سامي عبد الحليم: الصراع بين الكونغو ورواندا جذوره إبادة جماعية وحله لن يكون أمريكيا فقط

رغم مرور أكثر من عقدين على نهاية الحروب الكبرى في إفريقيا الوسطى، لا يزال شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية مسرحًا لصراع دموي متجدد، تغذيه المليشيات المدعومة إقليميًا، والتنافس على الموارد، والموروث الثقيل من الإبادة الجماعية في رواندا.
في هذا الحوار، نستضيف د. سامي عبد الحليم سعيد، الخبير المتخصص في قضايا الحكم والسلام في إفريقيا، للوقوف على الجذور التاريخية والامتدادات الجيوسياسية للصراع المحتدم بين الكونغو ورواندا وفيما يلي نص الحوار:
ما هو السياق التاريخي للصراع بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا؟
كانت الحرب الرواندية بين الهوتو و التوتسي في عام 1994 هي السبب الرئيس الذي إندلعت بموجبه التوترات الامنية في شرق الكونغو. فتعود جذور الصراع إلى الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994، مما أدى إلى نزوح جماعي للاجئين الهوتو، بمن فيهم مرتكبو الإبادة الجماعية، إلى شرق الكونغو، مما خلق تهديدات أمنية لرواندا بسبب تشكيل مليشيات قبلية للهوتو في شرق الكنغو و التي كان أكثرها نشاطا كبير إنتهي بتأسيس مليشيات القوات الديمقراطية لتحرير رواندا FDLR . في عام 1996 غزت رواندا الاراضي الزائيرية ( و التي عرفت لاحقا بجمهورية الكونغو الديمقراطية) و عرفت تلك العمليات العسكرية بحرب الكنغو الاولى، و كانت تهدف رواندا من ذلك التدخل العسكري تفكيك الملاذات التي تحتمي بها القوات المناهضة لدولة رواندا داخل الكنغو، و لكنها بررت تدخلها ذلك إعلاميا بأن لديها حقوق تاريخية في شرق الكنغو و حماية مجموعات التوتسي الكنغوليين من خطر الابادة الجماعية. إلا ان القوات الرواندية تمددت داخل الاراضي الكنغولية، و عملت على الاستيلاء على مواقع المعادن، مما جعل القوات الكنغولية أن تستنفر عناصرها لطرد القوات الرواندية فيما عرف بالحرب الثانية من 1998 – 2003 و كانت حرب واسعة النطاق أسهمت في وفاة أكثر من 5 ملايين شخص.
إلا أن الصراع بين الدولتين لم يستقر بعد عام 2003، حيث بدات مرحلة جديدة من الصراع الذي إتخذ منحى إثني حاد، و فيها قامت الدولتين بدعم مليشيات محلية مثل مليشيا الجنرال لوران نكوندا المدعوم من رواندا، وتمرد M23، الذي ايضاً تموله دولة رواندا، والذي استمر في زعزعة استقرار شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، مما أدى إلى أزمة إنسانية حادة.
ما هي الابتكارات الجديدة التي جاءت في اتفاق السلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا في يونيو 2025؟
من المهم القول بأن هذه الاتفاقية قد تم إنتاجه خارج الاقليم الافريقي و مؤسساته، كما إنها لم تاتي من الدول الاوربية التي لها تاريخ استعماري في المنطقة و بخاصة المانيا و بلجيكا. و انما جاءت الوساطة من الولايات المتحدة، و بالتالي هواتفاق بوساطة أمريكية مباشرة في الصراع، مما يوفر ضغطًا دبلوماسيًا ورقابة مرتفعة. و السياسة الامريكية الخارجية، في عهد الرئيس دونالد ترامب تعتمد منهج حرق المراحل، و الوصول الى الاهداف مباشرة، و سبب هذا الاستعجال في تنفيذ السياسات الخارجية في عهد الرئيس ترامب هو ان فترة رئاسته قصيرة، بينما أجندته الخارجية مليئة بالانشطة المستعجلة.
و بالاضافة لتلك الملاحظة المتصلة بإنخراط أمريكا في الصراع الرواندي – الكنغولي، و تجاوزها للنفوذ الاوربي و كذا الدور الافريقي في حل هذا الصراع، نجد أن الاتفاق سعى ان يؤسس قواعد أكثر واقعية و فعالية. فقد جاء اتفاق السلام مرفقاً بجداول زمنية ملزمة عكس الاتفاقات السابقة، فإنه يفرض جداول زمنية محددة لانسحاب القوات الرواندية وعمليات الأمن المشتركة مع هيئة تحقيق تشرف عليها الولايات المتحدة بنفسها. و من النقاط الحاسمة التي تبناها الاتفاق هو مسالة التجريد من السلاح المتبادل. و هذه النقطة تعني، إنه يجب على رواندا سحب قواتها بالكامل ووقف دعمها لمليشيات M23 و التي هي في حقيقتها قوات من قومية التوتسي انشقت عن الجيش الوطني الكنغولي، و في المقابل يجب على جمهورية الكونغو الديمقراطية حل FDLR ودمج أعضائها في القوات الوطنية. و حاول الاتفاق أن يحقق للطرفين أطماعهم الاقتصادية، بأن أعتمد الاتفاق على منهج التكامل الاقتصادي و الذي يضمن أحكامًا للوصول المشترك إلى الموارد المعدنية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية ، بخاصة معادن الكوبالت، الكولتان، ومشاريع التنمية المشتركة عبر الحدود، لمعالجة المحركات الاقتصادية للنزاع و تأليب المليشيات المحلية. و يقر الاتفاق الاعتراف بالحدود الجغرافية للدولتين، و إحترام سلامة الأراضي والسيادة الوطنية على الاراضي. و هذه النقطة في الواقع تنسف مطالب رواندا بحقوقها داخل الاراضي الكنغولية.
من أميز سمات اتفاق يونيو 2025 إنه تجاوز تماما دور الاتحاد الافريقي، و لم يمر من خلال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، و هما المؤسستين اللتين غالبا ما يبادران بقيادة المبادرات الخاصة بفض النزاع وبناء السلام بين الدول في افريقيا. و بجانب ذلك استطاع الاتفاق الاخير أن يضع قواعد واضحة متصلة بمسائل الانسحاب العسكري من الأراضي وفق جدول زمني و بإشراف الدولة الراعية للاتفاق، و هي الولايات المتحدة الأمريكية و حل المجموعات المسلحة ووضع خطة لادماجها في الجيش الوطني. و لم تنجح الاتفاقات السابقة، في وضع شروط ملزم للانسحاب من الاراضي او التقرير في مصير المجموعات المسلحة.
ما هي التحديات المحتملة التي قد تواجه تنفيذ الاتفاق؟
مثله مثل غيره من اتفاقيات السلام، تكون الارادة السياسية المحلية و الدولية دور كبير في تنفيذ الاتفاق، و قد تتوفر الارادة السياسية مباشرة عند توقيع الاتفاق، و قد تبدأ في التلاشي بسبب مؤثرات دولية و محلية، و للأسف هذا هو واقع الاتفاقات السياسية بين الدول في إفريقيا، تفتقر للأليات الملزمة، و المتابعة الصارمة للتنفيذ. و من المخاطر التي قد تعترض تنفيذ الاتفاق أن المجموعات المسلحة التي كانت تقود العمليات الحربية في البلدين قد فقدت مصالحها بموجب هذا الاتفاق، و ان تلك المصالح لم يتم مراعاتها او وضعها في الاعتبار فاستبعاد حركة M23 سيخلق فجوة في التنفيذ، فهم لم يشاركوا في الاتفاق و بالتالي ألتزاماتهم غير واضحة في اتفاقية السلام، بل هي غائبة تماماً. و كذلك من التحديات المرتبطة بالجماعات المسلحة المسألة المتعلقة بنزع سلاح المليشيات و دمج جنودها في الجيش الوطني الكنغولي. فدمج مقاتلي FDLR في القوات الكونغولية يمكن أن يؤجج التوترات العرقية أو يؤدي إلى انشقاقات داخل الجيش الوطني الكنغولي. و هناك مخاوف من أن يسهم تفكيك المليشيات و مطاردتها، في إنتشارها خارج حدود الدولتين، و اللجوء إلى دول أخرى كما فعل جيش الرب اليوغندي حينما تمت محاصرته إنتشر داخل الدول المجاورة لا سيما جنوب السودان.
و من التحديات المتوقعة، و التي قد تسهم في اضعاف الاتفاقية، هو ضعف و فساد مؤسسات و وكالات الدولة في جمهورية الكنغو الديمقراطية. و ضعف الدولة يجعل ألتزام الدولة غير موثوق فيه، لطالما أن الدولة لا تتحكم في مؤسساتها و غير قادرة على تنفيذ سيادة حكم القانون على المواطنين و المؤسسات. و خلاصة القول في ذلك حسب رأيي، أن الاستقرار السياسي و تقوية مركز الدولة له الاثر المباشر في نجاح السياسات المتصلة ببناء السلام و فرض سيادة حكم القانون في الدولة، و هذا ما تفتقر له الكنغو في الوقت الراهن.
وو برغم التحديات الظاهرة، أرى أن الاتفاق يحظى بفرص للنجاح اذا ما حاولت الادارة الامريكية من الاستفادة من خبرات الاتحاد الافريقي و الامم المتحدة و دعمهما بالمال و الدبلوماسية النشطة.
ما هو تأثير اتفاق يونيو 2025 على الاستقرار السياسي و الاجتماعي و التعاون الإقليمي؟
في إعتقادي ان نجاح الاتفاق سيثمر بشكل ملحوظ في الاستقرار السياسي في الدولتين، و كذلك سيسهم في تنمية العلاقات الاقتصادية و الامنية بين الدول في الاقليم. يهدف الاتفاق كما واضح من نصوصه إلى الحد من النزاعات المسلح الذي تقوده الدولتين عبر مليشيات تعمل لصالح كل طرف بالوكالة، و يهدف الاتفاق الى محاصرة إنتشار المليشيات في الاقليم عبر تعاون إقليمي . و مثل هذا التعاون إذا كتب له النجاح فمن الضروري أن يتجاوز الحالة الرواندية و الكنغولية و يسهخم في تعاون امني واسع النطاق يستهدف محاصرة المليشيات في الاقليم مما قد يضعف وجود الجماعات المسلحة الأخرى.
بحسب متابعاتي للصراعات المسلحة في الاقليم، أجد إن مسائل الفقر و البطالة و غياب التنمية، ضمن حزمة من الاخفاقات الاخرى، ساعدت بشكل ملحوظ في إنتشار المليشيات في إفريقيا، و إلتحاق الشباب بالعمل المسلح الغير مشروع. و بالتالي لا اتوقع أن يسهم هذا الاتفاق لوحده في معالجة جذور النزاع المسلح في دولتي رواندا و جمهورية الكنغو الديمقراطية، فالنزاع له ابعاد اجتماعية و اقتصادية و إجتماعية، و معالجة تلك الموضوعات يستوجب خطة طويلة المدى، مسنودة بآليات وطنية و دولية قوية للتنفيذ. و بالطبع لا يوجد مستحيل، و إذا توفرت تلك الخطة، فأن الاستقرار السياسي سيسهم في متابعة تلك الخطط، و في استقرار اليات التنفيذ، و بالتالي من السهل ان نرصد التقدم الذي ستنجزه الاتفاقية و ما يليها من تدابير أخرى. من بين تلك المخرجات المتوقعة أن يتم تسريع التكامل الاقتصادي من خلال تنظيم عمليات استخراج المعادن بشكل مشترك ودعم البنية التحتية التجارية بحيث تطلق العنان للتنمية الإقليمية وتعزز التجارة البينية الأفريقية.
و من الملاحظ ان معظم النزاعات بين الدول في افريقيا لها علاقة مباشرة بالنزاع حول الموارد الطبيعية، بما في ذلك النزاعات حول المعادن و مصادر المياه و ربما من ابرز النزاعات الاقليمية المرتبطة بالمعادن و الشبيهة الى حد ما بالنزاع المسلح بين الكنغو و رواندا، كانت الحرب في سيراليون و ليبيريا و التي استمرت لمدة عشرة سنوات منذ مطلع التسعينات الى مطلع الالفية. و لكن تم في نهاية الامر، و بعد محاولات عديدة فاشلة، من إحتواء النزاع من خلال تعاون دولي عريض شمل مجموعة من التدابير العسكرية و القضائية و الاقتصادية. فتم إعتماد آليات ارسال قوات حفظ سلام تابعة للامم المتحدة و بالتعاون مع الكتلة الاقتصادية لدول غرب افريقيا (إكواس) و تم انشاء محكمة جنائية دولية خاصة بسيراليون لملاحقة مرتكبي الجرائم الدولية بما فيهم الرئيس اللايبيري تايلور، و تم إعتماد خطة صارمة لتفكيك المليشيات و تسريح عناصرها. و من تجربة سيراليون نستفيد بأن التعاون الدولي و الاقليمي عنصران مهمان في انجاح الصراعات المسلحة المرتبطة بالنزاع حول الموارد، و من خلال ذلك تبرز الحوجة الى إنشاء ألية تنسيق دولية و أقليمية و وطنية لمتابعة تنفيذ الاتفاق بين الكنغو و سيراليون. يسهم مثل هذا التعاون من الحد من التسابق الدولي حول الموارد في افريقيا.
ما مدى استفادة الدول المجاورة من هذا الاتفاق لتحقيق الاستقرار و التنمية؟
مثلما تحدثت لكم عن علاقة الموارد بالنزاع المسلح في افريقيا، و تأثيرات الجغرافيا السياسية و السياق الاقليمي و هشاشة الدولة الوطنية في استمرار تلك النزاعات، اود أن اضيف ايضا، البُعد الاجتماعي في الصراعات، لا سيما توظيف التكوينات القبلية في الصراع المسلح حول الموارد و الحكم في الدول الافريقية. فغالباً ما كان الصراع حول الموارد و الحكم مسنود بالمكونات الاجتماعية فيالدولة او الاقليم، و معظم هذه التكوينات الاجتماعية في افريقيا ذات طبيعة عابرة للحدود، و مثل هذه الظاهرة نجدها في كل دول شرق افريقيا دون استثناء، فظاهرة القبايل العابرة للحدود اسهمت في انتشار النزاعات المسلحة في الاقليم و هذه الحالة نجدها بوضوح في النزاعات المنتشرو في كل من السودان و تشاد و جنوب السودان و يوغندا و كينيا و الصومال و اثيوبيا و اريتريا و جيبوتي.
و نقرا من هذا التحليل، إنه إذا نجح اتفاق يونيو 2025 بين الكنغو و رواندا في تنظيم العلاقات الاجتماعية و تحقيق الاستقرار و التنمية في الدولتين، فإنه بلا شك سيكون نموذجاً جيداً للاستفادة منه في حل النزاعات في بقية دول الاقليم. و كما ذكرت في وقت سابق، إنه حتى ينجح الاتفاق بين الكنغو و رواندا، عليه أن يستوعب التحديات التي رصدناها، و كذلك عليها ان تعتمد منهج التعاون الدولي و الاقليمي لمحاصرة الازمة بدلا من الاستفراد الامريكي بالقرار و المراقبة و الرصد و الاشراف.
على صعيد آثر الاتفاق في تحقيق التنمية في المنطقة. فالاجابة القصيرة لهذا السؤال، هو أن السلام هو مفتاح الاستقرار السياسي، و الاستقرار السياسي هو المدخل الصحيح للتخطيط الاستراتيجي طويل المدى، و التخطيط طويل المدى و الناجح و المقرون بالاستقرارا السياسي يسهمان في تحقيق التنمية و تعزيز الأمن الإقليمي. و من المعلوم بالضرورة إن الدولة المستقرة، و التي تتمتع بعوامل الحكم الرشيد بما في ذلك سيادة حكم القانون، تصبح جاذبة و قابلة للأندماج في التدابير الدولية الخاصة بالتنمية. و من ذلك أقول، و ببعض التفاؤل، إن اتفاق السلام بين رواندا و جمهورية الكنغو الديمقراطية، يفتح المجال للعديد من الفرص الاقتصادية. من بين ذلك، يفتح هذا الاتفاق فرص لدولة الكنغو بالاندماج في ممر التجارة في منطقة البحيرات الكبرى وأن تكون جزء من الشراكات المحتملة لاستغلال الموارد في دول الاقليم.
هل يصلح هذا المنهج الامريكي الجديد في حل النزاعات في إنهاء النزاعات في أقليم وسط و شرق افريقيا، لا سيما النزاعات المسلحة في السودان و جنوب السودان؟
و لربما المجال لا يسمح بالاسترتسال في هذا الموضوع المتصل ببناء السلام في إفريقيا حتى أشرح أكثر التحديات التي يواجهها مشروع بناء السلام القارة و بشكل خاص في وسط و شرق افريقيا. هذه المنطقة من القارة تعاني ظروف سياسية سيئة، من بينها الدكتاتورية و الفساد و ضعف مؤسسات الدولة و هشاشة قدراتها الامنية، و بالتالي هي منطقة ملتهبة بالنزاعات النشطة، و بها العديد من النزاعات الكامنة و القابلة للانفجار في اي لحظة. فبالتالي مسألة بناء السلام المستدام في القارة يجب النظر اليه بوصفها مسألة إستراتيجية و ذات علاقة بالسلامة و الامن الدوليين. و بالتالي كان من المهم للقيادات السياسية في الاتحاد الافريقي و في التحالفات الاقتصادية و الامنية الاقليمية الاخرى، أن تنظر لمسألة السلام و الأمن في إفريقيا كقضية واحدة مترابطة، لا يمكن حلها بصور منفردة، و إنما الافضل إنتاج سياسات متكاملة و شاملة للسلام في إفريقيا. و بمثل هذا التوجه أيضاً يجب أن تعمل الامم المتحدة من أجل بناء السلام المستدام في أفريقيا. ففرص نجاح السلام بين رواندا و الكنغو تكبر و تتعاظم، اذا كانت دول الاقليم المحيطة بالدولتين كلها تتمتع بالامن و تعيش استقراراً سياسيا ً، اما اذا كانت دول الاقليم المحيطة تعاني من ازمات سياسية و تعيش بدورها نزاعات مسلحة فهذا لن يساعد في بناء السلام في الاقليم. و الحديث في هذا المجال يطول.
و بالعودة الى السؤأل: هل ينجح المنهج الامريكي في حل النزاعات في الاقليم؟ فدعني أبدأ بالقول، أن وجود أمريكا في أي تسوية سياسية من أجل السلام، أمر مهم للغاية، لان أمريكا عضو فعال في مجلس الامن، و هي شريك رئيسي في معظم قضايا السلام و الامن في العالم، و بالتالي أغفال دورها أو إهماله ليس من الحكمة في شئ. إلا أن المنهج الذي أتبعته في حل الازمة بين الكنغو و رواندا، هو أمر مهم و مطلوب كخطوة أولى تمهد لوقف العمليات الحربية و الاعمال العدوانية و التدمير المستمر، و من شأن هذه الخطوة أن تمهد الطريق لوضع الترتيبات طويلة المدى، بالشراكة مع أصحاب المصلحة في الاقليم. يحمد للجمهوريين بأنهم اسرع من رصفائهم الديمقراطيين في إتخاذ القرارات المتصلة بالعلاقات الدولية، و تتميز فترة إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب بأنها قصيرة ( دورة واحدة ذات 4 سنوات غير قابلة للتمديد) و لديها أجندة معبأة بالمهام العديدة بخاصة في إفريقيا و الشرق الاوسط و أوربا . و بدون الحوجة الى الخوض في تفاصيل أجندة الادارة الامريكية في إفريقيا من المهم القول بأن السياسات الامريكية في إفريقيا هي جزء من مشروع وزير الخارجية الأمريكي ماركو في ان يجعل المصالح الامريكية في المقام الاول. و من الملاحظ إنه منذ شهر ابريل الماضي بدات الادارة الامريكية الجديدة في زضع خطط تنظيمية و استراتيجية جديدة للملفات الافريقية في وزارة الخارجية الامريكية. و لا يمكن ان ننظر الى الاستعجال الامريكي في التدخل في النزاع الرواندي و الكنغولي ألا من خلال النظر الى التنافس الدولي على القارة. وبعد أن سوّقت روسيا نفسها في المنطقة كقوة لم تكن لديها مستعمرات في أفريقيا، ولم تشارك في تجارة الرقيق، بدأت الولايات المتحدة في العزف على خطاب الحرية ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، والحرب على الإرهاب وضرورة الاستقرار بمنطقة أفريقيا. و حين جاءت إدارة ترامب، غيرت سرديتها تماما نحو بناء السلام و إنهاء الحروبات بإتفاقيات تضمن حصول أمريكا على منافع إقتصادية و سياسية كبيرة.
يأمل العديد من المراقبون في أن يكون اتفاق السلام بين رواندا و الكنغو، هو جزء من تدابير أخرى تشمل إنهاء النزاعات في السودان بين الجيش الحكومي و قوات الدعم السريع، و في جنوب السودان بين الحكومة بقيادة الرئيس سلفاكير، و المعارضة بقيادة الدكتور رياك مشار و الذي تدعمه مجموعة النوير القبلية. و وفقاً لسياسات الاتفاقيات المفاجئة و الدبلوماسية الخاطفة التي تنتهجها الادارة الامريكية، و رغم أنها غير معلومة النتائج المستقبلية، إلا إنها توفر بيئة ملائمة لوقف الاعمال العدائية و الشروع في التخطيط الى سلام طويل المدى. من المتوقع إن تضفى التدخلات الامريكية المتوقعة في النزاع السوداني بين الجيش الرسمي و قوات الدعم السريع، أهتماما دبلوماسيا متزايداً بالنزاع السوداني- السوداني، و من المتوقع أن توفر الوساطة التي تقودها الولايات المتحدة نموذجًا لحل النزاعات الداخلية في السودان و جنوب السودان ويمكن أن تجذب المزيد من الاهتمام الدولي لصفقات السلام المتعثرة.
يمثل اتفاق السلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا في يونيو 2025، والذي تم بوساطة وزارة الخارجية الأمريكية، تقدمًا كبيرًا على الاتفاقيات السابقة من خلال تحديد جداول زمنية ملزمة لانسحاب القوات الرواندية، وحظر دعم متمردي M23، وإلزام جمهورية الكونغو الديمقراطية بحل القوات الديمقراطية لتحرير رواندا FDLR كما يقدم أحكامًا مثيرة للجدل بشأن الوصول المشترك إلى الموارد المعدنية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية ومشاريع التنمية المشتركة، بهدف معالجة الجذور الاقتصادية للصراع. بينما يظهر الاتفاق إمكانية لتحقيق الاستقرار الإقليمي والتكامل الاقتصادي بفضل آليات التنفيذ الأمريكية القوية والحوافز الاقتصادية، فإن نجاحه مهدد باستبعاد متمردي M23، وضعف القدرة المؤسسية لجمهورية الكونغو الديمقراطية، والمظالم التاريخية التي لم تُحل، والضغوط الخارجية المحتملة. التوقعات على المدى القصير محفوفة بالمخاطر بسبب عدم امتثال M23، بينما تعتمد التوقعات على المدى المتوسط على الإدارة العادلة للموارد واستمرار المشاركة الأمريكية.بالتعاون مع المؤسسات الاقليمية و الدولية المختصة ببناء السلام و الامن في القارة. يعتمد نجاح هذا الاتفاق بشكل أساسي على مستوى التعاون الدولي في شأن هذا النزاع الطويل، و إدماج دول الاقليم في تدابير تنفيذ الاتفاق.