فراس يونس: إسرائيل تسعى لجنوب سوريا لخدمة مصالحها

في ظل التحولات الجذرية التي أعقبت سقوط نظام الأسد في سوريا، وما تبعه من فراغ سياسي وأمني، تتسابق القوى الإقليمية والدولية لملء هذا الفراغ وصياغة مستقبل البلاد، ووبين الطموحات الإسرائيلية في الجنوب، والمصالح التركية على الحدود، والرهانات الأمريكية على نظام محاصصة طائفي، تتشكل ملامح مرحلة جديدة تتسم بالصراع الخفي و الاصطفافات الحذرة.
الدكتور فراس يونس، الأكاديمي والمفكر السياسي السوري، يفتح في هذا الحوار أوراق اللعبة الإقليمية، محللًا خريطة النفوذ وأهداف اللاعبين الأساسيين، ومتوقعًا ملامح الترتيبات المقبلة في دمشق. وفيمايلي نص الحوار
كيف غيّر سقوط حكم الأسد المشهد السوري والإقليمي؟
لا شك أن انهيار حكم الأسد غيّر وجه الساحة الإقليمية، إذ أطاح بمؤسسته العسكرية، ودمّر قدراتها منذ الأيام الأولى، والأهم أخرج إيران وأدواتها من المشهد السوري. هذا الفراغ جعل من تركيا وإسرائيل، باعتبارهما الدولتين الوحيدتين اللتين تشتركان مع سوريا بحدود مباشرة، اللاعبين الأكثر تأهيلاً لملء هذا الفراغ والتحكم في القرار السياسي الجديد في دمشق.
لكن المشهد ليس ورديًا؛ فالنظام الجديد، ذي اللون الواحد والمثقل بماضيه الجهادي، أظهر ضيق أفق سياسي وانغلاقًا على باقي المكونات الاجتماعية والسياسية. سياساته الطائفية الضيقة أدخلته في صدامات داخلية، مثل مجازر الساحل، ومحاولات إخضاع السويداء بالقوة، الأمر الذي منح إسرائيل فرصة لاستثمار الورقة الدرزية وتكثيف اختراقاتها، بحكم الروابط الاجتماعية بين دروز سوريا ودروز الداخل الإسرائيلي.
إلى أي مدى يمكن لإسرائيل إقامة كيان درزي في السويداء؟
برغم الطموحات الإسرائيلية، تواجه فكرة الكيان الدرزي مقاومة شديدة داخل السويداء وخارجها. أهالي السويداء يرفضون سلطة دمشق التي ارتكبت بحقهم المجازر، لكنهم يؤكدون في الوقت نفسه انتماءهم للوطن الأم سوريا. إسرائيل، من جانبها، قد لا تسعى فقط إلى كيان درزي، بل إلى إحكام قبضتها على جنوب سوريا دون احتلال مباشر، عبر نشر نقاط مراقبة أمنية، وتثبيت شبكة ولاءات سياسية محلية، لقطع الطريق أمام إيران وحلفائها.
في النهاية، تريد تل أبيب سوريا ضعيفة ومفككة، وتعتقد أنها قادرة في الظروف الراهنة على لعب دور محوري في رسم المشهد السوري، مع الحفاظ على تفاهمات تمنع صدامها المباشر مع تركيا.
هل تقسيم سوريا لا يزال خيارًا مطروحًا لدى إسرائيل؟
إسرائيل لديها تاريخ من المخططات لتقسيم سوريا يعود إلى ثمانينيات القرن الماضي، لكن تطبيق هذا السيناريو اليوم محفوف بالمخاطر. تكلفة إدارة كيان مقسّم بهذا الحجم هائلة، كما أن الانقسامات الداخلية قد تخرج عن السيطرة، ما يعرّض إسرائيل لخطر "فرط التمدد الاستراتيجي". لذلك، تميل تل أبيب نحو دعم نظام طائفي مركزي ضعيف، قائم على المحاصصة، يمكّنها من إدارة الصراع بأسلوب "فرّق تسد". "
ما هو الموقف الأمريكي من الطرح الإسرائيلي؟
الولايات المتحدة تبدو أكثر حذرًا، فهي تراهن على استمالة حكم إسلامي في دمشق يخدم مصالحها كوكيل أوحد، بدلًا من تعدد الوكلاء. تقسيم سوريا إلى كيانات طائفية مستقرة ليس خيارًا مفضلاً لها على المدى الطويل، خصوصًا في ظل رفض الجوار العربي والتركي لهذا الطرح.
لذلك، يمكن أن نشهد توافقًا أمريكيًا–إسرائيليًا على دعم نظام محاصصة طائفي، على غرار التجربتين اللبنانية والعراقية، مع احتفاظ كل طرف بأولوياته. أما تركيا، فإن تمسكها بوحدة سوريا ينبع من خشيتها من تعميم تجربة الإدارة الذاتية في الشمال الشرقي على كامل البلاد، وهي التجربة التي يراها كثير من السوريين اليوم المسار الأفضل نحو دولة موحدة تجمع بين المركزية واللامركزية.