أكثر أمانًا للعاملين.
ويؤكد البروفيسور مرتضى لاهيجانيان من جامعة كولورادو بولدر أن الهدف ليس استبدال الإنسان، بل توسيع إمكاناته، قائلاً: "يتعلق التعاون بين البشر والروبوتات بدمج نقاط القوة التكميلية: يساهم البشر بالذكاء والحكمة والمرونة، بينما توفر الروبوتات الدقة والقوة والموثوقية. ويمكنهما معًا تحقيق أكثر مما يمكن لأي منهما تحقيقه بمفرده، بأمان وكفاءة."
وقد عُرضت نتائج هذه الأبحاث في المؤتمر الدولي المشترك حول الذكاء الاصطناعي في أغسطس 2025، لتفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التكامل بين الإنسان والآلة في مواجهة التحديات المستقبلية.

تم نسخ الرابط