الذهب الأبيض بين رهانات الدولة وتحديات الفلاحين.. هل يعود القطن المصري لمكانته العالمية؟

أكد الدكتور خالد أبو شادي، مدير الإدارة الزراعية بالغربية لـ " بلدنا اليـــوم " ، أن الدولة المصرية تتبنى في المرحلة الحالية توجيهات واضحة لزيادة المساحات المزروعة بمحصول القطن، لما يمثله من أهمية اقتصادية وصناعية وتصديرية كبرى، مشددًا على أن منظومة التسويق تعد العامل الحاسم في عودة "الذهب الأبيض" إلى مكانته العالمية.
وأوضح أبو شادي أن أبرز التحديات التي واجهت الفلاحين خلال السنوات الماضية تمثلت فى تذبذب منظومة تسويق القطن وأسعارالتوريد وتأخر صرف مستحقاتهم المالية، وهو ما كان سببًا رئيسيًا في عزوف كثير من المزارعين عن التوسع في زراعة القطن,
وأضاف: "الدولة تعمل حاليًا على معالجة هذه الإشكاليات عبر مشروع للتسويق العادل، يضمن للمزارع توريد محصوله بأسعار مناسبة والحصول على كامل مستحقاته في المواعيد المحددة، وهو ما سيجعل القطن منافسًا قويًا للمحاصيل الصيفية الأخرى."
وأشار إلى أن مصر ما زالت تتميز عالميًا بأصناف القطن طويلة التيلة ذات الجودة الفائقة، من حيث الطول والمتانة والنعومة، مؤكدًا أن بعض هذه الأصناف لا تتوافر في أي دولة أخرى. ولفت إلى أن المساحات المزروعة حاليًا لا تتجاوز 200 ألف فدان، في حين كانت مصر في الماضي تتصدر الإنتاج العالمي.
وشدد مدير الإدارة الزراعية بالغربية على أن التوسع في استخدام التكنولوجيا الحديثة يعد أحد الحلول المهمة أمام المزارع المصري، سواء في عمليات الجني الآلي أو في زراعة البذور منزوع الزغب، وهو ما يقلل من تكلفة العمالة ويوفر الوقت والجهد. وقال إن دعم الفلاح بتقنيات حديثة وأصناف سهلة الجني من شأنه رفع معدلات الإقبال على زراعة القطن ,
أصوات المزارعين: ارتفاع التكاليف أكبر التحديات
لم تقتصر التحديات على قضية التسويق فقط، حيث اشتكى عدد من المزارعين من محافظة الغربية من ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج والعمالة، الأمر الذي يمثل عبئًا كبيرًا عليهم.
يقول محمد محمد جادو، مزارع من مركز بسيون محافظة الغربية: "العمالة أصبحت مرتفعة بشكل مبالغ فيه، بجانب الزيادة الكبيرة في أسعار المستلزمات الزراعية مثل الأسمدة والمبيدات وقطع الغيار. على سبيل المثال، بعض مستلزمات الزراعة التي كانت تكلف المزارع 320 جنيهًا ارتفعت الآن إلى أكثر من ألف جنيه. هذا يجعل الفلاح يعزف عن زراعة القطن ويفكر في محاصيل أقل تكلفة."
وأضاف أن غياب الرقابة على الأسواق أدى إلى تلاعب بعض التجار في أسعار المبيدات والمواد الزراعية، مطالبًا بضرورة تدخل الجهات المسؤولة لوضع ضوابط عادلة تدعم المزارعين وتساعدهم على الاستمرار في زراعة القطن بدلًا من الاعتماد على الاستيراد.
ذكريات الماضي وأمل العودة
من جانبه، تحدث المزارع عطـا حلمي عبد الرحمن قورة من قرية تابعة لمركز زفتى بالغربية، مؤكدًا أن مصر كانت حتى سنوات قريبة تتصدر الإنتاج العالمي للقطن. وقال: "الفلاح المصري كان يعتبر محصول القطن بمثابة زواج الأبناء وستر البيوت، وكان يطلق عليه الذهب الأبيض. لكننا فقدنا هذه المكانة بسبب تراجع المساحات المزروعة وضعف منظومة التسويق."
وأضاف: "أتذكر في عام 2000 عندما كنت في باريس رأيت قميصًا داخليًا بسيطًا يباع في أحد المتاجر الكبرى بمائة يورو فقط لأنه مصنوع من قطن مصري. هذا يوضح قيمة القطن المصري في الخارج. نحن بحاجة لاستعادة تلك المكانة عبر الاهتمام بزراعة الأصناف الجيدة وتطوير منظومة الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى."
وطالب حلمي وزارة الزراعة بضرورة وضع خطة عاجلة لإعادة إحياء زراعة القطن، والتوسع في استخدام الماكينات الحديثة للزراعة والجني، خاصة في ظل نقص العمالة وارتفاع أجورها.
نحو مستقبل أفضل للذهب الأبيض
يرى الخبراء والمزارعون على حد سواء أن مفتاح نجاح زراعة القطن في مصر خلال المرحلة المقبلة يكمن في إصلاح منظومة التسويق وتخفيف الأعباء عن المزارع، إلى جانب إدخال التكنولوجيا الحديثة في مراحل الزراعة والحصاد.
وبينما تعمل الدولة على دعم هذا التوجه من خلال توفير أصناف عالية الجودة تناسب متطلبات السوقين المحلي والدولي، يبقى الرهان على سرعة التنفيذ وإيجاد حلول عملية لمشاكل العمالة وارتفاع تكاليف الإنتاج، حتى يستعيد القطن المصري مكانته التاريخية كـ"قلعة عالمية" في الزراعة والتصدير.